الشباب يؤكدون ضرورة الاهتمام بأبي الفنون ..المسرح المدرسي فضاء الروح
يعدّ المسرح أبا الفنون؛ إذ إن تاريخه يعود إلى أيام الإغريق والرومان؛ حيث كانت المسارح الوسيلة الوحيدة للتعبير الفني، بل إن بعض المؤرخين والباحثين يرجع نشأته إلى تلك الاحتفالات والطقوس الدينية المرتبطة بكل الحضارات القديمة، بما فيها الحضارة الفرعونية.. ومنذ تلك الأيام الغابرة كان المسرح يؤدي دوراً تنويرياً وتثقيفياً بارزاً في المجتمعات، ولذلك يعمل العديد من البلدان على تكريس هذا الفن الراقي في المجتمع، ومن الخطوات تلك الاهتمام بالمسرح المدرسي. حول هذا الموضوع التقينا عدداً من الشباب والشابات للحديث عن أهميته بالنسبة إليهم، ودوره في الترفيه والتثقيف والمعرفة، وهل يتمنون أن يسهموا بالمشاركة فيه؟
الرياض | زكية البلوشي Zakiah Albalushi
الرباط | سميرة مغداد Samira Maghdad – تونس | مُنية كوّاش Monia Kaouach
القاهرة | أيمن خطاب Ayman Khattab – بيروت | عفت شهاب الدين Ifate Shehabdine
فسحة جميلة للتلاميذ والطلاب
نور الورياغلي: يعلم المسرح الفصاحة واستحضار لغات أخرى وتجاوز بعض المحبطات التي قد يعاني منها التلميذ
بداية، تقول نور الورياغلي (18 عاماً)، طالبة مغربية، إنها مدينة للمسرح المدرسي الذي علمها منذ صغرها، التعبير عن نفسها وروح التواصل. وتضيف: «أحب المسرح وقد كان جزءاً مهماً من أنشطتي في المدرسة، وكنت أنتظر حصته بشغف لألتقي صديقات وأصدقاء صغاراً لممارسة شيء مختلف يمنحنا الفرح، لكنني للأسف سرعان ما انقطعت عنه في المرحلة الثانوية بسبب انشغالات الدراسة وأعبائها. المسرح المدرسي فسحة جميلة للتلاميذ والطلاب ومن المفروض أن يكون حاضراً في كل المدارس التعليمية منذ التعليم الأولي، فمن خلاله نهيئ الأطفال للتدرب على الحوار والتواصل وحتى الاندماج الاجتماعي، وربما حتى تشخيص بعض العقد التي يراكمها الطفل بسبب خلل في التربية».
عن تجربتها تعلق قائلة: «شخصياً تعلمت فن التعبير والإلقاء وسط الجماعة، كما تعلمت بفضل المسرح أن أتغلب على الخوف والإدلاء برأيي وسط مجموعة من الأشخاص. كما يعلم المسرح الفصاحة واستحضار لغات أخرى، وتجاوز بعض المحبطات التي قد يعاني منها التلميذ، كما يفسح المجال أمام التلميذ لتفجير طاقاته الإبداعية. من جهة أخرى، يستطيع المعلم من خلال حركات تلاميذه التعرف إلى شخصية كل تلميذ، والأخذ بيده لتجاوز بعض الأزمات النفسية والاجتماعية التي قد يعاني منها الطفل، التي تعيق حتى تحصيله الدراسي. وكم من تلميذ استطاع أن يكتشف مواهبه في التمثيل والتشخيص ليتخذ من المسرح مهنة ويصبح مشهوراً ومحبوباً. في تقديري مع المسرح المدرسي تتفتح المواهب التي تصقل وتمضي نحو المستقبل بأهداف واضحة».
إقرئي المزيد عن 10 أشياء لم تكن تعرفها عن المسرح
المشاركة في المسرح تجربة ممتعة
محمد حامد الدخيّل: يكسر المسرح حاجز الخوف من مواجهة الجموع وزيادة المعرفة وغرس القيم الأخلاقية والانتماء إلى الوطن
حدَّثنا محمد حامد الدخيّل، طالبٌ في السنة الثالثة تخصُّص جيولوجيا بجامعة الملك سعود، عن المسرح المدرسي، مشدداً على أهميته بالنسبة إلى الطلاب بالقول: «المسرح المدرسي من أهم أنواع الأنشطة الطلابية، يؤدونه تحت إشراف معلمهم، الذي يحرص على إبراز مواهبهم الفنية»، مضيفاً: «من المهم جداً في أي مدرسة تفعيل المسرح؛ إذ ينمِّي هذا الفن روح التعاون بين الطلاب، ويعينهم على التعليم بشكلٍ جيدٍ، خاصةً إذا ناقش المواد الدراسية، أو أحد موضوعات الحياة الأكثر إلحاحاً».
