مقالات

ديان كيتون: لماذا استحقت لقب أسطورة هوليوود؟

إذا كانت هناك نجمة تستحق عن جدارة لقب أسطورة نساء هوليوود، فلا شك أنها ديان كيتون Diane Keaton؛ الظاهرة الفنية التي أعادت تعريف مفهوم الأسطورة في السينما الأمريكية. فمنذ انطلاقتها في سبعينيات القرن العشرين، استطاعت أن توازن بين العمق الدرامي والبساطة الإنسانية، وأن تنتقل بسلاسة بين الملاحم التاريخية والكوميديا الرومانسية، وبين أدوار البطولة والإخراج والتأليف، لتصنع مسيرة تمتد لأكثر من خمسة عقود من الإبداع المتجدد.

امتلكت كيتون القدرة النادرة على إعادة صياغة صورة المرأة في السينما الأمريكية؛ فكانت في The Godfather صوت الضمير وسط عالمٍ المافيا الذكوري، وفي Annie Hall قدمت تجسيدًا للمرأة الحرة القلقة الباحثة عن ذاتها، وفي Reds نموذجًا للمثقفة الثائرة. لم تكتف بالتمثيل، بل تحوّلت إلى أيقونة للموضة والأناقة غير التقليدية، وصوتٍ ثقافي مؤثر في قضايا الاستقلالية والهوية النسوية، وبهذا التنوّع والجرأة، وبحضورها الإنساني الدافئ، استحقت ديان كيتون أن تُلقّب بـ أسطورة هوليوود، لا لأنها نجمة لامعة فحسب، بل لأنها صنعت معادلة خالدة بين الأصالة الفنية والصدق الإنساني.

في الحادي عشر من أكتوبر 2025، أُعلن رحيل ديان كيتون عن عمر يناهز التاسعة والسبعين في كاليفورنيا، تاركة وراءها إرثًا سينمائيًا وإنسانيًا يصعب تكراره. وأكّد بيان عائلتها أن الوفاة جاءت بهدوء يليق بمسيرتها الراقية، فيما طلب المقربون احترام خصوصية العائلة في هذا الوقت العصيب، كما نقل موقع People الأمريكي في تقريره الحصري.

بدايات ملحمية: من المسرح إلى “The Godfather” وتأسيس حضور درامي خالد

وُلدت ديان هال — وهو اسمها الأصلي — في لوس أنجلوس عام 1946، وكانت الابنة الكبرى لعائلة متوسطة الحال. والدها مهندس مدني، وأمها ربة منزل كانت تحمل حلمًا دفينًا بالفن. قالت كيتون في حوارها مع People عام 2004: “أعتقد أن أمي كانت تريد في قلبها أن تكون مؤدية. كانت تغني وتعزف البيانو، وكانت جميلة، وكانت تؤمن بي دائمًا.”

منذ سنوات المراهقة، وجدت كيتون في المسرح نافذتها الأولى نحو التعبير، وبعد تخرجها من المدرسة عام 1964 درست الدراما لفترة قصيرة قبل أن تنتقل إلى نيويورك لتطارد حلمها المسرحي. هناك قررت أن تستخدم اسم عائلتها من جهة الأم، “كيتون”، لأن اسمها الأصلي “ديان هال” كان مسجلاً بالفعل في نقابة الممثلين.

في عام 1968، اختيرت كيتون لتكون بديلة لشخصية “شيلا” في المسرحية الشهيرة Hair على برودواي. لكنها كشفت لاحقًا عن معاناتها مع مرض البوليميا خلال تلك الفترة، بعدما طُلب منها إنقاص وزنها: “لم يكن الأمر عن المخرج، بل عني أنا… كنت مريضة. إنها حالة عقلية تجعلك تخفي كل شيء وتعيش في كذبة.” تعافت لاحقًا بالعلاج النفسي، لكنها قالت إن هذا الاضطراب سلبها متعة البدايات.

جاءت فرصتها الحقيقية حين تعاونت مع وودي آلن في المسرحية الكوميدية Play It Again, Sam (1969)، التي رشحتها لجائزة “توني”. هذا اللقاء الفني سيفتح لاحقًا صفحة جديدة في السينما الأمريكية.

وفي عام 1972، جاء التحول الأعظم في مسيرتها حين اختارها المخرج فرانسيس فورد كوبولا لتجسيد شخصية كاي آدامز في فيلم The Godfather. ورغم أنها لم تقرأ الرواية قبل الاختبار، كما اعترفت لاحقًا، إلا أن أدائها كحبيبة مايكل كورليوني (آل باتشينو) جعلها جزءًا لا يُمحى من واحدة من أعظم الملاحم السينمائية. قالت كيتون بعد سنوات: “أعتقد أن أجمل ما حدث لي هو أن أُختار لفيلم The Godfather دون أن أكون قد قرأته أصلاً. كانت مصادفة غيّرت حياتي.”

