زيادة إنتاج نفط “أوبك+” تنعش آمال المغرب في تخفيف فاتورة الطاقة

زيادة جديدة في إنتاج النفط أقرّها تحالف “أوبك+”، المكون من ثماني دول تعد من كبار منتجي ومصدري النفط ومشتقاته عبر العالم، أبرزها السعودية وروسيا، بعد حوالي شهر من آخر إعلان عن “زيادة إنتاج النفط بـ548 ألف برميل يوميا في إنتاج غشت 2025”.
بداية غشت الجاري أعلن تحالف “أوبك بلس” عن زيادة جديدة في إنتاج النفط، في سياق إستراتيجية تستهدف “استعادة حصة التحالف السوقية”، فيما كان هدف الزيادة المعلنة في الخامس من يوليوز المنصرم، مستندا إلى توقعات اقتصادية “مستقرة”، هو ”دعم استقرار أسواق الطاقة”.
وجاء في بيان للتحالف أن وزراء الطاقة في الدول الثماني المنتجة للنفط قرروا إجراء “تعديل في الإنتاج بمقدار 547 ألف برميل يوميا في شتنبر 2025، مقارنة بمستوى الإنتاج المطلوب في غشت”.
أثر اقتصادي
محمد جواد مالزي، أستاذ باحث بجامعة القاضي عياض بمراكش متخصص في اقتصاد الطاقة، يرى أن قرار “أوبك+” زيادة إنتاج النفط ابتداء من شتنبر 2025، “يمثل تحوّلا من استراتيجية إدارة الأسعار عبر تقييد المعروض إلى الدفاع عن الحصة السوقية في مواجهة منتجين خارج التحالف، خصوصا النفط الأمريكي والروسي”.
واقتصاديا، أضاف مالزي، في تصريح لهسبريس، أن “هذه الزيادة، في ظل تباطؤ النمو العالمي وتوقع تراجع الطلب الصناعي في أوروبا وآسيا، قد تؤدي إلى اختلال في التوازن قصير المدى لصالح المعروض، ما يضغط على الأسعار الفورية (Spot Prices) ويزيد من فارق الخصْم بين عقود التسليم الفوري والمستقبلي (Contango)”.
وزاد شارحا: “رغم زيادة المعروض، يبقى سوق النفط عالي الحساسية للأحداث السياسية الكبرى: تهديدات الإدارة الأمريكية بفرض تعريفات على مستوردي النفط الروسي، واستمرار الحرب في أوكرانيا، يشكلان عوامل يمكنها سريعا تحويل فائض العرض إلى عجز جزئي إذا تم فرض قيود أو عقوبات مفاجئة”. وقال: “هذا البُعد الجيو-سياسي يجعل التوقعات السعرية غير خطية (Non-linear)، حيث يمكن لتحرك سياسي واحد أن يغيّر منحنى الأسعار في أيام قليلة، بغض النظر عن المعطيات الأساسية”.
بالنسبة للمغرب كمستورد كبير للنفط الصافي والمنتجات البترولية، فإن “أيّ تراجع في أسعار النفط العالمية سينعكس مباشرة على فاتورة الاستيراد الطاقية، مما يخفف الضغط على الميزان التجاري ويمنح هامشا ماليا أكبر لتدبير الإنفاق العمومي”، وفق الأستاذ المتخصص في اقتصاديات الطاقة، ما يعني أن “انخفاض متوسط سعر البرميل بضع دولارات فقط، يمكن أن يوفر للمغرب مئات الملايين من الدولارات سنويا، وهو أثر اقتصادي مهم، خاصة في ظل الضغوط التضخمية”.
واستدرك مالزي، في المقابل، بأنه “إذا ما حدثت صدمات صعودية (Upward Shocks) في الأسعار بشكل غير متوقع بفعل أحداث سياسية أو قيود على الإمدادات، فإن فاتورة الطاقة المغربية قد ترتفع مجددا، مما ينعكس على أسعار النقل والكهرباء والسلع الاستهلاكية. وهذا ما يجعل المغرب في حالة متابعة دقيقة لتطورات السوق العالمية، مع السعي لتنويع مصادر التزود وتوسيع الاستثمار في الطاقات المتجددة لتقليص درجة التبعية”، بتعبيره.
