منوعات

الشروق ترصد خلال 10 أشهر حالات العنف المُرتكبة ضد النساء في الأماكن العامة




الشيماء أحمد فاروق



نشر في:
الأحد 9 نوفمبر 2025 – 12:21 م
| آخر تحديث:
الأحد 9 نوفمبر 2025 – 12:30 م

يركز العالم في شهر نوفمبر على قضايا العنف القائمة على النوع الاجتماعي ضد النساء، لذلك خُصص يوم 25 نوفمبر من كل عام للتركيز على مناهضته، من خلال “اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة”، والذي تُجري إقامة كثير من الفعاليات المحلية والإقليمية والدولية لتوجيه رسائل بهدف وقف أشكال العنف حول العالم.

وفي شهرٍ يُكرَّس عالميًا لمناهضة العنف ضد النساء، تتجدد الدعوات لوقف النزيف اليومي الذي تتعرض له النساء والفتيات في الشوارع والمنازل ومواقع العمل وحتى الفضاء الرقمي، وبينما تتزين المنصات الدولية في 25 نوفمبر بشعارات “القضاء على العنف ضد المرأة”، تكشف صفحات الحوادث عن واقعٍ لا يزال يصرّ على تكريس صور القهر الجسدي والنفسي.

 

ووقع الاختيار على نوفمبر كشهر لمناهضة العنف ضد النساء، على إثر الاغتيال الذي حدث عام 1960 للأخوات ميرابال الثلاثة وهن ناشطات سياسيات من جمهورية الدومينيكان، وفي 20 ديسمبر 1993، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها 48/104 والذي اعتمدت فيه الإعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة.

 

وفي هذا السياق، حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 25 نوفمبر في عام 1999 اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، ودعت الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية لتنظيم فعاليات ذلك اليوم المخصص للتعريف بهذه المشكلة، مما يمهد الطريق نحو القضاء على العنف ضد النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم.

ومن الأنشطة المهمة في إطار هذه الفعالية إصدار أرقام تتعلق بالعنف ضد النساء، وفي ضوء الحديث عن هذه القضية، أجرت “الشروق” رصدا حول “العنف الذي تتعرض له النساء” مع اختيار “الأماكن العامة” فقط عنصرا جغرافيا للبحث، لكي نرصد: الأسباب والأنماط والفاعلين، في الفترة الزمنية “يناير وحتى أكتوبر 2025”.

ومن خلال رصد البيانات الرسمية لوقائع العنف “تحديداً الضرب – القتل” المنشورة في الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية المصرية على موقع فيسبوك أو المنشورة في مواقع الأخبار المصرية “اليوم السابع – الوطن – الدستور – الفجر – أخبار اليوم” في النطاق الزمني والجغرافي المحدد “من يناير وحتى أكتوبر من العام الحالي” بناء على البحث بكلمات مفتاحية، هي: مقتل سيدة – ضرب في الشارع – مقتل امرأة – ضرب فتاة – ضرب، اعتمادا على منهجية Methodology of Triangulation and Data Verification.

رُصد خلال فترة البحث المحددة 91 واقعة اعتداء منشورة، تتنوع بين: الضرب والقتل والسحل، وسيطرت جرائم الضرب بواقع 49 واقعة، ثم جرائم القتل بواقع 19 جريمة، وبعض الأفعال الأخرى الأقل ممارسة “اصطدام – شروع في قتل – سحل – تشويه” مقسمة رقمياً كما يظهر في الرسم البياني التالي:

 

وتنوعت أسباب الجرائم بشكل كبير، وفقا للوارد في خبر/ بيان وزارة الداخلية المصرية، وتصدرت الأسباب التالية الأكثر انتشارا كدافع للجريمة: الخلاف الأسري، التحرش، الخلاف المالي، وإليك جميع الأسباب الواردة، في الرسم البياني التالي:

أما عن صلة الفاعل بالضحية، فقد تم تقسيمها إلى: صلة قرابة من الدرجة الأولى، صلة قرابة من الدرجة الثانية، لا يوجد صلة قرابة، وداخل هذه التصنيفات يظهر الفاعلون الأكثر تكرارا: الزوج، والطليق، ولا يوجد صلة قرابة.

