جملة ملاحظات على «مهنة المحاماة»

مع استمرار جهود وزير العدل المستشار ناصر السميط وفريقه نحو مراجعة العديد من التشريعات، يتزايد الحديث حول الأفكار، التي يتعين النص عليها في قانون تنظيم مهنة المحاماة المقبل، فرغم اجتماعه قبل نحو شهرين في مقر جمعية المحامين، لمناقشة العراقيل التي تواجه المحامين، فضلاً عن الاستماع إلى عدد من الملاحظات، التي تواجههم أثناء ممارستهم أعمالهم، لكن هناك جملة من الملاحظات يتعين النظر إليها، لما لها من انعكاسات مهمة على واقع مهنة المحاماة.
ويواجه القانون الحالي العديد من الملاحظات، التي تتعلق ابتداء بشروط قبول المحامين في المهنة، وإجراءات التحقيق معهم وتفتيش مكاتبهم، كما أنها تتعلق بأفكار محاسبتهم وتأديبهم حال ارتكابهم مخالفات، فضلا عن فكرة الضمان لهم حال تقرير تقاعدهم من المهنة.
ومن الملاحظات التي شغلت العديد من المجالس المتعاقبة، التي ناقشت أفكار تعديل القانون فيما يخص شروط القبول، ضرورة العمل على إعادة النظر في شروط القبول بأن يتم قصر القبول فيها على خريجي كلية الحقوق لا الشريعة، فضلاً عن وضع العديد من ضوابط القبول، بما يسمح بوضع اختبارات للقبول تحريرية وشفوية، فضلاً عن إخضاع المقبولين لدورات مكثفة لا تقل عن 3 أشهر في أحد المعاهد المخصصة للتدريب، وكذلك إلغاء ما يسمى بالأعمال النظيرة، وقصر التعيين على الوظائف القضائية والقانونية المتصلة فعلاً بمهنة المحاماة، كالقضاء والنيابة والتحقيقات والمحامين في الفتوى والبلدية، وعدم قبول من يتجاوز سن 65 عاماً في مهنة المحاماة من تلك الوظائف، فضلاً عن عدم قبول أساتذة القانون في كليات الحقوق والتطبيقي، إلا من حصلوا على درجة أستاذ دكتور، على اعتبار أن الغاية من ضمهم وجمعهم للمحاماة هو إثراء مهنة المحاماة وهو أمر بالتأكيد سيتحقق، كلما علت الدرجات العلمية لأساتذة القانون.
يجب إخضاع المقبولين بالمهنة لدورات مكثفة لا تقل عن 3 أشهر في معاهد متخصصة
كما أن المهام التي يتعامل معها العاملون في مهنة المحاماة تتطلب أن يكون المنضم إليها من الخريجين الحاصلين على شهادات الحقوق فقط دون سواهم من الشهادات الأخرى، بما ينعكس على جودة القبول في مهنة المحاماة.
أما ما يخص فكرة التحقيق مع المحامين في الجرائم التي يرتكبونها أو فيما يخص التحقيق في المكاتب التي يعملون بها، فإن النص الحالي في القانون لا يسعف الغاية منه، إذ قررت العديد من الأحكام الالتفاف عليها، فيما يخص التحقيق مع المحامي في الجرائم المرتكبة منهم، والتي تتطلب النص على نحو صريح في تقرير حماية المحامي، من حيث جعل النيابة العامة هي الجهة التي تعمل بالتحقيق، وأن يكون الحضور وجوبياً لممثل جمعية المحامين، إذا تمسك المحامي بذلك، باعتبارها المعنية بالدفاع عن المحامين، والتأكد من الضمانات المتوافرة لهم في التحقيق.
كما يتعين أن يتم إبلاغ جمعية المحامين حال رغبة النيابة في التفتيش على مكاتب المحامين، حال ثبوت وجود جريمة في المكتب، وكذلك حال إبلاغ الجمعية، عند إصدار الضبط والإحضار على المحامي، وذلك لأن النص الحالي لا يقرر أي حماية للمحامين قبل جهات التحقيق، فضلا عن إضفاء القانون حماية للمحامي سواء أمام جهات التحقيق والمحاكم والجهات الرسمية أسوة برجال القضاء والموظفين العموميين في الدولة، وذلك بعدما كشف الواقع العملي كثرة الاعتداءات على المحامين أثناء ممارسة أعمالهم القانونية أمام جهات التحقيق والجهات القضائية، كأن يجرم القانون كل أنواع التعدي على المحامي أثناء ممارسته أعمال المحاماة في الجهات الرسمية والقانونية والقضائية، وكذلك تجريم من يتعمد القيام بالإخلال بالواجب للمحامي اثناء قيامه بأداء واجبه المهني.