أما بالنسبة للمستهلك المغربي، فإن أسعار المحروقات في محطات الوقود خلال الربع الأخير من سنة 2025 “ستتأثر مباشرة بالمسار الفعلي لأسعار النفط في الأسواق الدولية”، يقول مالزي، مضيفا: “إذا استمر الضغط النزولي بفعل فائض المعروض، فمن المرجح أن تشهد الأسعار بعض الانخفاض أو الاستقرار عند مستويات أدنى نسبيا، لكن أي توتر جيو-سياسي كبير أو قيود على الإمدادات قد يعيد منحنى الأسعار للصعود بشكل سريع، مما يعكس هشاشة المعادلة الحالية”.
استفادة نسبية
سم مصطفى لبراق، خبير اقتصادي في مجال الطاقة، تطورات سوق النفط وانعكاساتها على الاقتصاد المغربي قائلا إن “النمو الاقتصادي العالمي لم يشهد الوتيرة التي كان من المفترض أن يسير بها، وهو ما ساهم في تراجع الطلب على النفط. وفي المقابل، فإن المعروض من النفط لا يزال مرتفعا، مما أدى إلى حالة من الاختلال بين العرض والطلب”.
وأضاف لبراق، محللا لجريدة هسبريس، أن “هذا التذبذب يُعزى بالأساس إلى الأوضاع الجيو-سياسية التي يعيشها العالم حاليا، والتي تخلق مناخا من عدم اليقين لم يُتِح للمستثمرين في قطاع النفط فرصة الاستثمار كما كان متوقعا، الأمر الذي انعكس مباشرة على استقرار الأسعار في السوق الدولية”.
وشدد على أنه “لا يمكن إغفال تأثير السياسة الحمائية التي انتهجتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وخاصة قراراته القاضية بفرض رسوم جمركية على بعض الدول، وهو ما عمّق حالة عدم اليقين، وأثر سلبا على مناخ الاستثمار في القطاع الطاقي، بل وعلى الاقتصاد العالمي ككل”.
أما على مستوى منظمة “أوبك بلس”، فإن التوجه نحو رفع مستويات الإنتاج، ابتداء من شهر سبتمبر، خصوصا من قبل السعودية وروسيا، “يُرتقب أن يؤدي إلى مزيد من وفرة المعروض في الأسواق”، يورد لبراق، موضحا أن “هذا التوسع في الإنتاج يهدف إلى تعزيز حصة هذه الدول في السوق العالمية، لكنه في الوقت نفسه مرشح لأن يضغط نزولا على أسعار النفط، لا سيما مع اقتراب دخول فصل الخريف، المعروف بانخفاض الطلب مقارنة بفصل الصيف”.
كل هذه المعطيات، بحسب الخبير الطاقي ذاته، “تنذر باستمرار حالة التذبذب في أسعار النفط خلال الفترة المقبلة، ما قد يزيد من الضغوط على الفاعلين في السوق ويعقّد قدرة المستثمرين على اتخاذ قرارات طويلة الأمد”.
و”من المنتظر أن يستفيد المغرب، كبلد مستورد للنفط، نسبيا من تراجع الأسعار العالمية”؛ إذ ستمكنه هذه الوضعية من تقليص كلفة فاتورته الطاقية، مما سيكون له أثر إيجابي – على المدى القريب – على التوازنات الاقتصادية والمالية، خصوصا في ظل التحديات المرتبطة بالعجز التجاري وارتفاع الكلفة”.
وختم لبراق مستدركا: “غير أن هذا التحليل يبقى ظرفيا ومرتبطا بتقلبات السوق الدولية، التي تخضع بدورها لعوامل جيو-سياسية وتقنية يصعب التنبؤ بها، خاصة بعد شهر سبتمبر، حيث قد تطرأ تطورات غير متوقعة من شأنها قلب المعادلة رأسا على عقب”.
وفي المجمل، “يُرتقب أن يشهد المغرب بداية من سبتمبر نوعا من الارتياح المؤقت على مستوى كلفة التزود بالمحروقات، ما سيساهم بشكل إيجابي في تخفيف بعض الضغوط على الاقتصاد الوطني”، بتعبير الخبير ذاته.