الطريق نحو “أنسنة العقوبات” .. المغرب يراكم الخطوات لإلغاء الإعدام

قال فاعلون حقوقيون مدافعون عن إلغاء عقوبة الإعدام إن استفادة 23 محكوما بالإعدام من العفو الملكي بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش “يندرج في مسار واضح يقترب من إلغاء عقوبة الإعدام”، خصوصا في “سياق قدمت فيه الرباط جملة من الإشارات الإيجابية لفائدة الطرح الحقوقي الوطني والدولي”.
وشدّد الحقوقيون، ضمن حديثهم إلى هسبريس، على أن “تحويل عقوبة الإعدام إلى عقوبة محددة لفائدة 23 شخصا من أصل 54 محكوما نهائيًا بالإعدام يتجه نحو إفراغ السجون بشكل أولي من أثر العقوبة، وفق منهجية واضحة تنتصر للحق في الحياة بوصفه أول حق لكل إنسان يتعين على القانون حمايته، والتخلي عما يسمى الانتقام باسم القانون”.
منهجية واضحة
مصطفى العراقي، عضو الائتلاف المغربي ضد عقوبة الإعدام، قال إن “استفادة 23 محكوما بالإعدام من العفو الملكي يبعث إشارات قوية يمكن قراءتها أساسا من خلال كونها دعما للفصل 20 من الدستور، الذي ينص على الحق في الحياة”.
وأشار العراقي، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، أن هذا العفو يأتي في سياق يشهد تحولات فارقة، منها تصويت المملكة لأول مرة بالإيجاب على قرار الإيقاف العالمي لتنفيذ عقوبة الإعدام أمام اللجنة الثالثة للأمم المتحدة، مبرزا أن “بلادنا دأبت سابقا على الامتناع عن التصويت منذ طرح القرار للوهلة الأولى، وهو ما يعكس وجود إرادة على هذا المستوى”.
واعتبر المتحدث عينه أن “العفو الملكي هو رسالة إلى المؤسسة الحكومية وكذا التشريعية التي يوجد ضمن جدول أعمالها مشروع القانون الجنائي”، وتابع: “كما هو معلوم فإن من بين النقط التي تحظى باهتمام هذه المؤسسة واهتمام الحركة الحقوقية ببلادنا عقوبة الإعدام، وحذفها من القانونين الجنائي والعسكري انسجامًا مع التزامات بلادنا الحقوقية، وتوقيعها ومصادقتها على عدة اتفاقيات”.
وأكد الحقوقي ذاته أنه “منذ اعتلاء الملك العرش طال العفو عشرات المحكومين بالإعدام، وهو رقم يجب الالتفات إلى أهميته، فهو بمثابة توطئة لإلغاء هذه العقوبة”، مردفا: “تَعزّز الوضع في رسالة ملكية وُجهت إلى المشاركين في المنتدى العالمي لحقوق الإنسان بمراكش سنة 2014، أشاد فيها عاهل البلاد بالنقاش الدائر حول عقوبة الإعدام، بمبادرة من المجتمع المدني، والعديد من البرلمانيين ورجال القانون”.
ثمرة إيجابية
مليكة غبار، رئيسة “الشبكة المغربية لنساء ورجال التعليم ضد عقوبة الإعدام”، قالت إن “العفو الملكي يواصل إرساء أرضية متفقٍ حولها بين الفاعلين في الشأن الحقوقي المغربي، مفادها أن البلاد تسير في اتجاه الإلغاء النهائي للعقوبة السالبة للحياة من القوانين الوطنية”، مشددةً على أن “هذا العفو يعكس نوعًا من التراكم الذي تجسد في الآونة الأخيرة في التصويت الإيجابي لفائدة وقف التنفيذ”.
وأشارت غبار، ضمن تصريحها لجريدة هسبريس، إلى أن “المغرب لم ينفذ هذه العقوبة منذ 1993″، موردة أن “المعنويات عالية، خصوصًا بالنسبة للفاعلين المدنيين الذين ترافعوا عن الموضوع لأزيد من عقدين من الزمن، كما أن السّلطة الحكومية تسير في اتجاه تلبية مطلب الفصل 20 من الدستور، الذي يقر بالحق في الحياة”.
وأكدت المتحدثة عينها أن “الجمعيات الحقوقية كلها لا بد أن تُساند هذا الطرح، فلا يمكن الانتماء إلى الأسرة الحقوقية في حال التشويش على تمتيع المتهمين بالحق في الحياة أو مساندة طرح الإعدام”، لافتةً إلى أن “الدولة الحديثة، أمام نقاشات أنسنة العقوبة، لم يعد ثمة فيها مكان للانتقام باسم القانون أو القتل باسم القضاء، فيما انخرط المغرب تدريجيًّا في هذا المسار، وستكون الثمرة إيجابية ومنصفة للحق في الحياة”.