الشرع ينفي نية التطبيع ويؤكد اقتراب اتفاق أمني مع إسرائيل بإشراف أممي

قال رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، إنّ مفاوضات تُجرى حالياً مع إسرائيل قد تفضي إلى اتفاق أمني خلال الأيام المقبلة، مشدداً في الوقت ذاته على أن اتفاقاً من نوع "التطبيع" غير مطروح على الإطلاق، ومؤكداً ضرورة التوصل إلى تفاهم يحفظ وحدة الأراضي السورية ويخضع لرقابة الأمم المتحدة.
وفي حديثه للصحفيين في دمشق، يوم الأربعاء، أوضح الشرع أن الاتفاق الأمني الذي يتم التفاوض عليه يُعد "ضرورة حتمية" في المرحلة الراهنة، مشيراً إلى أنه يهدف إلى وقف الغارات الجوية الإسرائيلية والتوغلات البرية في الأراضي السورية، والتي تصاعدت بشكل كبير منذ سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي.
وقال الشرع إن المحادثات السابقة كانت قاب قوسين أو أدنى من التوصل إلى صيغة أولية لاتفاق في يوليو/تموز، قبل أن تتعطل بفعل التطورات الأمنية والعسكرية في محافظة السويداء جنوب البلاد، حيث اندلعت مواجهات بين جماعات درزية وقوات موالية للنظام السابق. وأضاف أن إسرائيل نفّذت، منذ الثامن من ديسمبر/كانون الأول، أكثر من ألف غارة جوية و400 توغل بري في سوريا، مشيراً إلى أن هذه التحركات تتناقض مع الخطاب الأميركي الداعي إلى الحفاظ على وحدة واستقرار سوريا، وواصفاً هذا التناقض بأنه "خطير للغاية".
الشرع أكد أن دمشق تسعى إلى اتفاق مماثل لاتفاق فصل القوات الموقع عام 1974 بين سوريا وإسرائيل، والذي أنشأ منطقة منزوعة السلاح بين الطرفين. وشدد على أن الاتفاق الحالي، في حال تمّ، يجب أن يكرّس انسحاب القوات الإسرائيلية من المواقع التي سيطرت عليها مؤخراً، بما فيها جبل الشيخ. غير أن وزراء إسرائيليين عبّروا صراحة عن نية بلادهم الاحتفاظ بهذه المواقع، نظراً لأهميتها الاستراتيجية.
وفي معرض رده على أسئلة الصحفيين، أوضح الشرع أن الولايات المتحدة لا تمارس أي ضغوط على سوريا لإتمام الاتفاق، بل تلعب دور الوسيط، نافياً تقارير تحدثت عن رغبة أمريكية في التوصل إلى اتفاق سريع قبل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل في نيويورك، والتي يُنتظر أن يشارك فيها الشرع شخصياً.
الشرع، الذي قاد تحالفاً عسكرياً أطاح بالنظام السوري السابق، قال إن مسألة توقيع اتفاق سلام أو تطبيع على غرار "اتفاقات أبراهام" التي وُقّعت برعاية أمريكية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، "غير واردة حالياً"، مؤكداً أن الظروف "ليست ناضجة بعد" للخوض في هذا النوع من الاتفاقات، خاصة في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان. وأضاف مبتسماً: "هي حالة صعبة أن تكون المفاوضات بين شامي ويهودي"، في إشارة إلى حساسية الوضع السياسي والمجتمعي في المنطقة.
في 16 يوليو/تموز الماضي، شنّت إسرائيل غارات جوية استهدفت وزارة الدفاع السورية وموقعاً قرب القصر الرئاسي في دمشق، على خلفية اشتباكات متصاعدة في السويداء، قالت إسرائيل إنها تدخلت فيها لحماية الأقلية الدرزية. الشرع وصف تلك الضربات بأنها "إعلان حرب"، لا مجرد رسالة، مؤكداً أن الرد السوري سيكون عبر العمل الدبلوماسي والسياسي.
