الشيخ زايد معجزة الصحراء .. من الرمال القاسية أوقد شمس الإمارات

في كل عام .. ومع إشراقة اليوم الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من شهر ديسمبر .. يعود الوعي الجمعي لـ شعب الإمارات وللعرب جميعاً إلى تلك اللحظة التأسيسية الفارقة .. لحظة أن وقف الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله .. أمام تحديات الزمن وأقدار المكان .. وقف كي يحول رمال الصحراء إلى دولة نابضة بـ الحياة .. ثم .. ثم يصنع من الحلم المبعثر واقع مشرف .. ما زال راسخاً رسوخ الجبال .
.. و .. و في هذا السياق .. يأتي مقالاً للمفكر العربي الكبير علي الشرفاء الحمادي .. مقالاً يقدم فيه شهادة فكرية عميقة للتاريخ .. شهادة لا تكتفي بسرد الوقائع .. إنما تستحضر جوهر التجربة ومراميها الأخلاقية والإنسانية والسياسية .

شهادة جاءت من رجل عاش واقع التجربة وتفاصيلها .. رافق الشيخ زايد منذ لحظة البناء الاولي .. كاشفاُ عن قدرات نادرة لـ رجل جاء من عمق الصحراء لـ يبني دولة تناطح عنان السماء .. صنع نهضة .. وحمل هم أمة تكالبت عليها ذئاب الاستعمار .
- قيادة تولد من رحم الحاجة
يبدأ علي الشرفاء مقاله الذي حمل عنوان : ” كيف أسس الشيخ زايد الإمارات وساند القضايا العربية ؟ ” .. يبدأ من مشهد عربي قاتم .. مشهد تتراكم فيه الغيوم .. وتتلاحق فوقه الأزمات .. مشهد تتآمر فيه قوي الشر لـ تعيد تشكيل وعي الأمة بما يخدم مشاريع الاحتلال والهيمنة .. و .. و في ظل هذا المشهد المعتم .. نشأت رؤية الشيخ زايد طيب الله ثراه .. لـ يحمل فوق عاتقة مسؤولية تاريخية تتجاوز حدود المكان واللحظة .. لـ تشمل مستقبل أمة .. كانت وما زالت تبحث عن نقطة ضوء في عمق النفق المظلم .

.. و هنا يبرز السؤال الأهم ببن سطور مقال علي الشرفاء : كيف يمكن لقائد أن يمنح أمته طريقاً للنور بينما يلف الظلام سماء المنطقة ؟ .. و .. و جاء الجواب في ذات السطور : بـ أن السر يتجسد في شخصية استثنائية طاهرة المنبت وواضحة البصيرة.. هي شخصية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه .

- رجل الصحراء الذي جمع شتات الرمال في راية واحدة
ويمضي علي الشرفاء في سرده التاريخي .. لـ يكشف للعالم .. كيف منحت الصحراء زايد بن سلطان صفاء الرؤية ؟ .. وكيف صاغ من هذا الصفاء مشروع تاريخي .. ألا وهو ” توحيد الإمارات ” .
فـ لم يكن التوحيد قرار إداري .. ولا مجرد خطوة سياسية .. إنما كان مشروع وجودي أعاد رسم خريطة الخليج والمنطقة .

ويكشف الشرفاء في مقاله عن ثلاثة أبعاد أساسية في تجربة الشيخ زايد خالد الذكر :
الأول – البناء المؤسسي وتأسيس دولة ذات سيادة واضحة المعالم .. تدار بـ عقلانية .. وتتقدم بـ خطى ثابتة نحو الأمام .. و .. و قد كان .
الثاني – الاستثمار في الإنسان .. إدراكاً من الرجل بـ أن النهضة الكبرى لن تكون نتاج النفط والمال .. إنما نتاج الإنسان المتسلح بـ العلم والأخلاق والإرادة .. و .. و قد كان .
الثالث – العطاء الإقليمي والعربي .. فـ الإمارات في رؤية زايد ليست جزيرة منفصلة .. بل هي في قلب كل عربي .. هي بلد يخفق بـ هموم الأشقاء وقضاياهم .. و .. و قد كان .
هذه الأبعاد مجتمعة هي التي جعلت دولة الإمارات .. في بضعة عقود .. تحتل مكانة عالمية رفيعة .. حتي أصبحت نموذج للتنمية والإبداع والاستقرار .

