انخفاض ملحوظ لتأييد الديمقراطية الليبرالية بعد الانتفاضات العربية

بينت بيانات تحليلية لأحدث استطلاعات البارومتر العربي أن النظام السياسي الديمقراطي، الذي وُصف للمبحوثين بأنه نظام برلماني تتنافس فيه الأحزاب القومية، واليسارية، واليمينية، والإسلامية في انتخابات برلمانية، يحظى بدعمٍ متوسط في المغرب.
جاء ذلك ضمن استطلاع بعنوان “الرأي العام تجاه النظم السياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (2023–2024)”، حيث أشار البارومتر العربي إلى أن غالبية واضحة (68 بالمئة) من المغاربة عبّرت عن أن هذا النوع من النظام مناسب جدا أو مناسب لبلدهم.
في المقابل، جاء مستوى الدعم أقل في بلدان أخرى. ففي فلسطين (54 بالمئة)، موريتانيا (52 بالمئة)، والأردن (51 بالمئة)، وبين التقرير أن “نحو نصف المواطنين فقط يرون أن النظام الديمقراطي الليبرالي ملائم. أما في لبنان (42 بالمئة)، والعراق (39 بالمئة)، وتونس (38 بالمئة)، فلا تتعدى نسبة المؤيدين لهذا النظام أقلية من المواطنين”.
وأضاف التقرير أن من اللافت أن “هذه البلدان الثلاثة شهدت انتخابات برلمانية مهمة خلال العقد الماضي، إلا أن أقل من نصف مواطنيها يعتبرون هذا النظام مناسبا”.
وأوضح البارومتر العربي أن “الشباب في تونس يظهرون عزوفا أكبر عن النظام الديمقراطي، حيث لا يرى سوى 31 بالمئة من التونسيين في الشريحة العمرية من 18 إلى 29 عاما أن النظام الديمقراطي الليبرالي مناسب لبلدهم”. وهي نسبة “تقل بعشر نقاط مئوية عن الشريحة الأكبر سنا التي بلغت سن الرشد قبل ثورة الياسمين عام 2011″، مسجلا أن “من تشكلت خبراتهم السياسية والاجتماعية خلال التحديات الاقتصادية التي أعقبت الثورة يميلون بشكل خاص إلى رفض هذا النظام”.
وأشار التقرير إلى أن “ذلك لا يعني أن المواطنين يريدون نظاما لا يكون لهم فيه أي دور، فعند سؤالهم عن مدى ملاءمة نظام الحاكم القوي، والمعرّف بأنه “نظام سياسي تُدار فيه الدولة بسلطة قوية تتخذ القرارات دون اعتبار لنتائج الانتخابات أو آراء المعارضة”، يُظهر أقل من النصف في جميع البلدان التي شملها الاستطلاع تأييدا له”.
وأضاف: لم تتجاوز نسبة المؤيدين لهذا النوع من الحكم نسبة المؤيدين للديمقراطية الليبرالية سوى في العراق (46 بالمئة مقابل 39 بالمئة). كما تمثل تونس استثناء آخر، حيث يكاد يتساوى الدعم للحكم السلطوي مع الديمقراطي (36 بالمئة مقابل 38 بالمئة). أما في بقية البلدان، فلا تتعدى نسبة من يرون أن حكم الحاكم القوي مناسب أقليات صغيرة، تتراوح بين 28 بالمئة في الأردن و20 بالمئة في لبنان.
وبيّن البارومتر العربي أن “الشباب يميلون في العادة إلى رفض نظام الحاكم القوي أكثر من الفئات الأكبر سنا، بما في ذلك في تونس”. ففي هذا البلد المغاربي، “تقل احتمالية تأييد المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما للحكم السلطوي بمقدار 12 نقطة مئوية مقارنة بمن هم في سن 30 فأكبر. وفي العراق يبلغ الفارق 8 نقاط، وفي موريتانيا 6 نقاط، وفي الأردن 5 نقاط، في حين يمثل لبنان استثناءً، حيث يُظهر الشباب ميلا أكبر لتأييد حكم الحاكم القوي مقارنة بالفئات الأكبر سنا (24 بالمئة مقابل 18 بالمئة)”.