وتابع الدخيّل: «كما يسهم المسرح في نمو شخصية الطالب وتطويرها، فضلاً عن دوره في غرس القيم الإيجابية في نفسه، مثل القيم الاجتماعية، والدينية، والسياسية، والاقتصادية، والجمالية، والعلمية».
وشدَّد على أن «المسرح المدرسي، يؤدي دوراً مهماً في إبراز مواهب الطلاب الفنية، ويمكن عدُّه نوعاً من أنواع الترفيه خارج الصف الدراسي، خاصةً ضمن الأنشطة الصيفية»، مشيراً إلى أن المسرح «ينمِّي مهارات الطلاب من خلال تدريبهم على التحدُّث والإلقاء، والتمثيل أمام الناس، وكسر حاجز الخوف من مواجهة الجموع لديهم، وزيادة معرفتهم وثقافتهم، وغرس القيم الأخلاقية والانتماء إلى الوطن في نفوسهم».
وحول موقفه من المشاركة في المسرح المدرسي، قال الدخيّل: «في جامعة الملك سعود، يوجد مسرحٌ، يحمل اسم حمد الجاسر، ويعدُّ من أهم المسارح في الجامعات السعودية، وتقام فيه احتفالاتٌ كثيرة، منها الاحتفاء باليوم الوطني، ورقصات العرضة السعودية، والحفلات الختامية للأندية والتخرُج، والأنشطة الطلابية، وكلها فعالياتٌ جميلة، لكن شخصياً، لم أشارك في تلك الأنشطة حتى الآن، وبإذن الله سأفعل ذلك مستقبلاً، إن أتيحت لي الفرصة، وأعدُّ المشاركة في المسرح تجربةً ممتعةً، ستضيف لي الكثير؛ إذ لا تقتصر فوائدها على تنمية مهاراتنا الفنية فقط، بل تمتدُّ إلى رفع مستوانا التعليمي أيضاً، ومعالجة بعض الحالات النفسية، مثل الخجل والانطواء، وإكسابنا الجرأة، وتعزيز اندماجنا في المجتمع، ومنحنا مهارات العمل بروح الفريق الواحد، وكل ذلك أمورٌ إيجابية».
يغذّي الرغبة في المعرفة
رواسي الفقيه: خلّصني المسرح من الخجل المفرط وغذى معارفي
تتحدّث رواسي الفقيه (18 عاماً)، طالبة تونسية في المرحلة الثانوية، عن تجربتها في المسرح المدرسي، موضّحة أن مشاركتها في المسرح المدرسي أثّرت إيجاباً في قدراتها الاجتماعيّة والنّفسيّة، وأسهمت في تنمية شخصيّتها، وعزّزت من تحصيلها الدّراسيّ، وطوّرت من ذائقتها الفنيّة.
تقول رواسي: «اخترت المسرح المدرسي عن طواعيّة وقناعة، فكان متنفّساً لي من ضغوطات الدّراسة، ففي نوادي المسرح عبّرت عمّا في داخلي ووجدت راحتي. كما سمحت لي نوادي المسرح المدرسي بالارتجال وبأداء بعض الأدوار، ومكّنتني من أبجديّات العمل المسرحي، فوقفت للمرة الأولى على خشبة المسرح في نطاق مدرسي، وسعدت بإعجاب الحاضرين بأدائي، وباكتشاف أساتذتي لموهبتي».
تقرّ رواسي أيضاً أنّ المسرح خلّصها من الخجل، ونزع عنها الرّهبة من التعامل والاختلاط بالنّاس.
وتقول إن دروس المسرح مكّنتها من إتقان نطق سليم للأحرف ومخارجها وحسن الإلقاء، ولقّنتها آليات التّواصل الشّفوي والجسدي، فأصبحت تتناقش مع الأصدقاء بأريحيّة وتبادر بالحديث، وتطرح الأسئلة في الفصل.
