الذبحة الصدرية.. ألم ينبئ عن أحوال الشرايين

إعداد: ليلى إبراهيم شلبي
نشر في:
الجمعة 11 يوليه 2025 – 7:34 م
| آخر تحديث:
الجمعة 11 يوليه 2025 – 7:34 م
من منا لم تفاجئه فى يوم آلام حادة قصيرة متكررة فى الصدر غالبا الجانب الأيسر منه. قد تنحسر تلك الآلام بسرعة فجأة كما بدأت. قد تدوم أحيانا للحظات أطول فيصبح التنفس مؤلما مما يجبر الإنسان على التقاط أنفاس لاهثة متقطعة لا تملأ عمق الصدر. يتبدد الألم ويتلاشى تماما لكن الشمس لا تسطع إنما تملأ النفس سحب القلق وغيوم الفكر.
هل أعانى من انسداد شرايين القلب؟
هل تلك هى آلام الذبحة الصدرية؟
الأمر وارد. لكن هناك العديد من أنواع آلام الصدر التى تماثل الذبحة الصدرية فى حدتها وربما فاقتها إلا أنها آلام كالأشباح تظهر بلا أثر وتمضى بلا خطر لذا كان على الإنسان أن يتثبت من مصدر تلك الآلام ومنشئها.
الفيصل فى تحديد منشأ وسبب آلام الذبحة الصدرية هى القسطرة التشخيصية التى تستخدم لمعرفة إذا ما كان هناك سد فى مجرى الدم عبر شرايين القلب التاجية هو السبب الأساسى لتلك الآلام أو أنها سليمة لا يعوق سريان الدم فيها شىء وبالتالى يكون منشأ الآلام من مصدر آخر غير القلب.
تعتمد القسطرة التشخيصية على حقن صبغة تظهر كل تفاصيل شرايين القلب التاجية الثلاثة من خلال تلك الصورة يمكن الحكم على درجة تروية القلب وهل هى كافية أم لا.
قبل القسطرة هناك رسم القلب العادى ورسم القلب مع المجهود وتصوير القلب بتقنية الصدى الصوتى. كلها أيضا اختبارات تشير إلى احتمالات الإصابة بالذبحة الصدرية من عدمها.
يلعب تسجيل التاريخ المرضى والأسرى دورا هاما فى تشخيص قصور الدورة التاجية الذى ينجم عنه الذبحة الصدرية.
الدقة فى وصف الألم وتوقيته وارتباطه ببذل المجهود من عدمه كذلك إذا ما كانت أمراض الشرايين مرضا متوارثا فى العائلة كلها ظواهر مجتمعة تشير إلى حقيقة الأمر.
آلام الذبحة الصدرية: أول إشارة تعلن عن إصابة شرايين القلب التاجية بمرض تصلب الشرايين. يقع القلب وسط الصدر فى موقع يتبعه قليلا إلى اليسار. ينقبض القلب وينبسط فى إيقاع منتظم بمعدل سبعين مرة فى الدقيقة الواحدة فى الأحوال العادية بعيدا عن الانفعالات واحتمال المرض.
يدفع الدم فى الشرايين ما يعادل ٥٫٥ لتر من الدم فى الدقيقة ليصل الدم من خلال شبكة عبقرية التكوين إلى كل أعضاء الجسم وحتى أطراف الأصابع حاملا الأكسجين اللازم للحياة وكل العناصر اللازمة لها من هورمونات وإنزيمات وعناصر غذائية ثم امتصاصها. تلتقط الأنسجة ما تحتاجه وتعيد لتيار الدم ثانى أكسيد الكربون وبقايا ما يفيض عنها ومنها نتاج عمليات التمثيل الغذائى يعود الدم مرة أخرى إلى القلب عبر الأوردة ليضخه فى اتجاه الرئة ليعود إليه مرة أخرى محملا بالأكسجين.
عملية بالغة التعقيد محكمة الأحداث والتوقيت يمارسها القلب بلا كلل أو ملل أو انقطاع طالما هناك عرق ينبض بالحياة.