كما أورد الاستطلاع أن الدعم لفكرة “الدكتاتورية العادلة”، المعرّفة بأنها حكومة تلبي احتياجات المواطنين دون منحهم حق المشاركة في العملية السياسية، “يظل محدودا”، مبرزا أنه “في جميع البلدان المشمولة بالاستطلاع، يقول أقل من نصف المبحوثين إن مثل هذا النظام مناسب أو مناسب جدا”، وتابع: “في معظم البلدان، تتراوح نسب التأييد بين نحو ثلاثة إلى أربعة من كل عشرة مواطنين”.
وأشار التقرير إلى أن الاستثناء الوحيد هو فلسطين، حيث لم يؤيد هذا النظام سوى 23 بالمئة. كما لم تظهر فروق كبيرة بين الأجيال في معظم البلدان، باستثناء تونس (فارق 8 نقاط لصالح الكبار)، والأردن (فارق 6 نقاط).
ووفقا للبارومتر العربي، فرغم أن الدعم للديمقراطية الليبرالية ما زال أعلى من باقي النظم، إلا أن التأييد لهذا النظام تراجع بشكل ملحوظ منذ الانتفاضات العربية. ففي الدورة الثالثة من الباروميتر العربي (2012-2014)، أي مباشرة بعد الانتفاضات، أبدت أغلبية واضحة في المنطقة تأييدها لنظام برلماني تتنافس فيه جميع الأحزاب في الانتخابات؛ إذ بلغت النسبة على الأقل ثلثي المواطنين في العراق (73 بالمئة)، والمغرب (73 بالمئة)، ولبنان (68 بالمئة)، وتونس (66 بالمئة)، والأردن (66 بالمئة).
أما بعد نحو عقد من الزمن، فإن مستوى التأييد للنظام الديمقراطي الليبرالي انخفض بصورة كبيرة في معظم البلدان التي تتوافر لها بيانات في الفترتين، وسجل أكبر تراجع في العراق (34 نقطة)، تلته تونس (28 نقطة)، ثم لبنان (26 نقطة)، والأردن (15 نقطة). وحده المغرب سجل استقرارا نسبيا مع انخفاض محدود بلغ خمس نقاط فقط خلال هذه الفترة.
وفي الوقت نفسه، أوضح الاستطلاع أن النظام القائم على سلطة قوية قد حاز شعبية متزايدة خلال الفترة ذاتها. ففي دورة الاستطلاعات (2012-2014)، كان الدعم لنظام الحاكم السلطوي القوي ضعيفا، حيث قال نحو واحد من كل عشرة أشخاص إنه مناسب أو مناسب جدا في كل من المغرب (9 بالمئة)، وتونس (9 بالمئة)، والعراق (8 بالمئة)، ولبنان (8 بالمئة).
ومن بين البلدان الخمسة التي شملها الاستطلاع، شكل الأردن الاستثناء الوحيد، حيث أبدى 23 بالمئة من مواطنيه تأييدا لهذا النوع من النظم.
بعد نحو عشر سنوات، ارتفع الدعم لهذا النظام بشكل كبير في معظم البلدان. ففي العراق، سجل ارتفاع بمقدار 38 نقطة، تلته تونس (27 نقطة)، ثم المغرب (14 نقطة)، ولبنان (12 نقطة). وحده الأردن لم يشهد تغييرا كبيرا؛ إذ اقتصر الارتفاع فيه على خمس نقاط فقط خلال هذه الفترة.
وتشير هذه البيانات بقوة، وفق المستند ذاته، إلى أن “عددا كبيرا من المواطنين في المنطقة لم يفقدوا الثقة بالنظم الديمقراطية الليبرالية فحسب، بل تحولت مواقفهم أيضا نحو تأييد النظم غير الديمقراطية في السنوات التي أعقبت الانتفاضات العربية”.