الوسيط والوسطاء والانتقال للحل السياسي سريعاً ..تحسين يقين

في ظل حفر دولة الاحتلال حفرة لنفينا فيها، فإن النتيجة أنها هي التي ستسقط فيها!
مفارقة مثيرة جداً، في الوقت الذي تحقق دولة الاحتلال هدفها بجعل قطاع غزة مكاناً غير صالح للعيش، فقد غدت كذلك!
ترى كيف سيكون التفاوض الآني في ظل ما تتعرض له دولة الاحتلال من إدانة شديدة تمثل لها عزلة دولية قادمة؟ إن ذلك يدفع الى الإسراع في التفاوض لوقف الحرب في ظل حل سياسي للقضية الفلسطينية لا تصفيتها.
ما اختبرناه من الحياة، انه منذ بدء الوسيط عمله، فإنه غالبا ما ينتهي أو يكاد، وبالطبع لكل قاعدة استثناء.
هل طال وقت الوسطاء في الحرب على غزة؟ هل كبر الدور أم صغر؟
يصعب عزل تفاوض الأميركيين المباشر مع حركة حماس عن تحالف دولة الاحتلال مع الولايات المتحدة. لكن ما يدرينا أن هناك قناة تفاوض ما بين الحركة ودولة الاحتلال؟
تبادر الولايات المتحدة الى التفاوض مع حركة حماس دون أن تعرف أن إسرائيل لربما تفاوض حركة حماس، وربما عرفت.
والآن مع المعطيات الجديدة هل فعلا سيقتصر التفاوض على صفقة تبادل الأسرى؟
من الأيام الأولى للحرب، ارتبط حديث حركة حماس عن صفقة تبادل الأسرى بالحل السياسي للقضية الفلسطينية. وهذا ما يختلف عن موقف إسرائيل التي ظلت ترفض الحل السياسي.
خلال ذلك، بلغت الجريمة مدى واسعاً لدرجة براءة أوروبا من فاعلها، فقد تم قتل عشرات الآلاف، وتشريد معظم السكان، أما الباقون فهم بين مصاب ومشرد وجائع. وهكذا وجد المحتلون أنفسهم في ورطة واوي بالع منجل، خاصة أجزاء كبيرة من حكومة الحرب.
لم يعد العالم لا الأول ولا الثالث يشعر بالأمان؛ ففي اللاوعي يسكن قلق البشر والحكومات بأن هناك جزاء سيدفعونه، فليست حرباً هذه، التي تقتل المدنيين، وإن كان هدفها الفعلي الإفراج عن الأسرى، فقد فعلت إسرائيل كل ما يبعدها عن الهدف.
ليس هناك من بريء إلا المدنيون العزل من السلاح، فكيف استمرت دولة الاحتلال بجرائمها؟ وكيف استمرت «الفرجة»؟
وحتى لو تم الاتفاق الآن على وقف إطلاق النار، فإنه تأخر كثيراً، فلا بيت يرجع الناس له، ولا مزرعة. لا مدرسة ولا جامعة، فقد نجح الاحتلال بجعلها مكاناً غير صالح للبقاء؛ ولكن هل ستظل دولة الاحتلال مكاناً قابلاً للعيش!
فهل كان لا بدّ من الحرب-المجزرة حتى يتطور الموقف الأوروبي فيما يخص الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني؟ في هذا السياق، يصوت البرلمان الإسباني على قانون لحظر تجارة الأسلحة مع إسرائيل، ويعيد الاتحاد الأوروبي النظر في اتفاقيات اقتصادية مع دولة الاحتلال، وتؤكد فرنسا على الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
لقد بنى الغزيون بيوتهم بشكل فرديّ، والآن بعد الهدم راحوا يتحدثون عن بناء جديد يقوم به الآخرون، ولعل وقف إطلاق النار سيكون مجال تهجير الغزيين. ولعل ذلك يذكرنا بما فكرت به دولة الاحتلال في بداية السبعينيات: «وإثباتاً للأمر الواقع، وفقاً لشلومو غازيت» في كتابه «الطعم بالمصيدة»، بعدم جعل تواصل جغرافي بين فلسطين (قطاع غزة) ومصر، فقد استخدمت إسرائيل المستوطنات لتكون حاجزاً «وقد عمل شارون ضمن رؤية استراتيجية بعيدة المدى، حيث اعتقد أن الاتفاق السياسي بين مصر وإسرائيل سيرتبط بإخلاء سيناء، الأمر الذي يؤدي إلى عودة الجيش المصري للانتشار على طول الحدود مع قطاع غزة، ووجود حاجز يتمثل بسلسلة مستوطنات في مداخل رفح سيمنع التعاون بين الجيش المصري وسكان قطاع غزة، وبالإضافة لذلك سيمنع الحاجز وجود علاقة مباشرة بين مصر والفلسطينيين في قطاع غزة، وسيقلل الاهتمام المصري بالموضوع الفلسطيني أو بالنشاطات الإسرائيلية على طول الخطوط الدولية».
