منوعات

بكاء الأطفال.. شفرة خفية تترجمها حرارة الوجوه وتعيد تعريف الاستجابة البشرية




سلمي محمد مراد



نشر في:
الجمعة 12 سبتمبر 2025 – 5:59 م
| آخر تحديث:
الجمعة 12 سبتمبر 2025 – 5:59 م

لا يقتصر بكاء الأطفال على كونه وسيلة للتعبير عن الانزعاج، بل يُعد لغة الحياة بالنسبة للرضع، حيث يجعلهم رغم ضعفهم أقدر على لفت الانتباه من أي خطاب. وأثبتت دراسة حديثة نُشرت في مجلة The Royal Society Interface أن البكاء قادر على إثارة تغيّرات فسيولوجية فورية لدى البالغين، فقد رصد الباحثون ارتفاعًا في حرارة الوجه عند الاستماع إلى صرخات الرضع، وهو ما يعكس استجابة عاطفية قوية يصعب التحكم بها.

لغة ألم مشفّرة

تحمل صرخات الأطفال شفرة صوتية تدفع الكبار إلى الاستجابة السريعة، فهم غير قادرين على الكلام أو التعبير عن احتياجاتهم. وبحسب صحيفة “الجارديان”، يؤكد العلماء أن هذه الصرخات ليست متشابهة، فالرضيع الذي يشعر بانزعاج بسيط، مثل البلل أو الجوع، يُصدر صوتًا مختلفًا عن بكائه وهو يعاني من ألم حقيقي.

وعندما يمر الطفل بحالة ألم فعلي، ينقبض قفصه الصدري بقوة، مما يدفع الهواء للخروج تحت ضغط عالٍ، وينتج عنه اهتزازات غير منتظمة في الأحبال الصوتية. هذه الاهتزازات تخلق ما يُعرف بالخشونة الصوتية أو الظواهر غير الخطية (NLP)، وهي أصوات غير متناغمة يستحيل تقريبًا تجاهلها.

وبحسب الباحثين، فإن هذه الخصائص الصوتية هي التي تُحفز أجهزة البالغين العصبية، وتجعلهم يستجيبون عاطفيًا وفسيولوجيًا في آن واحد.

تجربة فرنسية وحرارة تكشف المشاعر

قاد البروفيسور نيكولاس ماثيفون في جامعة سانت إتيان بفرنسا فريقًا بحثيًا لدراسة تلك الظاهرة بدقة، حيث طلب العلماء من متطوعين رجال ونساء الاستماع إلى تسجيلات لـ 16 صرخة مختلفة، بعضها يعكس مجرد انزعاج، وأخرى تعبّر عن ألم شديد مثل ألم الإبر أثناء التطعيم.

وخلال الاستماع، جرى تصوير وجوه المشاركين بكاميرات حرارية فائقة الدقة، قادرة على التقاط تغيّرات طفيفة في درجة حرارة البشرة. وكانت النتائج لافتة، حيث اندفع الدم نحو الوجه بشكل واضح عند سماع صرخات الألم، ما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في حرارة الجلد. وكان التأثير أقوى مع الصرخات غير المتناغمة، التي تحمل أكبر قدر من الخشونة الصوتية.

لا فروق جوهرية بين الرجال والنساء في قوة الاستجابة

كثيرًا ما ارتبطت صورة الأم بقدرتها على التقاط بكاء طفلها أسرع من الأب، بل ساد اعتقاد أن النساء أكثر حساسية صوتيًا لهذه الصرخات. لكن النتائج الفرنسية قلبت هذه الفرضية، حيث استجاب الرجال للصرخات بنفس القدر تقريبًا، دون فرق يُذكر في شدة التفاعل أو سرعته.

ووجدت هذه النتيجة دعمًا من دراسة دنماركية أجرتها البروفيسورة كريستين بارسونز، حيث تبيّن أن الرجال يستيقظون عند بكاء الأطفال بنفس معدل النساء، لكن الأمهات كنّ أكثر استعدادًا للنهوض ورعاية الطفل.

وأرجع الباحثون ذلك إلى خبرة الأمهات المبكرة خلال إجازة الأمومة، وارتباط الرضاعة الطبيعية بدور الأم، ما يتيح للآباء النوم لفترات أطول.

وتقول بارسونز: “لقد فوجئنا بمدى ضآلة الفروق بين الجنسين في الاستجابة الفسيولوجية لبكاء الأطفال، فالاعتقاد بأن النساء مصممات بيولوجيًا للاستجابة أكثر من الرجال ليس مدعومًا بالأدلة”، وفقًا للجارديان.

التكنولوجيا تدخل المشهد

قد يبدو هذا البحث نظريًا، لكنه يفتح الباب أمام تطبيقات عملية مستقبلية. فإذا تمكن العلماء من تحديد الخصائص الصوتية المرتبطة بالألم، فقد يُستخدم ذلك في تطوير أجهزة ذكية قادرة على تحليل بكاء الأطفال وتمييز إن كان سببه جوعًا، انزعاجًا، أو ألمًا حقيقيًا يستدعي التدخل الطبي.

ويقول ماثيفون: “من السابق لأوانه الحديث عن تطبيقات عملية مباشرة، لكن فهمنا لاستجابتنا الفسيولوجية لبكاء الأطفال قد يغير الطريقة التي نتعامل بها مع الرعاية الصحية مستقبلًا”.