مقالات

ما سر الانجذاب لشخص معين؟

قد يلاحظ الشباب أنهم ينجذبون لأشخاص بعينهم من دون سبب واضح، وقد يأتي هذا الشعور بدون سابق إنذار، وربما سريعاً بمجرد التعامل في موقف معين، ويبقى سر هذا الانجذاب لغزاً، لاسيما حين تكتشف أن الشخص الذي انجذبت إليه له صفاته الذي لا تُناسبك.
كثيرون يصفون ذلك بأنه حدس أو قدر، لكن العلم يقدم تفسيراً أكثر واقعية للانجذاب، ويحدد الخبراء مسارين يعملان معاً ويسببان شعور الإنجذاب السريع. الأول نفسي يلاحظ علامات التشابه ويضخمها، أما الثاني فهو سبب عصبي يلعب على كيمياء المخ، ولمزيد من التوضيح يمكنك استكمال القراءة.

إعداد: إيمان محمد

أسباب الانجذاب

حدد علماء النفس وكذلك أطباء علم الأعصاب السبب وراء الشعور بالانجذاب والسعادة في وجود شخص ما، وانقسم الأمر إلى سببين، وهما:

السبب الأول: التشابه هو الشرارة الأولى

أشارت دراسة أجريت في Boston University إلى تأثير التشابه على الانجذاب، وخلصت إلى أن الأشخاص بشكل عام، والشباب بشكل خاص، ينجذبون للأشخاص الذين يبدون أكثر تشابهاً معهم. وقد يكون هذا التشابه ليس في الصفات ولكن حتى في أمور بسيطة، مثل الموسيقى، الكتب، السياسة، وحتى تفاصيل تبدو تافهة مثل سناك مفضل أو نكتة مشتركة. وأشار الباحثون القائمون على الدراسة، إلى أن التشابه وإن كان في أمور سطحية حتى، يخلق شعوراً سريعاً بالألفة، ومن هنا يبدأ الانجذاب والذي قد لا يستمر.

الانجذاب يقترن بالشغف لكنه قد ينطفئ- المصدر freepik

لماذا يتحول التشابه إلى انجذاب؟

طرحت الدراسة سالفة الذكر هذا التساؤل، وأجابت أن الأمر يعود إلى عامل يسميه علماء النفس (التفكير الجوهري للذات)، ما يعني أن كل شخص لديه اعتقاد أنه يمتلك جوهراً داخلياً عميقاً، وهو ما يحدد ميوله وأفكاره وذوقه. عندما تقابل شخصاً لديه أشياء متشابهة تظن أن لديه نفس الجوهر ونفس الرؤية للحياة، ولكن الحقيقة تبدو لاحقاً غير كذلك.

هل التشابه يُضللنا؟

استكمالاً للدراسة عينها، فإن الانجذاب السريع الناتج عن استنتاج سريع بالتشابه الجوهري بين الطرفين، قد يكون مبنياً على تفكير سطحي، وافتراض غير واقعي. لأننا، ببساطة، لا نعرف ما يدور داخل الآخرين كما نعرف أنفسنا، بالتالي نتخيل أو نملأ الفراغات الخارجة عن المعرفة، بتصورات أنهم نفس نسختنا.
هذا الاتجاه النفسي، يفسر الأحكام السريعة التي قد نطلقها على أشخاص يميلون لأشياء مختلفة عما نفضله ما يسبب نفوراً كبيراً. وبحسب الدراسة، فإن الرسالة للشباب هنا واضحة وهي: “التشابه قد يكون شرارة جميلة، لكنه ليس دليلاً كافياً وحده على التوافق العميق”.

السبب الثاني: كيمياء المخ

هنا يأتي المسار الثاني، وهو الجانب الخاص بالدماغ والتأثير البيولوجي. أشار باحثون في Harvard Medical School إلى أن الوقوع في الحب أو الانجذاب الرومانسي يؤثر على كيمياء المخ، من خلال تفعيل دوائر المكافأة في المخ، وهي نفس الدوائر التي تتعامل مع المتعة والدافع والسعي وراء الشيء المرغوب. وأوضحوا أن صور الشخص الذي ننجذب إليه تنشط مناطق إفراز الدوبامين (وهو ناقل عصبي مرتبط بالشعور بالمكافأة والتحفيز)، لذلك يشعر الشاب أو البنت أمام الشخص الذي انجذبوا له بالرغبة في مزيد من التقارب.
واستكمل الباحثون أسباب الانجذاب لشخص ما، قائلين إن هناك استجابة كيميائية أخرى، تتمثل في ارتفاع هرمون الكورتيزول في المرحلة الأولى، فتظهر علامات جسدية وعاطفية معروفة، مثل خفقان، تعرق، احمرار، مزيج من الشغف والقلق. ومع ارتفاع الكورتيزول قد ينخفض السيروتونين، ما يرتبط بأفكار ملحة ومزعجة أحياناً، كأن الشخص أصبح حاضراً في الذهن بشكل لا يمكن السيطرة عليه. لهذا لا تستغرب إذا وجدت نفسك تعيد نفس الحوار في رأسك أو تراقب هاتفك بلا وعي.

الانجذاب يؤثر على كيمياء الدماغ- المصدر freepik

هل الانجذاب شعور مستقر؟

أوضح باحثو هارفارد أن هناك مواد أخرى تلعب دوراً في التعلّق مثل الأوكسيتوسين والفازوبريسين. الأوكسيتوسين يرتبط بالإحساس بالقرب والطمأنينة والأمان، بينما يرتبط الفازوبريسين بسلوكيات العلاقات طويلة الأمد. بالتالي توضح العلاقة بين الهرمونين لماذا قد ينطفئ شعور الانجذاب ويتحول لاعتياد.

هل الانجذاب السريع أعمى؟

نعم، وهذه الافتراضية أوضحها باحثو هارفارد أيضاً، وأرجعوا ذلك إلى كيمياء المخ، حيث قالوا إنه في حالة الانجذاب السريع يهدأ جزء من الآليات العصبية المسؤولة عن إصدار الأحكام السلبية مثل الخوف والحكم الاجتماعي، ما ينتج عنه أن الشاب أو البنت لا يرون الشخص المنجذبين إليه على حقيقته في البدايات، هذا لا يعني أن العقل يختفي، لكنه يعني أن المخ يغير طريقة المعالجة في مرحلة الانجذاب.
من السابق يمكن استخلاص السبب الحقيقي وراء الانجذاب، والذي ينقسم إلى مرحلتين: الأولى هي التشابه وافتراض أن الشخص في جوهره يشبهنا، والثاني هو تأثير ذلك على كيمياء المخ وتشغيل مناطق المكافأة.
بمجرد إدراك هذه الحقائق، يمكن للشباب التفرقة بين الانجذاب السريع القائم على افتراضات، وتأثير ذلك على السلوك، وبين الحب الحقيقي القائم على الراحة والتفاهم والاحترام.
اقرئي كيف تعبّر الألوان عن مشاعرك؟