في سياق متصل، قال مسؤول عسكري سوري لوكالة "فرانس برس"، طالباً عدم كشف هويته، إن القوات السورية سحبت سلاحها الثقيل من الجنوب السوري، موضحاً أن العملية بدأت قبل نحو شهرين، وتشمل مناطق تمتد إلى ما يقرب من 10 كيلومترات جنوب دمشق. وأكد دبلوماسي في دمشق هذه المعلومات، فيما أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في تصريح سابق، إلى أن بلاده تبحث مع أطراف دولية إمكانية إقامة منطقة منزوعة السلاح جنوب سوريا.
التوترات في السويداء شهدت تصعيداً دامياً في يوليو/تموز، حيث اندلعت مواجهات عنيفة بين مقاتلين من العشائر والقوات النظامية من جهة، ومسلحين دروز من جهة أخرى. ورداً على ذلك، نفذت إسرائيل سلسلة من الضربات العسكرية استهدفت مواقع تابعة للدولة السورية في دمشق والسويداء، في خطوة قالت إنها تهدف لحماية الدروز من عمليات انتقامية.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
ترمب يعلن رفع العقوبات عن سوريا تجاوبا مع طلب سعودي ويبدأ خطوات لتطبيع العلاقات
الأمير محمد بن سلمان والرئيس السوري يبحثان مستجدات الأحداث في سوريا
بالتوازي، أعلن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأردني أيمن الصفدي والمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم باراك، عن خارطة طريق لإرساء المصالحة في السويداء، بدعم من الولايات المتحدة والأردن. وأكد الشيباني أن الحكومة ستعمل على محاسبة كل من ارتكب انتهاكات ضد المدنيين، وتعويض المتضررين، وترميم القرى المتضررة، وتأمين عودة النازحين. كما أعلن عن نشر قوات تابعة لوزارة الداخلية لتأمين الطرق وحماية المدنيين، إلى جانب فتح ملفات المفقودين والمختطفين، وإطلاق مسار مصالحة يضم جميع مكونات المجتمع الدرزي.
من جهته، اعتبر المبعوث الأميركي توم باراك أن الخطوات المتخذة "تاريخية"، مشيراً إلى أن واشنطن والدول المجاورة ستواصل دعم هذه الجهود عبر آليات مشتركة لضمان التطبيق الفعلي لخارطة الطريق. وأعلنت السلطات السورية عن استحداث منصب قائد الأمن الداخلي في السويداء وتعيين شخصية درزية محلية في هذا المنصب، في خطوة هدفت إلى تهدئة التوترات وكسب ثقة المجتمع المحلي.
وفي تطور ميداني موازٍ، اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" القوات الإسرائيلية بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق سكان جنوب سوريا، بما في ذلك عمليات تهجير قسري، مصادرة ممتلكات، وهدم منازل. وأشارت المنظمة إلى أن هذه الانتهاكات تم توثيقها عبر مقابلات مع السكان وتحليل صور الأقمار الصناعية، فيما بررت إسرائيل تحركاتها باعتبارها ضرورية لحماية أمنها القومي ومواطنيها، وقالت إن جميع عملياتها متوافقة مع القانون الدولي.
من جانبها، أكدت السلطات السورية أن الدروز يشكلون جزءاً أصيلاً من النسيج الوطني، متهمة إسرائيل بمحاولة تفكيك المجتمع السوري واستغلال الأقليات لبسط نفوذها، وتعهدت بالدفاع عن سيادة البلاد ووحدة أراضيها في مواجهة كل أشكال التدخل الأجنبي.
وسط كل ذلك، لا يزال مصير هضبة الجولان المحتلة ملفاً مغلقاً وفق تصريحات الشرع، الذي أكد أن الوقت لم يحن بعد للخوض في هذه القضية "الكبيرة"، لكنها تبقى حاضرة في وجدان الدولة السورية وشعبها، كقضية سيادية لا تقبل المساومة.