«لا سلام من دون حوار»

في اليوم الثاني من زيارته إلى لبنان، يحمل البابا ليو الرابع عشر دعوة للوحدة بين اللبنانيين على اختلاف طوائفهم، ورسالة أمل إلى شباب ينتظرونه بحماسة، بعدما تضاءل إيمانهم ببلدهم الذي عصفت به الأزمات، مؤكداً «أن لا سلام من دون حوار».
ووصل رأس الكنيسة الكاثوليكية إلى بيروت عصر الأحد، آتياً من إسطنبول، في أول رحلة خارجية منذ انتخابه في مايو (أيار)، قال إنه أراد من خلالها أن يكون «رسول سلام» يسعى إلى «تعزيز السلام» في أنحاء المنطقة التي مزقتها الانقسامات والأزمات والنزاعات.
وحضّ البابا المسؤولين اللبنانيين، الأحد، على أن يكونوا «في خدمة» شعبهم «الغني بتنوعه»، وأن يعملوا على تحقيق المصالحة التي «تحتاج إلى السلطات والمؤسسات التي تعترف بأن الخير العام هو فوق خير الأطراف»، في بلد يقوم نظامه على توازنات سياسية وطائفية هشة.

وشدد البابا ليو الرابع عشر الذي حظي باستقبال رسمي استثنائي وتجمعت حشود على الطرق التي سلكها بُعيد وصوله للترحيب به، على أن السلام «هو أن نعرف أن نعيش معاً في وحدة وشركة متصالحين مع بعضنا بعضاً».
وقال إلياس أبو نصر شعلان (44 عاماً)، وهو أب لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنه «في وقت نتخبط بمشاكل كثيرة اقتصادية واجتماعية وسياسية، نحن في حاجة إلى الأمل وفي حاجة إلى أن نتحد كلبنانيين كما جمع البابا المسؤولين ورؤساء الطوائف عند استقباله؛ لأنه بوحدتنا يمكن أن نتغلب على كل الصعوبات».

وأضاف بعدما شارك مع عائلته بحماسة في استقبال البابا تحت زخات المطر لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «اللحظات التي مرّ فيها البابا أمامنا كانت من أحلى اللحظات، لا توصف بكلمات. شعور بالسلام والمحبة».
واستهل البابا ليو الرابع عشر اليوم الثاني من زيارته بحج صباحي إلى ضريح القديس شربل، «قديس لبنان»، كما يسمّيه كثيرون، والذي يشكّل ضريحه في بلدة عنايا الجبلية الواقعة على بعد 54 كيلومتراً شمال بيروت محجاً لمسيحيين ومسلمين.

وهي المرة الأولى التي يزور فيها رأس الكرسي الرسولي الدير التابع للرهبانية اللبنانية المارونية وقد أسس الجزء الأول منه في عام 1828، وواصلت الرهبانية تطويره وزيادة أجزاء عليه، لا سيما بعد إعلان قداسة القديس شربل الذي دفن في المكان منذ عام 1898.
«لا سلام من دون حوار»
وأكد البابا ليو خلال زيارته إلى دير مار مارون – عنايا في محافظة جبل لبنان، أنه لا سلام من دون محادثات وحوار .
ونقلت «الوكالة الوطنية للاعلام» عن البابا قوله: «نطلب السلام للعالم، ونتضرع إليه بشكل خاص من أجل لبنان وكل المشرق. نذكر بأن لا سلام من دون محادثات وحوار».

وأضاف البابا: «يا رب، يا من منحت القديس شربل أن يحافظ على الصمت في الحياة الخفية ويستنير بنور الحق، امنحنا نحن الذين نقتدي بمثاله أن نخوض في صحراء العالم جهاد الإيمان الحسن».
وتابع: «نريد اليوم أن نوكل إلى شفاعة القديس شربل كل ما تحتاج إليه الكنيسة ولبنان والعالم من أجل الكنيسة نطلب الشركة والوحدة بدءا بالعائلات الكنائس البيتية الصغيرة، ثم الجماعات المؤمنة في الرعايا والأبرشيات، وصولا إلى الكنيسة الجامعة. شركة ووحدة».
ومضى قائلاً: «أما من أجل العالم فلنطلب السلام بصورة خاصة من أجل لبنان وكل المشرق. ونعلم جيدا، والقديسون يذكروننا بذلك، أنه لا سلام بدون توبة القلب لذا، فليساعدنا القديس شربل كي نتوجه إلى الله ونسأله نعمة التوبة لنا جميعا».
حوار بين الأديان
وبعد زيارة ضريح القديس شربل، التقى البابا الأساقفة والكهنة والعاملين في الكنائس في مزار سيدة لبنان الواقع على تلة في حريصا مطلة على مدينة جونية الساحلية، على أن يلتقي بعدها البطاركة الكاثوليك في مقر إقامته في السفارة البابوية.
وبعد ظهر الاثنين، يتوجه الحبر الأعظم إلى ساحة الشهداء في وسط بيروت، حيث يشارك في لقاء مسكوني وحواري بين الأديان، يتوقع أن يجدد فيه رسائله المؤيدة للوحدة واحترام التنوع الديني، على غرار ما فعله في تركيا.

وتتعايش في لبنان 18 طائفة، رغم حرب أهلية (1975 – 1990) أودت بحياة عشرات الآلاف من اللبنانيين، وكانت إلى حد بعيد، في بعض مراحلها حرباً بين مسلمين ومسيحيين. وتتوزع منذ بداية التسعينات مقاعد البرلمان مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، في عرف فريد من نوعه في الدول العربية. ويعود منصب الرئيس للطائفة المارونية، ومنصب رئيس الحكومة للطائفة السنية ومنصب رئيس البرلمان للطائفة الشيعية.

ويختتم البابا ليو الرابع عشر برنامج اليوم الثاني من زيارته بلقاء حاشد مع الشباب في مقر البطريركية المارونية في بكركي، شمال بيروت، حيث سجّل أكثر من عشرة آلاف شخص تتراوح أعمارهم بين 16 و35 سنة، أسماءهم لحضوره وفق المنظمين. وبين هؤلاء أكثر من 500 شاب وشابة يأتون من الخارج.
ويلقي الحبر الأعظم كلمة على مسامع الشباب، بعد سلسلة عروض وتقديم الهدايا له.

ويعاني لبنان الذي لطالما نُظر إليه على أنه نموذج للتنوع الديني في الشرق الأوسط، منذ عام 2019 أزمات متلاحقة شملت انهياراً اقتصادياً غير مسبوق وارتفاعاً كبيراً في معدلات الفقر وتدهور الخدمات العامة، فضلاً عن انفجار مرفأ بيروت في عام 2020 والحرب الأخيرة التي خاضها «حزب الله» وإسرائيل، ولا تزال البلاد تعاني من تبعاتها.
ودفعت تلك الأزمات عدداً كبيراً من اللبنانيين، خصوصاً الشباب إلى الهجرة.
وأعلن لبنان الاثنين والثلاثاء يومي عطلة رسمية بمناسبة الزيارة، وتم اتخاذ تدابير أمنية مشددة، بما في ذلك إغلاق الطرق وحظر تحليق المسيّرات، وإقفال المحال التجارية في وسط المدينة مساء الاثنين، قبل القداس المقرر صباح الثلاثاء.
