اخبار فلسطين

عن أزمة الاقتصاد الإسرائيلي في ظل الحرب.. جنرال احتياط في جيش الاحتلال يوضح التبعات

ترجمة خاصة شبكة قُدس: قال الجنرال (احتياط) رام عميناح، الرئيس السابق للمنظومة الاقتصادية في جيش الاحتلال ورئيس قسم الميزانيات في وزارة الحرب، والمدير الحالي في معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، إن قرار الحكومة بإقرار زيادة تفوق 30 مليار شيقل لميزانية الأمن جاء في سياق الحرب وما فرضته من احتياجات عسكرية عاجلة. 

ورغم أن الخطوة بدت طبيعية في ظل تصاعد التهديدات، إلا أن هذه الزيادة رافقها تقليص محدود في ميزانيات بعض الوزارات، وهو تقليص لا يغطي إلا جزءًا ضئيلًا من العجز المتنامي، ويظل برأيه أشبه بـ”قطرة في البحر” أمام فجوة مالية تقدر بعشرات المليارات.

وأوضح أن المسألة ليست محصورة بالأرقام الجافة، بل في جوهر إدارة الاقتصاد: الإيرادات تظل غير مضمونة لأنها ترتبط بحالة السوق والضرائب، أما المصروفات فتحددها الحكومة بقرار سياسي. وهذا يعني أن أي توسع في النفقات يُنظر إليه فورًا من جانب الأسواق ووكالات التصنيف كمساس مباشر بمصداقية الدولة المالية. وقد ساعد فائض ضريبي قديم في سد جزء من الفجوة بشكل استثنائي، لكنه مصدر غير متجدد ولا يمكن الركون إليه في المستقبل، فيما يتعين تمويل العجز المتبقي عبر قروض إضافية.

وأشار إلى أن الحرب في غزة تُكلّف يوميًا نحو 130 مليون شيقل، أي ما يقارب 50 مليار شيقل في السنة. هذا المبلغ الهائل لا يعكس فقط ضغط الحاضر، بل يفتح على أسئلة أكبر: متى ستتوقف هذه النفقات، هل ستتصاعد، وكيف ستؤثر على موازنة عام 2026 التي كان يفترض تقديمها مسبقًا؟ من هنا تتشكل صورة ضبابية: تصريحات عن احتلال كامل وإعادة إعمار غزة تعني عمليًا التزامات مالية لا سقف لها عشرات المليارات لمواصلة الحرب، مئات المليارات لمرحلة الإعمار، وعشرات أخرى سنويًا لإدارة السيطرة المباشرة على القطاع. حتى لو لم تكن التقديرات دقيقة، فإن غياب السقف المالي الواضح يثير قلقًا عميقًا في أسواق المال.

وبيّن أن هذه المعادلة حاضر مكلف للغاية ومستقبل غامض هي ما يقلق وكالات التصنيف والمستثمرين، إذ تدفع باتجاه رفع أسعار الفائدة وتجميد الاستثمارات، ما يترجم مباشرة إلى تباطؤ في الاقتصاد. وفي النهاية، يدفع المواطن الثمن عبر أقساط رهن عقاري متزايدة، خدمات عامة متقلصة، وارتفاع مستمر في تكاليف المعيشة.

ولتعزيز رؤيته، أشار عميناح إلى أن العجز المتراكم والتمويل عبر القروض يعنيان بالضرورة زيادة الدين العام لإسرائيل، وهو ما يهدد بخفض التصنيف الائتماني، كما حدث بالفعل في الأشهر الأخيرة حين أرسلت وكالات التصنيف الدولية إشارات تحذيرية عن المخاطر المرتبطة بالوضع الأمني والاقتصادي. خفض التصنيف، حتى بدرجة واحدة، يرفع كلفة الاقتراض على “إسرائيل” في الأسواق العالمية، ويضاعف العبء على الميزانية العامة. وهذا بدوره قد يدفع الحكومة لفرض ضرائب إضافية أو توسيع دائرة التقليصات الاجتماعية، بما يعمق فجوة الثقة بين المجتمع والسلطة.

ويرى أن استمرار الحرب دون أفق مالي محدد يجعل المستثمرين أكثر تحفظًا ويقلل من تدفق رؤوس الأموال إلى السوق المحلي، خصوصًا في قطاع التكنولوجيا الذي يُعد ركيزة الاقتصاد الإسرائيلي. فالتقلبات الأمنية والمالية تعني نزيفًا في الاستثمارات الخارجية ونقل بعض الشركات عملياتها إلى الخارج، وهو ما بدأ يظهر على شكل تراجع في وتيرة الاستثمارات الجديدة وتوسع ظاهرة “هجرة العقول” من قطاع التكنولوجيا.

لذلك، وبرغم أن زيادة ميزانية الأمن قد تبدو خطوة مبررة على المدى القصير لتلبية احتياجات الميدان، إلا أن التحدي الحقيقي كما خلص عميناح يكمن في القدرة على إنتاج رؤية مالية واضحة حول الالتزامات في غزة. فقط عبر وضع سقف محدد للإنفاق وإطار زمني لإدارة العمليات، يمكن للحكومة أن تعيد بناء الثقة بالاقتصاد وأن تبعث برسائل طمأنة إلى وكالات التصنيف والأسواق. وإلا فإن “إسرائيل” ستجد نفسها أمام اقتصاد مثقل بالديون، مستقبل ضبابي، ومجتمع يواجه ارتفاعًا متسارعًا في تكاليف المعيشة.