تل أبيب في قلب باريس .. تفاصيل القوة الناعمة للوبي الإسرائيلي في فرنسا

أثار تقرير مطول نشرته “لوموند ديبلوماتيك” جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية، بعد أن سلّط الضوء على الدور الذي يلعبه ما وصفه بـ”اللوبي المؤيد لإسرائيل” في كبح السياسات العقابية ضد حكومة تل أبيب، رغم تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وعلى رأسها غزة والضفة الغربية.
التقرير، الذي أعده سيرج حليمي وبيير ريمبير، استعرض آليات التأثير غير المعلنة لهذا اللوبي في الأوساط الإعلامية، والسياسية، والدبلوماسية الفرنسية، منبهًا إلى انزياح تدريجي في المواقف الرسمية لصالح تل أبيب.
ويشير الكاتبان إلى أن فرنسا، التي كانت ذات يوم طرفًا فاعلًا في “السياسة العربية”، تحولت تدريجيًا إلى حليف صامت لإسرائيل، بفعل تداخل عوامل دبلوماسية، وتوازنات داخلية، وتأثيرات إعلامية موجهة. ويوضح التقرير أن الشبكة المؤيدة لإسرائيل لا تقتصر على المؤسسات اليهودية التقليدية، بل تشمل طيفًا واسعًا من الأصوات، من يمين الوسط إلى اليسار الليبرالي، إضافة إلى وسائل إعلام ونجوم فكر وسياسة يرون في إسرائيل خط الدفاع الأول عن الغرب ضد ما يوصف بـ”الإسلام السياسي” أو التطرف.
ويلفت التقرير إلى التناقض الصارخ في تعامل العواصم الغربية، ومنها باريس، مع النزاعات الدولية، مشيرًا إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يتردد في فرض عقوبات صارمة ومتتالية على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا، بينما يتعامل بتراخٍ ملحوظ مع انتهاكات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، رغم صدور مذكرة توقيف بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بتهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ويرى الكاتبان أن حالة “الصمت النشط”، التي تحيط بالممارسات الإسرائيلية، تُفسّر جزئيًا بما يتمتع به اللوبي من قدرة على فرض سردية موالية لإسرائيل داخل الفضاء العام الفرنسي، بما في ذلك المؤسسات الرسمية والإعلامية الكبرى. ويشيران إلى أن هذه البيئة لم تعد تسمح بقدر كبير من التعبير عن التضامن مع الفلسطينيين، حيث يُعاد تأطير ذلك في سياق “معاداة السامية” أو “التعاطف مع الإرهاب”، وهي تهم جاهزة تكفي لإخراس الأصوات الناقدة.
وحسب التقرير ذاته، فإن ما يضاعف خطورة هذا الاصطفاف غير المعلن هو دخول قطاعات من اليسار المعتدل والوسط الليبرالي في هذا السياق، حيث يُقدَّم دعم إسرائيل ليس من باب الانحياز الأيديولوجي فحسب، بل باعتبارها حليفًا حضاريًا في “معركة الغرب ضد التهديدات الإرهابية”، وهي مقاربة تُستخدم لتبرير القمع ضد أي تحرك شعبي أو ثقافي داعم للقضية الفلسطينية.
التقرير يشير أيضًا إلى دور شخصيات نافذة مثل برنار هنري ليفي، وصحافيين بارزين في منصات إعلامية كمجلة لوفيغارو وقناة CNews، ممن تبنوا خطابًا يميل إلى تطبيع الممارسات الإسرائيلية في غزة، وشيطنة أي انتقاد لها.
وأبرز الكاتبان أن هذه المعالجة الإعلامية تسهم في تزييف النقاش العام، وتحرم الرأي العام من الاطلاع على حجم الكارثة الإنسانية والحقوقية الجارية في الأراضي الفلسطينية.
ويُختتم التقرير بالإشارة إلى المفارقة الصارخة في الموقف الفرنسي الراهن، حيث تحولت باريس من صوت كان يحذّر من الانتهاكات الإسرائيلية إلى قوة إقليمية مترددة، تلتزم بخطاب إنساني فضفاض لا يترجم إلى مواقف سياسية واضحة.
ويدعو التقرير إلى إعادة التفكير في تموضع فرنسا الدبلوماسي، وعدم التضحية بالمبادئ الأخلاقية باسم التحالفات الآنية أو الحسابات الانتخابية الداخلية.