الإسلام وثقافة شبه الجزيرة العربية ..إبراهيم ابراش

بالتأكيد لرب العالمين حكمته في اختيار الأنبياء والرسل وزمان ومكان ظهورهم وشرائعهم السماوية، لكنّنا ما زلنا نتساءل عن الحكمة الربانية في نزول الوحي والقرآن الكريم عبى النبي سيدنا محمد العربي القريشي في بلاد شبه الجزيرة العربية حيث كان سكانها الأكثر جهلًا وتخلفًا وغلظة بين شعوب الأرض؟ ولماذا لم تنزل الرسالة على رسول من الشعوب المتحضرة آنذاك حيث كانت الحضارة الرومانية والحضارة الفارسية وحضارة الصين وحضارة الهند وحضارات أخرى في افريقيا مثل حضارة مملكة كوش ومملكة اكسوم، وفي القارة الأمريكية كانت حضارة الأولمك والمايا والأزتيك والإنكا، حتى في نفس المنطقة التي سُميت لاحقًا بالعالم العربي كانت شعوب أكثر تحضرًا من عرب شبه الجزيرة العربية ،ومنها شعوب حضارة بلاد الرافدين -البابلية والآشورية والسومرية- وحضارات بلاد الشام- الكنعانية والآرامية والحثية وحضارة كيش- وفي مصر كانت الحضارة الفرعونية؟
بالرجوع إلى تاريخ المسلمين وما شهده العالم الإسلامي من حروب وصراعات ومن إنجازات يمكن القول بأن عرب شبه الجزيرة العربية لم يكن لهم أي فضل أو دور في بناء الحضارة الإسلامية، صحيح أن الرسول الكريم والقرآن الكريم شكلوا منعطفاً في تاريخ البشرية ولكن بعد وفاة الرسول وخلال ما تسمى الخلافة الراشدة الممتدة طوال 30 سنة تقريباً بدأت الصراعات والخلافات وكان أغلبها في الجزيرة العربية وبين قبائلها حيث استمرت العصبية والثقافة البدوية تتفوق على الثقافة الإسلامية السمحة كما نص عليها القرآن الكريم.
نعم، بالفتوحات الإسلامية انتشر الإسلام وقامت حضارة إسلامية ممتدة في عدة قارات وعدد المسلمين اليوم حوالي 2 مليار مسلم، ولكن لم نقرأ عن أي دور لسكان شبه الجزيرة العربية في هذا الانتشار وهذه الحضارة، حتى إن أهم كتب الأحاديث النبوية كتبها غير العرب مثل البخاري والترمذي وابن ماجة ومسلم وابو داوود والنسائي أصحاب الكتب الستة ليسوا فيهم واحد من عرب الجزيرة العربية، كما أن أغلب علماء تلك الحضارة كانوا مسلمين من غير العرب.
كان عرب الجزيرة العربية العنصر الرئيس في كل الفتن والصراعات الداخلية ثم في انهيار الخلافة الإسلامية في العهد العثماني حيث تحالفوا مع بريطانيا لإسقاطها ، بل أكاد أجزم أنهم لم يكونوا مؤهلين لحمل رسالة الإسلام والتقدم في ركب الحضارة ،حتى عندما تم إقحام اسم العرب في مسمى (الحضارة العربية الإسلامية) كان أغلب علماء تلك الحضارة من غير عرب الجزيرة العربية، فهؤلاء الأعراب تركوا كل الحرف والصناعات والعلوم وما يُعمر الأرض ويخدم البشرية ويعطي للإسلام طابعه الحضاري للأعاجم واليهود وتفرغوا للشعر والغزو واقتناء الجواري باستثناء زمن النبوة والخلفاء الراشدين وهي مدة لا تزيد عن خمسين سنة وحتى في تلك المرحلة لم يكن الواقع بالقدسية كما ذكرها الرواة ، فخلال هذه الفترة القصيرة كانت الفتنة الكبرى بين المسلمين العرب ومفتل خلفاء ومبشَرين بالجنة وصحابة للرسول، ثم جاءت الخلافة الأموية والصراع على السلطة وفتوحات البحث عن الغنائم والجواري ،وقد كتب العلامة أبن خلدون في مقدمته الشهيرة والذي غاش في القرن الرابع عشر ميلادي “إن الخلافة منذ عهد معاوية أبن ابي سفيان تحولت لملك عضو ض كملك العجم”، وبعدها جاءت الخلافة العباسية وبداية انتقال السلطة والهيمنة للأعاجم من غير العرب وخصوصاً الفرس ثم تفكك دولة الخلافة الجامعة وظهور ملوك الطوائف وفقدان الأندلس إلى أن جاء الإنقاذ لدولة الخلافة من وسط آسيا على يد الأتراك غير العرب ،حتى في هذا العهد اتهمت الخلافة العثمانية العرب بخيانتهم للخلافة العثمانية بتحالفهم مع بريطانيا ،محادثات حسين مكماهون ،خلال الحرب العالمية الأولى لإسقاط نظام الخلافة وهذا ما تم بالفعل عام ١٩٢٤.
