كيف تتعامل الكائنات الحية مع السموم في الطبيعة؟

سان فرانسيسكو – (د ب أ)
نشر في:
الخميس 6 نوفمبر 2025 – 11:45 ص
| آخر تحديث:
الخميس 6 نوفمبر 2025 – 11:45 ص
أجرى فريق من الباحثين في الولايات المتحدة تجربة فريدة من نوعها، حيث قاموا بتجويع عشرة أفاعي من فصيلة الثعابين الملكيةErythrolamprus reginae التي تعيش في غابات الأمازون في كولومبيا، على مدار عدة أيام، ثم وضعوها في صندوق زجاجي مع ثلاثة ضفادع سامة سهمية من فصيلة Ameerega trivittata.
ومن المعروف أن جلود هذه الضفادع تفرز مواد سامة مميتة تقضي على من يحاول أن يتغذى عليها. وفضلت ستة من الثعابين الابتعاد عن الضفادع السامة رغم جوعها، فيما بادرت أربعة ثعابين بمهاجمة الضفادع ثم جرها على الأرض، كما لو كانت تمسح السموم من فوق جلودها قبل التهامها، وتقول فاليري راميريز الباحثة في مجال العلوم الحيوية بجامعة كاليفورنيا بيركلي الأمريكية أن التجربة أسفرت عن نجاة ثلاثة ثعابين من الوليمة المسمومة ونفوق ثعبان واحد، مما يعني أن أجسام الثعابين الثلاثة التي ظلت على قيد الحياة استطاعت التعامل مع المواد السامة التي تفرزها الضفادع وتحييد تأثيرها.
ويقول العلماء إن الكائنات الحية على اختلاف أنواعها تتعامل مع السموم في الطبيعة منذ مئات الملايين من السنين، فالميكروبات تستخدم أنواعا من السموم لغزو أجسام العائل والتغلب على أنظمة المناعة لديها، وبعض النباتات تفرز مواد سامة لحماية نفسها من الحيوانات العشبية، وبعض الحيوانات والزواحف والحشرات تستخدم السموم لقتل فرائسها، أو لحماية نفسها من هجمات أعدائها الطبيعيين في البيئة التي تعيش فيها.
وكتبت الباحثة ريبيكا تارفين من جامعة كاليفورنيا بيركلي في الدورية العلمية Annual Review of Ecology, Evolution and Systematics لعام 2023 تقول إن العلماء يعملون على سبر أغوار السموم الطبيعية ووسائل مقاومتها لدى الأنواع الحية في محاولة لاكتشاف أفضل السبل لعلاج حالات تسمم البشر. وتقول في تصريحات نقلها الموقع الإلكتروني Knowable Magazine المتخصص في الأبحاث العلمية إن “بضع ملليجرامات من مركب واحد يمكن أن تغير جميع أشكال التفاعلات في النظام البيئي”.
وتكتسب الأنواع الحية الخواص السامة بأساليب مختلفة، حيث يصنع بعضها السموم بشكل طبيعي داخل الجسم مثل الضفدع النقاز الذي يفرز جزيئات سامة تعرف باسم “الجليكوسيدات القلبية” والتي تعطل عمل بعض الوظائف الحيوية الأساسية داخل خلايا خصومها، في حين تأوي كائنات أخرى مثل السمكة الينفوخية Puffer Fish نوعا من البكتريا يفرز مادة سامة تستهدف الجهاز العصبي تسمى “تيترودوكسين”، وتجعل تلك المادة لحوم هذه الأسماك غير صالحة للأكل.
وتحصل انواع عديدة من الكائنات على السموم من الأغذية التي تقتات عليها مثل بعض الضفادع التي تعتمد في غذائها على حشرات سامة، وتستطيع تطويع هذه السموم واستخدامها لصناعة مواد سامة خاصة بها لمحاربة خصومها وأعدائها في الطبيعة.
وفي الطبيعة، تتطور أجسام المخلوقات السامة على نحو يجعلها قادرة على مقاومة نفس السموم التي تفرزها حتى لا تسمم نفسها، وكذلك تتطور الكائنات التي تتغذى على هذه المخلوقات السامة، فالحشرات التي تنمو وتتغذى على نبات الصقلاب أو حشيشة اللبن، وهو نبات غني بسموم الجليكوسيدات القلبية، تكونت لديها مناعة ضد هذا النوع من السموم.