كان لابد للقلب من مصدر للدم يغذيه أيضا فلا عجب إذن أن يصل إليه الدم اللازم عبر شريانين رئيسيين يتفرعان مباشرة من شريان الأورطى فور خروجه من البطين الأيسر. ينقسم بعد ذلك الشريان التاجى الأيسر إلى شريانين ينحدران ليغذيا الجزء الأمامى من القلب بينما يغطى الشريان التاجى الأيمن حاجة عضلة القلب من الخلف.
تمتلئ الشرايين التاجية بالدم أثناء انبساط عضلة القلب عكس كل شرايين الجسم التى تمتلئ بالدم حينما تنقبض عضلة القلب لتدفع الدم بقوة فيها.
آلام الذبحة الصدرية تعد أولى علامات الإنذار التى يطلقها القلب ليعلن عن حاجته إلى كمية أكبر من الدم إذا ما نقصت الكمية الواردة إليه عبر الشرايين التاجية.
عادة ما تكفيه الكمية التى تصله من الدم لأداء مهامه. لكن الجهد البدنى الزائد كممارسة التمارين الرياضية أو الانفعالات الحادة كالخوف والغضب أو الانفعال العاطفى يصاحبها إفراز هورمونى الابينفرين والنورابينيفرين اللذين يحفزان عضلة القلب على بذل جهد أكبر مما يزيد حاجته إلى طاقة أكبر من إمداد الأكسجين والسكر والدهون العناصر التى يحملها الدم إليه. فى الأحوال العادية فإن عملية التكيف تتم ببساطة إذ تتسع الشرايين التاجية بإيقاعها الذاتى لتتيح لعضلة القلب مددا من الدم أكبر. لكن ما الذى يمكنه أن يحدث إذا ما تصلبت تلك الشرايين وتراكمت على بطانتها الداخلية الناعمة ترسيبات مختلفة من الكولستيرول والخلايا الميتة وذرات الكالسيوم؟
تضيق الشرايين نسبيا فتصل نسبة أقل من كمية الدم الذى تحتاجه عضلة القلب التى تبدأ فى الصراخ طالبة النجدة. الألم هو المرادف لتلك الصرخة التى يستشعرها القلب ولا يطلقها.
عادة لا يقف الأمر عند هذا الحد إذ قد تنجرف تلك الترسبات على جدران الشرايين إلى تيار الدم الذى يتحرك بصعوبة فتسد مجراه الأمر الذى يعرف بالنوبة القلبية (Myocardial infarction) أو موت الأنسجة المحيطة بالشريان المسدود من عضلة القلب ذاتها.
إذا ما ارتبط الألم بالمجهود كان لنا أن نسميها الذبحة الصدرية المستقرة أما إذا تكرر الألم فى أوقات مختلفة لا علاقة لها بالمجهود بل فى أوقات الراحة وربما أثناء النوم فإنها توصف بالذبحة الصدرية غير المستقرة وهى الأخطر إذ غالبا ما تتطور لنوبة قلبية فى المستقبل القريب إذا لم يتم التدخل السريع سواء بتوسيع الشرايين باستخدام البالون والدعامات أو الجراحة وفقا للمعلومات التى تتيحها إجراء قسطرة قلبية للشرايين التاجية.
الواقع أن ألم الذبحة الصدرية قد يخدع المريض والطبيب معا. قد لا يعدو إحساسا بالانزعاج أو الألم البسيط أو الإحساس بعدم الارتياح فى منطقة الصدر وأعلى البطن. قد يستمر لدقائق معدودة أو ينتهى فجأة ليعود مجددا. أو قد يأتى فى صورة إحساس ثقيل يعصر عضلات الصدر أو إحساس بتقلص المعدة وامتلاء البطن.
أو قد يباغت الإنسان بألم صاعق فى وسط الصدر يمتد إلى الجهة اليسرى والذراع اليسرى وربما الفك.
قد يصاحب الألم ضيق فى التنفس وإفراز العرق البارد والرغبة فى القىء والدوار والدوخة.
وصف الألم بدقة هو أول وأهم خطوة فى تشخيص الذبحة الصدرية لذا يجب على الطبيب أن ينصت جيدا للمريض وأن ي