اخر الاخبار

الذكاء الاصطناعي في فلسطين: بين التحول الرقمي والتحدي البنيوي ..وصال أبو عليا

بات الذكاء الاصطناعي (AI) واقعًا لا يمكن تجاوزه في المشهد العالمي، وتنعكس تأثيراته المتسارعة على كل مجالات الحياة، من التعليم والإعلام إلىالاقتصاد والسياسة. وفي فلسطين، كما في سائر دول العالم، فرض الذكاءالاصطناعي حضوره تدريجيًا من خلال الأدوات الرقمية وبرمجيات التحريروالإخراج والمونتاج التي تحولت منذ عام 2020 إلى أنظمة ذكية متطورة، غيرأن هذا التحول ما يزال يصطدم بجملة من التحديات البنيوية والتعليمية.

مدى انتشار استخدام الذكاء الاصطناعي في فلسطين

يؤكد الأكاديمي والمختص في الإعلام د. غسان نمر أن نحو 60% منالفلسطينيين الذين ينشطون في قطاعات العمل والدراسة والإعلام والتجارةيتعاملون مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي بشكل يومي، سواء للحصول علىمعلومات، أو صياغة محتوى، أو تطوير أفكار. 

ويشير إلى أن هذه النسبة تعكس انتشارًا ملموسًا للذكاء الاصطناعي بينالأفراد، إذ أصبح مرافقًا لكل هاتف ذكي، وأداة أساسية في الحياة الرقميةاليومية.

لكن على الرغم من هذا الاستخدام الواسع، فإن الوعي بالحدود الأخلاقيةوالقانونية لهذه التقنيات لا يزال محدودًا، ما يستدعي –بحسب نمر– ضرورةالتعامل معها بحذر، خاصة في ظل إمكان استخدامها في أغراض مشبوهةأو خاضعة للمراقبة كما حدث في بعض الحالات داخل إسرائيل.

موقع الجامعات الفلسطينية من التحول الذكي

من زاوية أكاديمية، يكشف د. محمود خلوف، أستاذ الإعلام الرقميفي الجامعة العربية الأمريكية والباحث في مجال الذكاءالاصطناعي، عن نتائج دراسات أجراها ونشرت في مجلة النجاح للعلومالإنسانية (حزيران 2024)، تناولت مدى جاهزية المؤسسات الإعلاميةالفلسطينية للانتقال نحو الذكاء الاصطناعي، حيث تشير النتائج إلى أنالتحول الرقمي في المؤسسات الإعلامية جاء استجابة لواقع الممارسة، لالتخطيط استراتيجي، في ظل غياب البنية التحتية المؤهلة لمجاراة الثورةالصناعية الرابعة والخامسة.

أما في الجامعات، فيوضح د. خلوف أن نتائج دراسة مشتركة مع الباحثعبد الله مصلح من جامعة خضوري أظهرت واقعًا “غير مشجع”، إذ ماتزال المناهج تقليدية، والكوادر التدريسية غير مهيأة تقنيًا لتدريس مساقاتتتعلق بالذكاء الاصطناعي أو صحافة الروبوت، كما تفتقر الجامعات إلىالموازنات والمختبرات والمعدات اللازمة للدمج الفعّال لهذه التقنيات في العمليةالتعليمية.

ويرى د. خلوف أن الحل يكمن في مسارين متوازيين: تهيئة البنية التحتيةوتخصيص الموارد المالية المناسبة، وتدريب الكوادر الأكاديمية على أدواتالذكاء الاصطناعي، إضافة إلى تطوير المناهج بما يتناسب مع متطلباتسوق العمل وبناء شراكات داخلية بين كليات الإعلام والهندسة والذكاءالاصطناعي والوسائط المتعددة.

الذكاء الاصطناعي كأداة للنهوض الوطني

يتفق الباحثان على أن الذكاء الاصطناعي لا يمثل خطرًا بقدر ما يشكلفرصة استراتيجية للفلسطينيين إذا أُحسن توظيفه. فبرأي د. خلوف، يمكنلهذه التقنيات أن تسهم في نقل الرواية الفلسطينية إلى العالم وفضح جرائمالاحتلال، وكشف التضليل الإعلامي والسياسي الممارس ضد القضيةالفلسطينية، من خلال أدوات تحليل البيانات والترجمة والرصد الذكيللمحتوى.

كما يرى د. خلوف أن دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم والإعلام يمكنأن يخلق جيلًا فلسطينيًا قادرًا على الإبداع والتكيّف مع متطلبات المرحلة، بدلًا من البقاء في دائرة البطالة الناتجة عن استمرار التعليم الكلاسيكي. أما على الصعيد البحثي، فيمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز الدقة والنزاهةالعلمية من خلال الكشف عن الأبحاث المزورة وتحسين جودة الإنتاجالأكاديمي.

تحديات أخلاقية وقانونية

رغم هذه الفرص، يشير المتحدثان إلى أن الذكاء الاصطناعي يطرحإشكاليات قانونية ومجتمعية معقدة تتعلق بالملكية الفكرية، والاعتماد المفرطعلى الأنظمة الذكية في مجالات إنتاجية متعددة. 

ويؤكد د. خلوف أن على المشرعين الفلسطينيين الإسراع في سنّ أطرقانونية تضمن التكامل بين الإنسان والآلة، بحيث يكون الذكاء الاصطناعيمساعدًا للإنسان لا بديلًا عنه.

خلاصة

الذكاء الاصطناعي في فلسطين يسير بخطى متسارعة علىالمستوى الفردي، وبخطى بطيئة على المستوى المؤسسي. وإذا ماتم الاستثمار فيه بشكل مدروس عبر تطوير البنية التعليميةوالإعلامية والبحثية، فإنه قد يتحول من مجرد أداة رقمية إلىرافعة وطنية للنهوض بالتنمية، والوعي، والسردية الفلسطينيةأمام العالم.