تضيف رواسي: «مشاركتي في المسرح المدرسي غذّت رغبتي في المعرفة، ودفعتني إلى المطالعة انطلاقاً من قراءة النّصوص المسرحيّة، وإعادة قراءتها مرّات عديدة لفهمها وحفظها، فكانت فرصة لي للاطّلاع على نصوص مسرحيّة عميقة المضمون وجميلة الأسلوب، فحسّنت هذه النّصوص والقراءات المتتالية من لغتي وغرست فيّ حبّ الاطّلاع».
تؤكّد رواسي عن تأثير المسرح المدرسي في اختياراتها، إلى درجة أنّها قرّرت التخصّص في المسرح، والتوجّه بعد اجتياز شهادة الباكالوريا (الثانوية العامة) إلى الدّراسة في المعهد العالي للفنّ المسرحي بالعاصمة التّونسيّة، لتصقل موهبتها، وتنمي قدراتها فتصبح في المستقبل أستاذة مسرحيّة، تمارس الاحتراف، وتشرف على تعليم الشّباب، وتسهم في دعم فضاءات مسرحيّة في المدن والقرى التّونسيّة.
تستطرد قائلة: «سأسعى أيضاً إلى التّوعية من مخاطر بعض الظّواهر الاجتماعيّة المنتشرة كخطاب الكراهيّة وظاهرة العنف والتنمّر، لأسهم قدر المستطاع في تغيير العقليات عبر المسرح».
يمكنك الاطلاع على النقاش.. حدوده وموانعه لدى الشباب
تحسين مهارات الاتصال
تجد نورهان هشام رأفت، طالبة مصرية، أن للمسرح المدرسي أهمية كبيرة بالنسبة إليها، فقد أسهم في بناء ثقها بنفسها وقدراتها. توضح قائلة: «تعلمت من خلال الأدوار التي أقدمها أمام الجمهور، كيفية التعامل مع الضغوط والتحدّيات؛ ما يعزز الشعور بالقدرة على تحقيق النجاح. وأعدّ المسرح بيئة مثالية لتحسين مهارات الاتصال والتواصل. فقد تعلمت منه كيفية التعبير عن أفكاري بوضوح وصراحة، وكيفية التفاعل مع الجمهور والفريق الذي يعمل معي».
تضيف: «يعتمد المسرح بشكل كبير على العمل الجماعي، وهو ما يعلم الشباب كيفية التعاون والتفاعل مع الآخرين بفاعلية. كما أنه يعلمهم العديد من المهارات الفنية، مثل: الإلقاء الصوتي، والحركة على المسرح، وتصميم الملابس والديكور. هذه المهارات قد تكون ذات فائدة لهم في المستقبل، سواء في مجال الفنون أو في مجالات أخرى من الحياة».
تتابع: «تتطلب المشاركة في المسرح الالتزام والانضباط للتحضير والممارسة، والمشاركة في العروض. وهذا يساعد الشباب على تحسين قدرتهم على التنظيم والتحكم الذاتي. كما يعدّ المسرح منبراً للشباب للتعبير عن أنفسهم، والتعامل مع المشاعر والهواجس التي قد يواجهونها. يمكن أن يكون هذا تجربة مؤثرة ومشجعة لهم لفهم أنفسهم وتطوير صحة نفسية إيجابية».
وعن دور المسرح المدرسي في الترفيه والتثقيف والمعرفة، ترى نورهان أنه يوفر فرصة للطلاب للانغماس في عالم الفن والتمثيل والأداء.
تضيف قائلة: «يُعَدُّ المسرح بيئة ترفيهية تسمح للطلاب بالتعبير عن أنفسهم بطريقة إبداعية وممتعة. يمكنهم التحاور والتفاعل مع الشخصيات والقصص، وهذا يسهم في تطوير مهارات التواصل والتعبير الشفهي لديهم. إضافة إلى ذلك، يعزز المسرح المدرسي الروح الجماعية والعمل الجماعي؛ حيث يجتمع الطلاب لتحقيق هدف مشترك في إنتاج وعرض العروض المسرحية. ومن خلاله، يمكن تقديم مجموعة متنوعة من القصص والمواضيع المهمة التي تسهم في توسيع آفاق المعرفة للطلاب. ويشكل الاستعداد للمشاركة في إنتاج مسرحيات مدرسية تحدياً للطلاب لتعلم مجموعة من المهارات الأكاديمية والعملية، مثل: كيفية الكتابة، والتمثيل، والإخراج، وتصميم الأزياء، والديكور، والإضاءة، والصوت. كما يتعلمون كيفية العمل ضمن جدول زمني ومواجهة التحديات الإبداعية وحل المشكلات».