- خارطة طريق نحو المستقبل
و يلفت علي الشرفاء الحمادي إلى نهضة الإمارات .. وكيف قامت على ثلاثة ركائز أساسية رسمها بوضوح المغفور له باذن الله الشيخ زايد رحمه الله :
أولها – البنية التحتية والتنمية الشاملة .. من طرق وجامعات وموانئ ومدارس ومصانع .. تأسيس متين لـ إقتصاد قادر على التنافس عالمياً .
وثانيها – رفاهية الإنسان .. وضرورة توفير مسكن كريم وحياة كريمة .. ومجتمع متكامل يلبّي احتياجات أبنائه .
وثالثها – بناء الإنسان المدافع عن وطنه .. عبر جيش قوي .. وأجهزة أمنية قادرة على حماية الوطن ومنجزاته .
هذه الرؤية ليست مجرد خطة حكومية كما يقول علي الشرفاء .. بل هي فلسفة حضارية متكاملة نقلت الإمارات من مرحلة البدايات إلى مرحلة الريادة .. وهو ما يجعلها اليوم في عيدها الوطني .. تقف شامخة بين دول العالم .

- زايد رجل المواقف العربية الصلبة
ويستحضر الشرفاء الحمادي في مقاله .. المواقف العربية لـ رفيق دربه الشيخ زايد بن سلطان .. وأنه لم يكن مجرد مؤسس دولة .. إنما كان ضمير أمة .. ومن أبرز تلك المواقف التاريخية :
موقفه التاريخي في حرب أكتوبر عام 1973 حين أعلن بـ جرأة غير مسبوقة : ” ليس البترول العربي أغلى من الدم العربي ” .. وهي جملة حولت النفط من مورد اقتصادي .. إلى سلاح معنوي وسياسي في الدفاع عن الكرامة العربية .
ناهيك عن دعمه الدائم للقضية الفلسطينية .. ومطالباته التاريخية بـ حقوق الشعب الفلسطيني .. وكذلك مساعيه المستمرة لـ تقريب القادة العرب من بعضهم وحل النزاعات فيما بينهم .. وإيمانه بـ أن قوة العرب في وحدتهم .. وأن القدر المشترك لهذه الأمة أكبر من حدود دولها .
كل هذه المواقف كما يبرزها علي الشرفاء .. تؤكد أن ” زايد الخير ” لم يكن رجل دولة فحسب .. إنما كان صوت عربي حر .. لا يعرف المساومة ولا يقبل بـ الذل و المهانة .

- زايد حاضر في الذاكرة وفي المصير
إن استعادة هذه السيرة الطيبة في اليوم الوطني لـ دولة الإمارات .. ليس مجرد احتفاء بـ التاريخ انما هو رسالة للمستقبل .. فـ الدولة التي بُنيت على الحكمة والإنسانية والوحدة .. لا تزال تسير على النهج ذاته .. بـ قيادة جديدة تحمل الراية بـ ثبات وشموخ .
ففي الثاني من ديسمبر من كل عام .. لا تحتفل الإمارات فقط بذكرى قيام اتحادها عام 1971 .. إنما تحتفل أيضاً بـ ميلاد نموذج إنساني وسياسي فريد .. تُجسده رؤية الشيخ زايد .. ويواصله اليوم أبناء الإمارات قيادة وشعب .. لـ يصبح ” اليوم الوطني ” .. عقد متجدد بين الماضي المشرق .. والمستقبل الواعد .

- البدر الذي يُفتقد في الليالي الظلماء
ويختتم علي الشرفاء الحمادي سطور مقاله ببيت الشعر الذي يتردد في الوجدان العربي :
سيذكرني قومي إذا جَدّ جدهم .. وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر”
إذ يشبه علي الشرفاء الشيخ زايد بـ البدر الذي أنار سماء العرب .. ووهبهم الأمل في زمن الأزمات .. ولعل أعظم تكريم لـ ذكراه هو أن تبقى رسالة الإمارات باقية في عيدها الوطني وفي غير عيدها .. تبقي تجسيد حي لـ قيم الوحدة .. والعدل .. والإنسانية .. والعطاء .. والاعتزاز بـ عروبة لا تنكسر .
فـ لا نهضة بلا إنسان .. ولا قوة بلا وحدة .. ولا مستقبل بلا سلام وشرف وازدهار .
رحم الله الشيخ زايد حكيم العرب .. و .. و طيب ثراه