ووجدت سوزانا دوبلر الباحثة في مجال بيولوجيا الجزيئات بجامعة هامبورج في ألمانيا أن حشرة الصقلاب التي تتغذى على بذور هذا النبات السام تكونت لديها مقاومة ضد هذه المادة السامة عن طريق نوع من البروتينات الناقلة يحمل اسم “إيه.بي.سي.بي”، حيث تغلف هذه البروتينات غشاء الخلايا في الأنسجة العصبية وتطرد المواد الضارة وغير المرغوب فيها خارج الخلية.
وتبحث دوبلر بالاشتراك مع فريقها البحثي أيضا فرضية أن نفس البروتينات تغلف أغشية خلايا الأمعاء وتمنع امتصاص المواد السامة أو دخولها الجسم من البداية. ووجد الباحثون أن فصيلة أخرى من الخنافس يطلق عليها اسم dogbane beetle قطعت شوطا أطول في مقاومة المواد السامة في النباتات، حيث تقوم بتخزين هذه السموم في أجسامها وتفرزها على ظهرها كوسيلة للدفاع عن النفس عندما تستشعر الخطر.
أما بالنسبة للثعابين الملكية، فترى الباحثة ريبيكا تارفين أن السر في مقاومة السموم يكمن في أكبادها، حيث تفترض أن أكباد هذه الثعابين تفرز انزيمات يمكنها تحويل السموم المميتة إلى مواد غير ضارة، مثلما تتعامل أجسام البشر مع الكحوليات والنيكوتين على سبيل المثال.
وتقول تارفين إن أكباد الثعابين تحتوي على أنواع من البروتينات التي تلتصق بالمادة السامة وتجعلها غير قابلة للالتحام مع الخلايا المستهدفة بل وتقوم بمحوها مثلما تفعل قطعة “الاسفنج”. وقد اكتشف علماء وجود هذه البروتينات “الاسفنج” داخل دماء بعض الضفادع السامة مما يجعلها قادرة على مقاومة سموم مميتة مثل ساكسيتوكسين وألكالويد التي توجد في مصادر الغذاء الخاصة بها.
ويرى الباحثون أن بعض السناجب الأرضية في كاليفورنيا تستخدم نفس الحيلة للدفاع عن نفسها من سم الافاعي الجرسية، حيث تحتوي دماء تلك السناجب على بروتينات تعطل مفعول هذه السموم، تماما مثل البروتينات التي تستخدمها تلك الأفاعي نفسها لحماية ذاتها في حالة إذا ما تسربت السموم من الغدد السامة داخلها إلى أجسامها.
ويقول ماثيو هولدينج الباحث في مجال علوم الأحياء التطورية بجامعة ميتشجن الأمريكية إن السناجب الأرضية لديها مزيج من البروتينات في دمائها يتماشى مع السموم التي تفرزها الثعابين المحلية في المناطق التي تعيش فيها.
وفي تصريحات لموقع Knowable Magazine، يقول هولدينج ان تلك الدفاعات لا تكفل حصانة كاملة من السموم لأن الثعابين على حد قوله تقوم باستمرار بتطوير أشكال جديدة من السموم تكون أكثر فعالية للتغلب على فرائسها وخصومها، ويقول إن الأفعى الجرسية نفسها قد تموت إذا ما تم حقنها بكمية كافية من السم الذي تفرزه. ومن هذا المنطلق، فإن تجنب السموم هو حصن الدفاع الاول الذي تعتمد عليه المخلوقات بأنواعها للنجاة، وهو ما فعلته الثعابين الملكية قبل محاولة التهاب الضفادع السامة، وهو نفس ما تفعله بعض السلاحف البحرية عندما تلتهم البطون والأجزاء الداخلية من أسماك السمندل وتترك ظهورها التي تحتوي على مواد سامة، بل أن يرقات بعض الحشرات التي لديها حصانة من سموم الجليكوسيدات في نبات الصقلاب تقوم باعتصار ساق النبات أولا للتخلص من المواد السامة قبل التهامه. ولعل الدرس المستفاد الذي اكتسبته الكائنات الحية بالغريزة كأول خطوة للنجاة عند التعامل مع السموم في بيئتها الطبيعية هو لا تشرب السم.