لكن لا الخطة نجحت، ولا هاجر الغزيون، ولكن ما يعيشه الغزيون من صعوبات، يجعلهم يفكرون. إلا أنه ولو ضمّت إسرائيل قطاع غزة بمن سيبقون فيه، فإن مشكلة الديموغرافيا ستزداد.
وعودة الى الوسيط والوسطاء، فإن ما يتم التفاوض عليه ليس الإفراج عن الأسرى، بل بترتيبات اليوم الثاني، الذي سيجعل غزة بعدد قليل من السكان لعله النصف يصبحون عمالاً لدى دولة الاحتلال.
الوسطاء يفكرون في اليوم التالي، وإسرائيل تفكر بما يمكن فعله: نفي الشعب بكل الطرق.
والوسيط الأميركي يتابع ما بدأته دولة الاحتلال بإنهاء نفسها سياسيا، ويتابع ردود فعل الساسة، من ذلك ما انتقد به زعيم حزب «الديمقراطيين» الإسرائيلي المعارض يائير غولان، حكومة الاحتلال، «معتبراً أنها مليئة بأشخاص تتملكهم مشاعر الانتقام ولا أخلاق لديهم وهي عاجزة وتشكل خطراً على وجود إسرائيل، وأن تل أبيب تتجه نحو العزلة والانهيار الاقتصادي والاجتماعي وتفقد قدرتها على توفير الأمان لمواطنيها»، في حين يصف عضو الكنيست عوفر كيسف الحرب على غزة بجريمة حرب، «ويوجّه الكاتب الإسرائيلي إيتاي لاندسبيرغ نيفو نقداً لاذعاً إلى القيادات العسكرية الإسرائيلية، متهماً إياها بالخضوع الأعمى لقرارات سياسية وصفها بـ»المجنونة والخطيرة».
كذلك يصف رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود أولمرت، في مقابلة مع شبكة BBC ما «تفعله إسرائيل الآن في غزة قريب جدًا من جريمة حرب. الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء يُقتلون، وكذلك العديد من الجنود الإسرائيليين». تلك بعض من الانتقادات الداخلية في دولة الاحتلال.
لعل الوقت مؤاتٍ للوسيط الأميركي كي يفرض شيئاً ما في ظل انكشاف الاحتلال لنفسه والعالم، لا من اجل وقف الحرب فقط، بل لفرض حل حقيقي ينهي الصراع.
عربياً، سيكون لتغير قواعد لعبة الوساطة باتجاه جعل خيوط الحلول في أيدي الولايات المتحدة، إلى تغير حال التحالفات، لا باتجاه إلغائها، بل باتجاه تحييد أدوار الآخرين.
لقد قيل بأن الولايات المتحدة تؤثر الحلول عند نضج الحال، بحيث تقوم هي بذلك، بما يضمن مصالحها وحدها، ولعل زيارة الرئيس ترامب لمنطقتنا أكدت أن ما يهم أميركا هو مصلحتها المتحققة؛ في ظل تحالفها مع الجميع هنا، حتى ولو كان هناك اختلاف بينهم، لسبب بسيط، وهو ضمان الاتفاق على مصلحة الأميركيين، الذين لا يقدسون دولاً ولا شخصيات، بل يقدسون مصالحهم.
ما يهم الوسيط اليوم في وقف الحرب هو قطف ثمارها.
لذلك لا بدّ من حلّ سياسي، والوقت ملائم له.
[email protected]