كما يتعين على المشرع إعادة النظر في مسائل تأديب المحامين، لأن القانون الحالي أنشأ نظاما للتأديب ليس بنظام قضائي ولا حتى بنظام تأديبي وإنما أوجد نظاما مشوها في أمر التأديب، حيث نص على تشكيل مجلس للتأديب من ثلاثة قضاة، يكون بينهم قاض بدرجة وكيل محكمة، تختارهم الجمعية العمومية لقضاة المحكمة الكلية، وعضوية اثنين من المحامين ترشحهما جمعية المحامين.
ضرورة إلغاء ما يسمى بالأعمال النظيرة وقصر التعيين على الوظائف القضائية والقانونية
وقد نص القانون على أن يتم الطعن على أحكام ذلك المجلس أمام دائرة بمحكمة الاستئناف مشكلة من ثلاثة مستشارين في المحكمة، ويتولى رئاسة الدائرة نائب رئيس المحكمة، من دون أي تمثيل للمحامين في عضوية هذه الدائرة، وكان المشرع قصر عضوية مجلس إدارة جمعية المحامين في الدرجة الأولى، بما يجعل شكل الدائرة أمام محكمة أول درجة بشكل مجلس التأديب، في حين جعل شكل الدائرة التي تنظر الاستئنافات على أحكام مجلس التأديب بشكل الدائرة القضائية، رغم قلة أعداد أعضائها بثلاثة أعضاء عن العدد المكون لمجلس التأديب الذي يتولى نظر القضايا أمام محكمة أول درجة، وهو ما يشير إلى وجود تناقض في شكل الهيئة القضائية التي تنظر دعاوى التأديب التي يحال إليها المحامين على خلفية المخالفات التي يرتكبونها.
يضاف إلى ذلك أن سلطة النيابة العامة في التحقيق بالجرائم التي يرتكبها المحامون تتعامل وفق سياقين، الأول: المخالفات المهنية، والثاني: الجرائم بمناسبة المهنة.
وبالنسبة للشق الأول والمتعلق بالمخالفات التأديبية، فإن النيابة العامة وحسب القانون تتولى التحقيق فيها رغم أنها مخالفات مهنية، وبعد انتهاء التحقيق تقرر إما إحالة تلك المخالفات أو حفظها، إلا أن القانون الحالي يمنع التظلم منها رغم وجاهة أمر التظلم من تلك القرارات أمام مجالس التأديب لما قد يعتري قرارات جهة التحقيق بالحفظ من خطأ.
أما الشق الثاني، المتعلق بجرائم يحقق فيها مع المحامين شأنهم في ذلك شأن المتهمين الذين يرتكبون جرائم عادية، ولكن المحامين ارتكبوها سواء بسبب عملهم أو من دون سبب عمل، فعلى سبيل المثال عندما يحضر المحامي جلسة تحقيق في النيابة يحدث بينه وبين وكيل النيابة أو المحقق مشادة كلامية فيترتب على ذلك قيام وكيل النيابة بتقديم شكوى ضد المحامي، فيتم إصدار قرار بحجز المحامي على ذمة التحقيق وربما لمدة 21 يوماً، رغم أن الواقعة حصلت أثناء التحقيق وبمناسبة عمل المحامي، وكذلك الحال بالنسبة للقضايا التي يقيمها القضاة ضد المحامين أو موكليهم، على خلفية تقديمهم طلبات الرد، التي تتضمن الاشارة إلى بعض العبارات، ممن يعتبره القضاة من أنها تمثل مساساً بالإخلال الواجب لهم، فيتم التحقيق مع المحامي في النيابة، وقد يصدر أمر بحجزه على ذمة التحقيق وربما حبسه 21 يوما وحبسه بحكم قضائي لأنه أخل بالاحترام الواجب للقاضي، وهو أمر يتعين الالتفات إليه بشأن إجراءات التحقيق مع المحامي بشأن الأفعال التي تقع منه أثناء ممارسته عمله في مهنة المحاماة.
كما أن القانون الحالي يخلو من ضمان فكرة التأمين والتقاعد للمحامين إزاء تقرير تقاعدهم، وذلك لأن القانون الحالي لا يضمن مثل هذا التنظيم، فضلاً عن أنه يخلو من ضمان تقرير النسب المتفق عليها في عقود المحاماة، والتي لا تقرها المحاكم على نحو يحد من قيمة تلك الاتفاقات، كما يخلو من فكرة تنظيم الإنابات القضائية للمحامين عن زملائهم وتنظيم عملها أمام المحاكم ومسؤولية المناب، كما يخلو القانون من تنظيم فكرة انتداب المحامين أمام المحاكم الجزائية، ووجوب أن يتم وضع جدول للمحامين العاملين في الانتدابات بقضايا الجنايات، بما يجعل الأمر منظماً في هذا السياق.