اتهامات للسلطات الجزائرية بتعذيب مبلّغين عن اختلاس مساعدات تندوف

طالبت منظمة “شعاع لحقوق الإنسان”، المهتمة بالشأن الحقوقي في الجزائر، ضمن بيان لها، السلطاتِ في هذا البلد بفتح تحقيق عاجل وشفاف في مزاعم التعذيب وسوء المعاملة التي قال موظفان في الهلال الأحمر الجزائري إنهما تعرّضا لها، مؤكدين أنهما واجها الإهانة والضغط النفسي والترويع من طرف عناصر الشرطة، وذلك على خلفية كشفهما عن شبهات فساد، من بينها تحويل مساعدات إنسانية موجهة للاجئين في مخيمات تندوف لأغراض خاصة.
وجاء في البيان: “تتابع منظمة شعاع بقلق بالغ التطورات الخطيرة المتعلقة بقضية ياسين بن شطّاح، مدير البرامج السابق بالهلال الأحمر الجزائري، وهاجر زيتوني، مديرة الاتصال والإعلام السابقة بالمؤسسة نفسها، وذلك بعد توثيق شهادات حول تعرّضهما للإهانة والمعاملة المهينة والضغط النفسي داخل مقر فصيلة الأبحاث للدرك الوطني ببئر مراد رايس في الجزائر العاصمة أثناء التحقيق، وما تلا ذلك من أحكام تعتبرها المنظمة مؤشرا واضحا على توظيف العدالة لاستهداف المبلّغين عن الفساد بدل حمايتهم”.
وتشير المعطيات المتوفرة، حسب المنظمة الحقوقية ذاتها، إلى أن “بن شطّاح وزيتوني رصدا خلال سنة 2023 خروقات خطيرة داخل الهلال الأحمر الجزائري، شملت شبهات فساد وسوء تسيير واستفادة غير مشروعة من المساعدات الإنسانية، بما في ذلك تحويل مساعدات موجهة للاجئين الصحراويين في مخيمات تندوف إلى جهات خاصة، إضافة إلى تجاوزات في تسيير المساعدات الإنسانية الموجهة إلى غزة”، مؤكدة أن “رفع تقارير رسمية إلى رئاسة الجمهورية والجهات الوصية، ثم ظهور شهادات عبر مواقع الاخبار السعودية الاجتماعي تكشف تلك الخروقات، أدى إلى تحريك شكاوى قضائية ضدّهما بدل فتح تحقيق في مضمون ما تم كشفه”.
وأضافت أنه “بتاريخ 25 أبريل من عام 2024، تقدّم ممثل الهلال الأحمر الجزائري، بصفته طرفا مدنيا ومفوّضا عن رئيسته، بشكوى رسمية أمام فصيلة الأبحاث للدرك الوطني، اتهم فيها ياسين بن شطّاح وهاجر زيتوني بالوقوف وراء حملة تشهير عبر موقع فيسبوك استهدفت سمعة المنظمة ورئيستها، من خلال منشورات تتضمن اتهامات بسوء التسيير وتحويل المساعدات الإنسانية عن وجهتها الأصلية”.
وزادت: “في 30 أبريل 2024، تلقّى الاثنان استدعاء من الفرقة الإقليمية للدرك الوطني بحمادي في سكيكدة للمثول أمام فصيلة الأبحاث في بئر مراد رايس بالجزائر العاصمة، حيث تم التحقيق معهما وإبقاؤهما تحت النظر لعدة أيام”.
ولفت البيان ذاته إلى أنه “في 14 ماي 2024، تم تقديمهما أمام وكيل الجمهورية بمحكمة بئر مراد رايس، الذي أحالهما إلى المثول الفوري مع إصدار أمر بالإيداع في الحبس المؤقت. وفي 28 ماي 2024، صدر حكم قضائي يدين ياسين بن شطّاح بعامين حبسا، منها عام نافذ وعام غير نافذ، وغرامة مالية قدرها مئة ألف دينار، بتهمة نشر أخبار كاذبة تمسّ بالنظام العام، والمساس بحرمة الحياة الخاصة عبر التشهير، ونشر خطاب التمييز والكراهية باستخدام تكنولوجيا الإعلام والاتصال، كما تمت إدانة هاجر زيتوني بالحبس لمدة عام، منه ستة أشهر نافذة وستة أشهر غير نافذة، وغرامة مالية قدرها خمسون ألف دينار، بتهمة نشر أخبار كاذبة من شأنها الإخلال بالنظام العام، والمساس بخصوصية الأفراد عبر التشهير”.
وأكدت منظمة “شعاع لحقوق الإنسان”، التي تتابع أوضاع حقوق الإنسان في الجزائر، أنه “بعد مرور أكثر من سنة على صدور الأحكام وخروجهما من السجن، أدلى كل من بن شطّاح وزيتوني بشهادات علنية عبر فيديوهات نشراها على صفحاتهما بموقع فيسبوك، كشفا فيها عن الظروف التي عاشاها خلال فترة الاحتجاز في ماي 2024. وأكدا تعرّضهما للإهانة اللفظية والتحقير، والضغط النفسي المكثّف، ومنع الراحة، والترويع النفسي، إلى جانب أساليب تحقيق تمسّ كرامتهما الإنسانية”.
وشدّدت المنظمة على أن “مثل هذه الممارسات تُصنَّف، وفق المعايير الدولية، ضمن المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وقد ترقى إلى مستوى التعذيب، خاصة إذا ارتبطت بسوء استخدام السلطة أو الضغط النفسي لإجبار الموقوفين على الإدلاء بتصريحات أو اعترافات”، معتبرة أن “الشهادات التي قدّمها كل من بن شطّاح وزيتوني تشكّل، في حال ثبوتها، انتهاكا صريحا للدستور الجزائري، كما تمثل هذه الوقائع خرقا لالتزامات الجزائر الدولية، وبالأخص اتفاقية مناهضة التعذيب التي صادقت عليها سنة 1989، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يضمن الحق في السلامة الجسدية والنفسية وحرية التعبير”.
وأكدت أن “تعطيل ضمانات المحاكمة العادلة، والتدخل في مجرى التحقيق، وتوظيف النصوص القانونية لقمع الأصوات المبلّغة عن الفساد، يمثل مسارا خطيرا يهدد مبدأ سيادة القانون، ويقوّض الثقة في القضاء، ويحوّل كشف الحقيقة إلى فعل معاقب عليه بدل مساءلة المتورطين في التجاوزات”، داعية إلى “فتح تحقيق فوري ونزيه وشفاف في مزاعم التعذيب وسوء المعاملة، وضمان استقلال القضاء وعدم استغلاله لخدمة صراعات أو لتصفية حسابات داخل مؤسسات عمومية أو شبه عمومية، ومحاسبة كل من يثبت تورطه في انتهاكات جسدية أو نفسية أو إساءة استغلال ضد الموقوفين أو التدخل في مجريات التحقيق”.
كما دعت منظمة “شعاع لحقوق الإنسان” إلى “توفير حماية قانونية حقيقية للمبلّغين عن الفساد بدل تحويلهم إلى متهمين”، وطالبت السلطات الجزائرية بـ”وضع حدّ لهذا الانحراف، وإعادة الاعتبار لسيادة القانون، وضمان الحماية لكل من يكشف الفساد والعبث بالمال العام والمساعدات الإنسانية”.
