الغناء للأطفال.. الإيقاع واللحن أساس مبكر لاكتساب اللغة

سلمى محمد مراد
نشر في:
الإثنين 15 سبتمبر 2025 – 3:08 م
| آخر تحديث:
الإثنين 15 سبتمبر 2025 – 3:08 م
قد يظن البعض أن غناء الأمهات والآباء لأطفالهم مجرد وسيلة لتهدئتهم أو إدخال البهجة إلى قلوبهم، لكن العلم يقول شيئًا آخر، وكشفت دراسة حديثة من جامعة كامبريدج البريطانية أن الغناء وأغاني الأطفال يشكلان جزءًا محوريًا في رحلة الرضع لتعلم اللغة، مؤكدة أن اللحن والإيقاع قد يكونان أكثر أهمية من أصوات الحروف نفسها في الأشهر الأولى من حياة الطفل.
-دراسة تكشف أسرار اللغة المبكرة
نُشرت نتائج الدراسة في مجلة Nature Communications، حيث قام فريق من علماء الأعصاب بقيادة البروفيسورة أوشا جوسوامي بتسجيل نشاط الدماغ لدى 50 طفلًا في أعمار 4 و7 و11 شهرًا، وأثناء التجربة، شاهد الأطفال مقطع فيديو لمعلمة مدرسة ابتدائية تغني 18 أغنية للأطفال.
وكانت النتائج لافتة، حيث أظهرت أدمغة الأطفال قدرة واضحة على التفاعل مع الإيقاع والنغمة قبل أن تبدأ في معالجة أصوات الحروف الفردية “الفونيمات”، مما يعني أن ما يلتقطه الطفل أولًا هو الموسيقى الخفية للكلام لا الحروف المنفردة.
-متى يبدأ فهم الأصوات؟
على عكس الاعتقاد التقليدي بأن الطفل يبني معرفته اللغوية من أصغر أصوات الكلام إلى الكلمات، أثبتت الدراسة أن عملية التعلم تبدأ بالعكس تقريبًا، فالأطفال في عمر بضعة أشهر لا يميزون الحروف على نحو موثوق، بينما يستطيعون استيعاب أنماط اللحن والنغمة في كلام من حولهم.
ويقول الباحثون، إن الأصوات الفردية تبدأ في الظهور تدريجيًا بعد الشهر السابع، فحينها يتعرف الأطفال على بعض الأصوات البسيطة مثل “م” في كلمة “ماما”، أو “د” في كلمة “دادا”، لكن حتى بعد ذلك، يظل إدراك هذه الأصوات بطيئًا جدًا ولا يكفي وحده ليكون أساسًا للغة.
-هيكل لغوي خفي
وبحسب صحيفة الجارديان البريطانية، قالت جوسوامي قائدة البحث، إن الإيقاع يشكّل بمثابة هيكل عظمي تُبنى عليه الأصوات والمعاني لاحقًا، وأوضحت أن الأطفال يستخدمون المعلومات الإيقاعية كدليل لمعرفة أين تبدأ الكلمة وأين تنتهي، وكيف يُنطق الكلام الطبيعي.
وأضافت أن هذا النمط ليس خاصًا باللغة الإنجليزية وحدها، بل هو سمة عالمية تشترك فيها كل لغات العالم، فجميع الأطفال يتعرضون بشكل طبيعي إلى بنية إيقاعية متكررة في كلام الكبار، حيث تُكرر المقاطع القوية حوالي مرتين في الثانية، وهو ما يبرمج أدمغتهم على التفاعل مع أنماط النغمة منذ الأشهر الأولى.
-أبعاد جديدة لصعوبات التعلم
وأشارت الدراسة أيضًا إلى أن اضطرابات مثل عسر القراءة أو اضطراب اللغة التنموي قد لا تكون ناتجة فقط عن مشكلات في معالجة الأصوات الفردية، بل ربما ترتبط بصعوبات في إدراك الإيقاع اللغوي، وهذا يفتح بابًا جديدًا لفهم الفروق الفردية في مهارات تعلم اللغة بين الأطفال.
-نصيحة للآباء والأمهات
خلص الباحثون إلى نصيحة عملية بسيطة مفادها تحدثوا وغنّوا لأطفالكم بقدر ما تستطيعون، فالأغاني المألوفة مثل “أغنية الأبجدية” أو “مامي ودادي” ليست مجرد ترفيه، بل أدوات طبيعية تعزز تطور الدماغ وتسرّع من اكتساب اللغة، ومع أن بعض الأغاني قد تبدو مكررة أو مزعجة للكبار، إلا أن الطفل يستفيد منها بشكل مباشر لأنها تقدم له موسيقى الكلام التي يحتاجها ليبني عليها مهاراته لاحقًا.