ويوضح الرسم البياني التالي تكرارات الفاعلين ونسبهم:

وفيما يتعلق بصلة الفاعل بالنسبة لخلفية الجريمة، يظهر الرصد أن الخلفيات الأسرية والرفض والخلفيات القضائية ترتبط بشكل أساسي بالأقارب من الدرجة الأولى، والرسم البياني التالي يشرح العلاقة بينهما:

يُبرز الرصد وقوع 19 حالة قتل في الأماكن العامة، منها 14 واقعة في الشارع “13 منها ارتكبها أقارب من الدرجة الأولى” بخلفيات مختلفة للجريمة، تنوعت بين: جرائم الشرف، والرفض، والخلافات القضائية، ويوضح الرسم البياني التالي الخلفيات المختلفة لجرائم القتل، والأماكن العامة التي وقعت فيها الجرائم:

 

 

وفي المرصد الخاص بهذا التقرير، يبرز وقوع 49 حالة ضرب في الأماكن العامة، منها 33 واقعة في الشارع “9 منها ارتكبها أقارب من الدرجة الأولى”، بينما الأغلب في حالات الضرب أشخاص ليس بينهم وبين الضحية صلة قرابة، حيث يعتدي جار أو مالك عقار أو مستأجر على امرأة بسبب الخلافات المالية.

ويوضح الرسم البياني التالي الأدوات المستخدمة في جميع الوقائع المرصودة بأنواعها

وفي هذا السياق، نشير إلى تركيز بعض الجمعيات النسوية في مصر على رصد حالات العنف ضد النساء ونذكر منها مؤسسة براح آمن النسوية، كأحدث الجميعات التي نشرت بيانات رقمية حول العنف، والتي رصدت في شهري يوليو وأغسطس 2025 عدد 81 حالة قتل، و6 حالات شروع في قتل، و10 حالات طعن، داخل المنزل، بينما مؤسسة تدوين في تقريرها الربع سنوي عن العنف داخل المنزل عام 2023 رصدت 51 حالة قتل داخل المنزل، وتشير بيانات هذا الرصد إلى أن %80,4 من حالات قتل النساء والفتيات ارُتكبت بواسطة أحد أفراد الأسرة، وهذه الأرقام تعد مؤشرا واضحا عن زيادة “فعل العنف”.

وتعليقا على الأرقام السابقة، قالت الناشطة النسوية آية منير، مؤسسة المبادرة النسوية الاجتماعية سوبر وومان: “نحن لدينا أزمة فيما يتعلق بالقانون وتطبيقه، نحن بالفعل لدينا قوانين تجرم العنف والضرب، ولكن لا يُطبق هذا التجريم بشكل حساس للنوع الاجتماعي، بل كشخصين متساويين فيما بينهما ولديهما نفس المساحة والسلطات -واحد كسرلا عضم التاني وخلاص- وهذا يضرب بعرض الحائط اختلاف موازين القوى بين الرجل والمرأة، وبالسلطة الأبوية للذكر في دوائر هؤلاء النساء، بالإضافة إلى أن هناك فروق بين مواد القانون والأحكام التي تنفذ، والتي غالبا يتم تخفيفها بسبب رؤية القاضي، مندرجة تحت بند -من حق الراجل يربي الست بتاعته- أو يقوم سلوكها، وقد يحدث التخفيف أيضا بسبب الأخطاء في محضر الإجراءات الجنائية في البداية”.

وأضافت منير: “من منظور نسوي واسع هناك وتيرة متزايدة للعنف في المجتمع، سواء نساء أو رجال، ولكن يجب أن ننظر على الجرائم التي تقع ضد النساء من منظور حساس للنوع الاجتماعي لأن النساء يقعن تحت الفئات غير المحمية بفعل السلطة الأبوية المميزة للرجل،، وهنا تظهر أسئلة كثيرة من بينها هل القانون أصبح غير رادع؟ هل أسلوب الذكور في التعامل مع النساء لا يعترف إلا بالعنف؟ وتشديد العقوبة ليس الإجابة، لأن الأزمة أننا لا نمتلك قانون يعاقب الرجال في إطار العلاقات، ولا ينظر إلى القضية بعدسة نسوية وجندرية، لأن النساء هنا الضلع الضعيف، والقصة لا يمكن وصفها أنها شخص اعتدى على الآخر، وتشديد العقوبة ممكن يتسبب في سلبيات، قد يكون عائقا في عملية تطبيق القانون -مين هتبلغ عن أبوها ولا جوزها وتحبسه- وهذا يزيد الضغط على الضحية لكي تتنازل، لذلك هنا ممكن نتكلم عن العدالة الإصلاحية أو التعويضية، من خلال تعويض الضحية من العنف الواقع عليها، محتاجين نظرة جديدة للتعامل مع قضايا العنف ضد الستات ترتدي عدسة نسوية تقاطعية”.