كانت شبه الجزيرة العربية تربة صالحة لصناعة الجماعات الإسلامية المتطرفة ونشر ثقافة دينية متخلفة وهو الأمر الذي وظفه الغرب وخصوصا بريطانيا لإبقاء العالم العربي والإسلامي في حالة تخلف.
فبعد أن تبنى الغرب العلمانية ووجدوا أن فصل الدين عن السياسة والسلطة ساهم في ثورتهم الصناعية وتعزيز المسار الديمقراطي، عملوا منذ بداية الاستعمار على إفشال محاولات نقل تجربتهم لغيرهم ، فعطلوا التقدم الحضاري والفكري في البلاد العربية والإسلامية، فصنعوا الممالك الخليجية ودعموا الحركة الوهابية في نجد التي تحالف مؤسسها محمد بن عبد الوهاب مع آل سعود عام 1744 لتأسيس المملكة السعودية، كما وقف الغرب وخصوصا بريطانيا في مواجهة سياسة التحديث والعصرنة التي نهجها والي مصر محمد علي باشا وكانوا سببا في هزيمته عام 1840 التي أجبِر على إثرها على سحب جيوشه من شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام .
وفي البلاد الإسلامية التي احتلوها عززوا الثقافة الدينية الشكلانية المتخلفة ودعموا الحركات الصوفية والزوايا كما ساعدوا على وجود جماعات الإسلام السياسي من جماعة الإخوان المسلمين إلى القاعدة وداعش والنصرة الخ.
عندما حاول مفكرون عرب من خارج الجزيرة العربية استنهاض مشروع قومي عربي على أسس عصرية وحضارية ويعيدوا تصويب العلاقة بين الإسلام والعروبة كان أول من ناصبهم العداء حكام الخليج العربي الذين تحالفوا مع الغرب لمواجهة فكرة العروبة المستحدثة ودعوتها للوحدة العربية، وقد رأينا ذلك في مناصبتهم العداء لكل القوى التقدمية من أحزاب وأنظمة سياسية كجمال عبد الناصر واتهامهم بالعلمانية والكفر.
وفي الوقت الراهن نجد أن شعوب الدول الإسلامية غير العربية أكثر استقراراً وتحضراً ولنأخذ مثلاً: تركيا ،باكستان ،ايران ،اندونيسيا ،ماليزيا وكازاخستان الخ بينما الدول الإسلامية العربية وخصوصاً الخليجية مهد الشريعة المحمدية فهي أقرب للمحمية الأمريكية وفيها قواعد عسكرية أمريكية وغربية، وبأموال النفط والغاز تم تمويل الفكر المتطرف كالوهابية وكل الجماعات الجهادية المتطرفة من جماعة الإخوان المسلمين إلى القاعدة وداعش والنصرة، كما كانت هذه الممالك حليفاً رئيساً مع أمريكا لتدمير العراق، وبأموالها وبتنسيق مع واشنطن تم نشر فوضى ما يسمى الربيع العربي لتدمير ما تم إنجازه في الدول العربية خارج شبه الجزيرة العربية كمصر وتونس وليبيا وسوريا.
لقد روج حكام الخليج ان ما عندهم من نفط وغاز هو كرم وهبة من الله ورضاه عنهم لأنهم حماة الإسلام ومهد نزوله! ولو كان الأمر كذلك فبماذا نفسر وجود النفط والغاز وثروات لا تحصى في الاتحاد السوفيتي الشيوعي وفي أمريكا النصرانية وفي فنزويلا وغيرها من بلدان العالم عير المسلمة؟ ولماذا لم تنفع أموال النفط والغاز الشعوب الإسلامية التي يفتك بها الفقر والجوع والتخلف بينما يتم استثمار هذه الأموال في بلاد (الكفار)؟ وأين دول شبه الجزيرة العربية من احتلال فلسطين والقدس والمجاعة في قطاع غزة؟
وما زالت فضائيات الممالك الخليجية تنشر ثقافة اسلامية مشوهة وتعزز حالة الفوضى وتشوه الفكر والثقافة العربية الأصيلة وتجند المرتزقة من كل صوب وحدب لهذا الغرض كما تناصب العداء للدول الوطنية التي تحاول التمرد على الهيمنة الغربية.