خطة ترمب: بين وقف الموت وتكريس الظلم ..د. جمال خالد الفاضي

منذ أكثر من عامين يعيش الشعب الفلسطيني تحت القصف المستمر، في حرب لم تترك للإنسان فرصة لالتقاط أنفاسه أو إعادة بناء حياته. في هذا السياق جاءت خطة وقف إطلاق النار التي أُعلن عنها بالأمس خلال مؤتمر صحفي جمع الرئيس الأمريكي ترمب ورئيس وزراء دولة الاحتلال نتنياهو، لتُقدَّم باعتبارها بارقة أمل، غير أن تفاصيلها تكشف عن عمق التناقض بين الحاجة الإنسانية الملحة لوقف الموت، وبين ظلم بيّن كامن في بنودها التي تُعيد صياغة المشهد الفلسطيني بعيدًا عن أي عدالة حقيقية. فهي من ناحية تمنح الناس فرصة للحياة والنجاة من آلة الحرب، لكنها في الوقت نفسه تستبعد الفلسطيني من موقع الفاعل، وتقصيه عن المشاركة في تقرير مصيره، وتجعل من الخطة مشروعًا لإدارة قطاع محاصر أكثر من كونها تسوية سياسية أو مدخلًا لحل عادل.
ما يُفاقم هذا التناقض أن إسرائيل احتفظت بحقها في استئناف العمليات متى ما رأت إخلالًا، بينما يُلزم الفلسطيني بالتقيد بشروط ضيقة تحت تهديد العقوبة، في معادلة غير متكافئة تُشرعن الجلاد وتُحاصر الضحية في زاوية الاختيار بين الموت أو قبول التسوية المفروضة. وهكذا يجد شعبنا الفلسطيني في غزة نفسه أمام معضلة أخلاقية وإنسانية: كيف يمكن إنقاذ الأرواح دون أن يصبح ذلك ثمنًا للتنازل عن الحقوق، وكيف يمكن القبول بوقف النار دون أن يتحول إلى مرجعية تُستخدم لاحقًا لنفي المطالب الوطنية. لقد أفضت سنتا حرب الإبادة وما سبقهما من حروب الحصار، والقراءات الخاطئة من قِبَل حماس لطبيعة التحالفات الدولية وسوء إدارتها الداخلية، إلى تعميق هذه المعادلة الصفرية والتورط في خيارات جعلت الشعب أمام مقصلة الموت من دون بدائل واضحة أو خطط احتياطية تُنقذ المدنيين أو تحفظ الحقوق السياسية على المدى المتوسط.
فالاعتراف بالهزيمة التي تسبب بها حماس لشعبنا يمكن أن يشكل مسارًا جديدًا لمستقبل أجيالنا القادمة، ولعل البقاء على هذه الأرض، ووقف الموت، ورفض التهجير ستبقى كلها عناوين حاضرة لوجود متجدد. لذلك، وحتى لو أسهم القبول المرحلي بالخطة في إنقاذ الأرواح الآن، فإن قبولًا من دون شروط سياسية وحقوقية واضحة، وخطة بديلة لحماية حقوق شعبنا، قد يحوّل وقف النار إلى سقف دائم تُستثمر منه خسارة الحقوق ويطيل معاناة الناس بلا ضرورة؛ فأي طريق يمكن أن يتوازن بين إنقاذ الحياة والحفاظ على الكرامة والحق في الوقت ذاته؟ إن ما تتيحه هذه الخطة من مساحة للتنفس لا يلغي أن الطريق إلى العدالة ما زال مؤجلًا، وأن معركة الحفاظ على الرواية والحق لم تنته بعد، وربما لم تبدأ بعد بالصورة التي تليق بتضحيات شعبنا، وسيظل أولوية شعبنا البحث عن الحياة، وإن كانت الطرق مظلمة.