علي الشرفاء الحمادي يكتب : المتبرئون من القرآن

قال الله تعالى في كتابه الكريم مخاطبًا نبيه محمدًا ﷺ أن يبلّغ الناس جميعًا : ” قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ، وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ” – ” الأعراف: 158 ” .
في هذا الخطاب الإلهي الواضح، يأمر الله نبيه أن يُعلن إيمانه بالله وكلماته، أي آياته القرآنية، ويأمر الناس بالإيمان به واتباعه. وقد شهد المسلمون بذلك في نطقهم بالشهادتين: ” أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله ” .
وبهذا العهد، يُقرّ المسلم باتباع ما جاء به الرسول من آيات ربه، والإيمان بما آمن به النبي ﷺ. فإن تخلّى المسلم عن هذا العهد وهجر القرآن، وهو المرجع الوحيد لدين الإسلام، فقد خالف أمر الله وخرج عن صراطه .
وعليه أن يُراجع نفسه ويتدبّر آيات ربه ليُصحّح مساره، قبل أن يندم حين لا ينفع الندم، ولا تنفعه شفاعة، حين يواجه خزنة النار يقولون له: ” أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا؟ قَالُوا بَلَىٰ، وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ” .. ” الزمر: 71 ” .
- تحذير إلهي وعواقب الإعراض
فمن من المسلمين يرضى أن يكون في هذا الموقف ؟ من يقبل أن يكون من أهل النار، مطرودًا من رحمة الله؟! إن الله جلّ وعلا يخاطب العقول، ويوجه تحذيرات استباقية لعباده قبل أن يقعوا في المعصية. يهديهم إلى طريق الخير في الدنيا، وإلى جنات النعيم في الآخرة .
فهل يُعقل أن يدلّنا الخالق الحكيم على طريق الرحمة، ثم نُعرض عنه؟! ذلك الطريق الذي يحقق الأمن النفسي والسلام الاجتماعي والحياة الطيبة في الدنيا، ويؤدي إلى النعيم الأبدي، كما قال تعالى: ” إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ” .. ” إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا ” .. ” إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا ” – الإنسان: 3–11 ” .. ويُخاطب الإنسان قائلاً : ” يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ، مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ؟ – الانفطار: 6–19 ” .
- مهمة النبي ﷺ والقرآن كمنهاج
على من انتسب إلى الإسلام أن يُدرك أن الله سبحانه كلّف رسوله بتبليغ آيات القرآن، ليُخرج الناس من ظلمات الجهل إلى نور العلم والإيمان .
وحذّرهم من غواية الشيطان الذي أقسم أن يغوي بني آدم. لكن الله دلّهم على حياة مستقرة يسودها التعاون والرحمة، في قوله: ” إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ” – ” المائدة: 67 ” .. وقد حُدّدت مهمة النبي ﷺ في قوله تعالي : ” فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ” – ” ق: 45 ” .
- خطر الانصراف إلى الروايات
فمن شهد أن محمدًا رسول الله، لا يصح له أن يُعرض عن ما بلّغه النبي من آيات، ويتبع ما ألّفه الناس من روايات يصفونها زورًا بأنها أحاديث نبوية.
والله قد حذّر قائلاً: ” تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ، فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ؟ ” – الجاثية: 6 ” . . وقال أيضًا : ” قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً؟ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ، وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ” – الأنعام: 19 ” .. وقال محذرًا ” ” فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي ” – ” طه: 123–126 ” .
- حرية القرار ومسؤولية العواقب
من أراد هُدى الله فسوف يسعد في الدنيا والآخرة، ومن أعرض فعليه عاقبة اختياره ، فالخالق جلّ وعلا وهب الإنسان حرية القرار، ولكنه حمّله مسؤولية العواقب، فقال : ” مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ، وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ” – ” فصلت: 46 ” .
- واقع مؤلم ونتائج التخلّي عن القرآن
في ظل ما يمر به العالم العربي من نكبات، بعد أن أعرضوا عن التشريع الإلهي والمنهاج القرآني، واستبدلوه بروايات ملفقة وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان، لم يُطيعوا الله ورسوله ، بل تنازعوا وتقاتلوا وتفرقوا إلى شيع وأحزاب .
سقطت دول مثل: ليبيا، اليمن، السودان، العراق، الصومال، وراح الأبرياء ضحية لفرقتهم ، وذابت مصالح الشعوب تحت أقدام المصالح السياسية والمادية، ذلك لأنهم فرّقوا بين القرآن والروايات، وجعلوا الروايات الإسرائيلية دينًا بديلاً .
وكانت هذه الروايات أحد أسباب الحروب، وأداة في إثارة الخلافات، حتى أصبحت الأوطان لقمة سائغة للأعداء ينهبون خيراتها ويسفكون دماء أهلها .
- مؤامرات فكرية وشيطنة “القرآنيين
واليوم، ظهرت موجة جديدة من الحرب النفسية، تهدف لإثارة الشكوك حول القرآن الكريم، ووصم المتمسكين به بأنهم “قرآنيون”، وكأن هذا ذنب!
وكل ذلك لزيادة الفرقة وفتح أبواب الفتن، بينما ينفّذ أعداء الأمة خططهم العدوانية .
- لماذا أُرسل محمد ﷺ؟
أُرسل ليُبلّغ آيات الله، ويُرسي دعائم الرحمة والعدل والإحسان، وينهي الاعتداء، وينشر السلام، ليعيش الناس في أمن وسكينة، دون نزاع أو خصام .
أسأل الله أن يُنير بصيرتكم، ويجعلكم من عباده المتدبرين في كتابه، المتبعين لآياته، الواعين ليوم الحساب، حين يقول تعالى: ” وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ، وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا ” – ” الإسراء: 13 ” .. في هذا الكتاب، تُسجل كل صغيرة وكبيرة من خير وشر، لا يُغادر منها شيء .