وفيما يخص الشق القانوني، قالت آية حمدي، محامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، “مكان وقوع الجريمة لا يخص فروق قانونية في نظر القضية، الجريمة تُكيف بحسب آليات وقوع الجريمة وليس مكان وقوعها، ولكن من المفترض أن الجرائم تكون مشددة لو تمت من حد له قرابة أو وصاية على المجني عليها، والقوانين الحالية في مصر غير كافية لحماية النساء من العنف ولا في الأماكن العامة أو الأماكن الخاصة، لذلك نطالب دائما بتشريع قانون شامل وموحد لمناهضة العنف ضد النساء لأن مواد القوانين العادية لا تكفي لحماية النساء من العنف، خاصة العنف الجنسي، لأن العنف ضد النساء له طبيعة خاصة لا تتوافق مع الطبيعة العامة للتجريم لقانون العقوبات، ولكن في التوقيت الحالي أفضل وجود قوات انقاذ سريع لإنقاذ النساء من العنف الذي تتعرض له في الشارع يمكن الاستعانة بهم وفق منطقة وقوع الجريمة للتدخل، ومن منظور نسوي نقدر نفهم إن الأبعاد الجندرية لها دور كبير في ثقافة العنف المنتشرة، لأن فيه طرف شايف نفسه الأقوى والمسيطر وطرف آخر لا يكسب التعاطف وضعيف في رأيه”.

وتضع عزة فتحي أستاذ مناهج علم الاجتماع بجامعة عين شمس رؤية لأسباب انتشار العنف تتلخص في: “أرى أن الأمر يرتبط بعدة عوامل، أولا ثقافة المجتمع الذكوري وأن المرأة ما هي إلا وعاء للإنجاب، بالإضافة إلى الدراما التي تتناول المرأة بصورة سلبية، وانتشار السوشيال ميديا وما يتم عرضه من جرائم عنيفة ومع التكرار يتم تقليدها وصياغة أشكال العنف كوسيلة للتخلص من الضغوط، وهناك مشاكل أخرى مثل: عدم تناول التعليم في المقررات المختلفة للمساواة الجندرية واحترام المرأة وأهمية دورها في الحياة، وعدم تناول التعليم لكيفية إدارة الفرد للضغوط الحياتية وخاصة من مرحلة المراهقة ومقاومة الإحباط”.

وأضافت: “العنف اليومي أصبح جزءًا من صيغة الحياة في كل الأمور سواء في العمل والمنزل والحالة الاقتصادية من أهم العوامل المؤثرة على سلوك الغضب والعنف، وأرى أيضا ثقافة الزحام جزءًا من المشكلة، حيث الضجيج وانتهاج الفوضى يؤثران على الاتزان الانفعالي للفرد ويولد حالات غضب”.

لا يعد العنف ضد النساء أمرا يقتصر على دولة محددة، لأن وفقا لـ بيانات الأمم المتحدة المنشورة على موقعهم الرسمي “داخل قائمة حقائق وأرقام” تعرضت ما يقدر بنحو 736 مليون امرأة للعنف الجسدي أو الجنسي، والفتيات معرضات بشكل خاص لخطر العنف – حيث تتعرض واحدة من كل 4 فتيات مراهقات للإساءة من قبل شركائهن – وتُظهِر الدراسات أن نسبة انتشار العنف ضد النساء والفتيات الذي تيسره التكنولوجيا تراوح بين 16 و58% وأن النساء الأصغر سنًا يتأثرن به بشكل خاص، حيث إن جيل Z “المولود بين عامي 1997 و 2012” وجيل الألفية “المولود بين عامي 1981 و 1996” هما الأكثر تضررًا، وتتعرض 70% من النساء في الصراعات والحروب والأزمات الإنسانية للعنف القائم على النوع الاجتماعي.