اخبار المغرب

العالم على شفير كارثة افتراضية.. حين يتحوّل الردع النووي إلى انتحار جماعي

في زمنٍ يُفترض أنه ما بعد الحرب الباردة يعود شبح الحرب النووية ليُخيّم على المشهد الدولي، بملامح أكثر تشوّهًا من أي وقت مضى؛ فخطاب التهديد حلّ محلّ لغة التعقّل، والتلويح بالسلاح النووي لم يعد حكرًا على السيناريوهات الكارثية، بل أضحى أداة ضغط حاضرة في الصراعات الجيوسياسية.

في تقرير حديث لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) يؤكد الباحث هانس كريستنسن أن “حقبة خفض الترسانات النووية قد انتهت”، وأن العالم يشهد اليوم سباقًا تسليحيًا معكوسًا. وحدها الولايات المتحدة وروسيا تمتلكان قرابة 90٪ من المخزون العالمي، الذي يناهز 12 ألف رأس نووي، منها آلاف في حالة تأهّب قصوى.

أما الصين فتمضي بوتيرة متسارعة لتوسيع ترسانتها بهدف تحقيق توازن إستراتيجي مع القوتين العظميين بحلول 2030.

غير أن السؤال الأخطر لا يتعلق بالأعداد، بل بالوظيفة: هل الردع النووي أداة لحماية السلام؟ أم وصفة لفناء متبادل مؤجّل؟.

في محاكاة نشرتها صحيفة “واشنطن بوست” يرسم خبراء الأمن القومي الأمريكي سيناريو افتراضيًا يُظهر كيف يمكن لهجوم نووي مباغت أن يُغرق الولايات المتحدة والعالم في غضون دقائق في أتون كارثة شاملة.

تبدأ القصة بصواريخ عابرة للقارات تُطلقها قوة معادية، ترصدها الأقمار الصناعية الأمريكية فورًا عبر إشارات حرارية، لتُفعّل بروتوكولات الطوارئ في مراكز القيادة من كولورادو إلى البنتاغون.

في غضون خمس دقائق يُنقل الرئيس الأميركي، حتى وإن كان في الجو، إلى غرفة عمليات محصنة داخل طائرة الرئاسة؛ تُفتح أمامه الحقيبة النووية، وتُعرض عليه “الخيارات السوداء”. بحلول الدقيقة العاشرة تتأكد معلومات الرادارات الأرضية بأن الصواريخ المعادية في طريقها نحو قواعد الصواريخ والمراكز القيادية والمدن الكبرى.

تُقدَّم للرئيس خيارات الرد: ضرب مراكز القيادة للعدو أو تدمير قواعد إطلاقه. ومع ضغط الوقت يُتخذ القرار: إطلاق 300 صاروخ نووي أميركي، تتبعها طلعات قاذفات ثقيلة.

وبعد نصف ساعة فقط من بدء الهجوم تسقط الصواريخ المعادية فوق داكوتا، ونبراسكا، وواشنطن العاصمة، وتحيل الشريط الشرقي للولايات المتحدة إلى منطقة منكوبة: مئات الآلاف من الضحايا، نيران لا تنطفئ، وبنية تحتية منهارة. وفي غضون ساعة يُقدّر عدد القتلى بأكثر من مليون، فيما تنتشر السحب الإشعاعية عبر الرياح إلى كندا وشمال الأطلسي.

أما الرد الأميركي فلا يقل رعبًا. تنطلق الصواريخ نحو أراضي العدو، وتدخل البشرية في دوامة دمار متبادل. علماء المناخ يحذّرون من دخول العالم في شتاء نووي طويل، يغطّي الشمس بسحب من الرماد، ويُجهز على الزراعة، ويُغرق الكوكب في مجاعة.

قد يبدو هذا السيناريو مُستبعدًا، لكنه ليس خيالًا. فمع تزايد الاعتماد على قرارات مؤتمتة وأنظمة معقّدة يمكن لخطأ تقني، أو تقدير خاطئ، أو اختراق سيبراني، أن يشعل شرارة الحرب.

وما يزيد المشهد قتامة هو الواقع. دولٌ كانت حتى وقت قريب تتبنّى فلسفة “الردع الكافي”، مثل فرنسا وبريطانيا، بدأت توسيع ترساناتها. باريس تستثمر مليارات اليوروهات في تحديث غواصاتها وصواريخها العابرة للقارات، وتعيد صياغة عقيدتها النووية داخل الحلف الأطلسي. أما لندن فتُخطّط لبناء جيل جديد من الغواصات وتجهيز طائرات F-35 برؤوس نووية، وسط تصعيد خطابي تجاه موسكو.

ما يُفاقم الأزمة هو دخول الذكاء الاصطناعي كعنصر حاسم في أنظمة الردع واتخاذ القرار العسكري، ما قد يجعل من الخطأ التقني أو الاختراق السيبراني سببًا مباشرًا في إطلاق حرب نووية غير مقصودة. كما أن الغموض الذي يحيط بإجراءات الإطلاق، خاصة في الولايات المتحدة أو روسيا، يزيد من خطر “الضربة الوقائية” أو التقدير الخاطئ للنوايا العدائية.

في ظل هذه الصورة القاتمة يعود السؤال القديم – الجديد ليطرح نفسه: هل يمكن للسلاح النووي أن يحمي؟ أم إنه مجرّد تأجيل لانهيار محتوم؟ تجربة القرن العشرين تُظهر أن الرعب النووي نجح في ردع الدول الكبرى عن مواجهة مباشرة، لكنه، في السياق العالمي الحالي، بات عنصرًا فاعلًا في زعزعة الاستقرار، وتعميق انعدام الثقة، وتحفيز التسلّح لدى الدول الصغرى والمتوسطة.

إن “الردع” يفترض عقلانية جماعية وقدرة على ضبط النفس في أحلك اللحظات. لكن التاريخ يُثبت أن الحروب لا تُشتعل دائمًا بفعل قرارات عقلانية، بل أحيانًا نتيجة سوء تقدير، أو طموح مفرط، أو حتى خلل تقني.

وربما، في عالم يزداد فوضى وخضوعًا للغرائز السلطوية، لا يكون الخطر في وجود السلاح النووي فحسب، بل في أن يصبح هذا السلاح هو الجواب الوحيد المتاح، عندما تفشل الدبلوماسية، وتخبو الحكمة.