وتختتم حديثها: «أشجع دائماً المشاركة في المسرح أو أي نشاط آخر يعزز المهارات الفنية والتواصل لدى الطلاب. فهي فرصة رائعة لخوض تجربة ممتعة ومفيدة للجميع، فقد يكون للمشاركة في الأنشطة الثقافية والفنية تأثير إيجابي في حياتك الشخصية والاجتماعية والعاطفية».
حياة المسرح جميلة لأنها تجمع الناس
جوليان شعيا: يساعد المسرح على تكوين مهارات وأساليب ضرورية لمواصلة المشاركة في التنمية الشاملة
يشير جوليان شعيا (24 عاماً)، ممثل، إلى أنه قبل التطرّق إلى موضوع المسرح المدرسي يجب تعريفه بأنه فن راقٍ يعتمد على الرسالة الثقافية بشكل كبير، ومن ثم تحوّل إلى نوع من أنواع التعبير، والترفيه، والضحك، والإحساس.
ويستطرد: «أتمنى من كل شاب، سواء كان في المدرسة أو خارجها، أن يقوم بالاطلاع على هذا النوع من أنواع الفنون المميّزة؛ لأنه أحد فروع فنون الأداء أو التمثيل الذي يجسّد أو يترجم قصصاً ونصوصاً أمام المشاهدين باستخدام مزيج من الكلام، والإيماءات، والموسيقى، والصوت، على الخشبة.
أما المسرح المدرسي فتبرز أهميته بالنسبة إلى الشباب كونه واحداً من أهم البرامج، التي يحقق النشاط المدرسي من خلالها الكثير من أهدافه؛ حيث يمارس الطلاب من خلاله العديد من الأنشطة في مختلف المجالات، إضافة إلى أنه جزء مهم من المناهج الحديثة؛ لأنه يساعد على تكوين عادات ومهارات وقيم وأساليب ضرورية لمواصلة التعليم والمشاركة في التنمية الشاملة، لذلك لا شك أن أهمية المسرح المدرسي وفاعليته تتجلّيان في رفع مستوى تحصيل تلاميذ مرحلة التعليم الأساسي؛ ما يساعد على توعيتهم بتراثهم وتاريخهم وحضارتهم، والتعرّف إلى حياة الناس ومشاكلهم، وتنشئتهم على القيم والأخلاق، وكيفية التعامل مع الآخرين، وتنمية قدرتهم على التعبير».
يوضح جوليان: «المسرح المدرسي من أنسب الأشكال الفنية للتواصل مع الطلاب والتعبير عن عالمهم الخاص من خلال التقليد والمحاكاة؛ حيث يميلون بطبيعة الحال إلى الاندماج والتفاعل مع فريق العمل. وهناك عناصر مشتركة أخرى كالخيال والدهشة… لذلك فالمسرح المدرسي يعدّ أحد الوسائل التعليمية التي تسهم في تشكيل شخصية الطالب الاجتماعية والثقافية والأخلاقية، من خلال شخصيات متحرّكة تلفت انتباهه وتثير خياله على المسرح؛ ما يجعله وسيلة مهمة لبناء شخصيته».
يتابع: «منذ فترة عرضنا مسرحية بعنوان «حبس الورود» من إخراج مهي الغلبوني، وقد جالت عدداً كبيراً من المدارس، ولامسنا التفاعل الكبير الذي عشناه مع التلاميذ الذين عبّروا عن احترامهم وتقديرهم للمسرح. أقول دائماً إن حياة المسرح جميلة جداً؛ لأنها تجمع الناس، وتنمّي لدى الطلاب الحاجات الأساسية، كالحاجة إلى اللعب والمعرفة وتحقيق الذات، ولا أخفي سراً إذا قلت إن هذه الحاجات تسهم في صقل الشخصية وتنميتها، فاللعب يعزّز مهارات الاستكشاف، واكتساب المعلومات والمعرفة ينمي القدرات الذهنية، كما أن تحقيق الذات يمنح الطلاب إحساساً بأنهم يستطيعون أن يقوموا بدور مهم في المجتمع، وتقديم كل ما هو مفيد».
يمكنك الاطلاع أيضاً على شابات اليوم: هذه الحرف التقليدية التي نهواها