تطورت شخصية كاي في الجزأين التاليين لتصبح ضمير السلسلة الإنساني. في The Godfather Part II، بلغت ذروة أدائها في مشهد المواجهة مع مايكل، حين أعلنت رفضها الاستمرار في دائرة العنف، مجسدةً المرأة التي تحاول النجاة من سطوة عالم لا مكان فيه للأمل. وحتى في الجزء الثالث (1990)، ظلت كيتون تضيف عمقًا إنسانيًا لشخصيتها، مؤديةً ببراعة امرأة محطّمة لكنها لا تزال تملك قوة البقاء.

نقطة التحول الكبرى: “Annie Hall” وإعادة تعريف الكوميديا الرومانسية

عام 1977 سيبقى علامة فارقة في تاريخ السينما المعاصرة، حين جسّدت كيتون دور آني هول في فيلم وودي آلن الذي حمل الاسم نفسه. شخصية آني — بتلقائيتها وذكائها وقلقها الوجودي — كانت صورة لامرأة السبعينيات بكل تناقضاتها، وقدمت كيتون أداءً جعلها تحصل على جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة، لتصبح أيقونة الكوميديا الرومانسية الجديدة.

أسلوبها الشخصي في الفيلم، بقبعاتها الفيدورا وستراتها الرجالية وقمصانها الفضفاضة، لم يكن مجرد زيّ، بل بيان جمالي وثقافي أعاد تعريف الأنوثة على الشاشة، وخلق موجة من الإلهام في عالم الموضة بتعاونها مع رالف لورين. وقد صرحت كيتون وقتها بأن الشخصية كانت انعكاسًا لها أكثر من كونها مجرد تمثيل، قائلة: “ليست حقيقية تمامًا، لكنها تحتوي على الكثير مني.”

بعد Annie Hall، تحوّلت كيتون إلى أيقونة ثقافية تجاوزت حدود الشاشة؛ فقد أصبحت نموذجًا للمرأة المستقلة التي لا تخاف من هشاشتها، والتي توازن بين الكوميديا والفلسفة في آن واحد.

تنوّع الأداء: من الملاحم التاريخية إلى الكوميديا العائلية

منذ أواخر السبعينيات وحتى الألفية الجديدة، حافظت كيتون على قدرتها المدهشة على التنقل بين الأنواع السينمائية. في Interiors (1978)، ظهرت ككاتبة تعاني من الاضطراب العاطفي في عمل درامي حاد، بينما جسّدت في Reds (1981) الصحفية والناشطة لويز براينت، لتنال ترشيحها الثاني للأوسكار بأداء جمع بين الفكر والعاطفة.

في الثمانينيات، تعاونت مع المخرجة نانسي مايرز في Baby Boom (1987)، وقدّمت فيه معالجة ذكية لتحديات المرأة العاملة والأمومة، ثم عادت لتؤدي دور الأم الحنونة في Father of the Bride (1991) وFather of the Bride Part II (1995)، مجسدة الدفء والحنان في قالب كوميدي راقٍ.

أما في Something’s Gotta Give (2003)، فقدمت واحدة من أجمل أدوارها الناضجة، التي رُشحت عنها مجددًا للأوسكار، مبرهنة أن الكوميديا الرومانسية ليست حكرًا على الشباب، بل يمكن أن تُروى أيضًا من منظور النضج الإنساني.

التحليق مع “The First Wives Club” وبناء صورة نسائية مقاومة

في عام 1996، شاركت كيتون إلى جانب غولدي هون وبيت ميدلر في الكوميديا الشهيرة The First Wives Club، حيث لعبت دور امرأة تخوض رحلة انتقام أنيقة بعد خيانة زوجها. هذا الفيلم رسّخ صورتها كوجه نسائي مقاوم للخذلان، واحتفى بروح التضامن النسوي بأسلوب ساخر ومرح. المشهد الختامي، حيث تغني النجمات أغنية You Don’t Own Me، أصبح رمزًا للتحرر من القيود الاجتماعية.

لاحقًا، شاركت في أعمال متنوعة مثل The Family Stone، وBook Club وسلسلته، وPoms، إلى جانب ظهورها في مسلسل The Young Pope (2016) بدور راهبة صارمة. كما أخرجت عدة أعمال منها الوثائقي Heaven (1987) وفيلم Hanging Up (2000).

وفي عام 2021، فاجأت جمهورها بظهورها في فيديو كليب جاستن بيبر لأغنية Ghost، لتثبت مرة أخرى قدرتها على التواصل مع أجيال جديدة دون فقدان روحها الأصيلة.

الجوائز والتكريمات: تتويج الأسطورة وإنصاف المسيرة

فوزها بجائزة الأوسكار عن Annie Hall كان ذروة تألقها، لكنه لم يكن الوحيد. فقد رُشحت كيتون لأربع جوائز أوسكار عن أدوارها في Reds (1981)، Marvin’s Room (1996)، وSomething’s Gotta Give (2003). كما نالت جائزة جولدن جلوب عن Annie Hall وترشيحات متعددة عن أفلامها الأخرى.

وفي عام 2017، كُرّمت من معهد الفيلم الأمريكي (AFI) بجائزة الإنجاز مدى الحياة، تقديرًا لمسيرتها التي كسرت الحدود بين الكوميديا والدراما، بين الخفة والعمق، وبين الواقعية والأسلوبية.

إرث خالد: ديان كيتون كصوتٍ أنثوي أعاد تشكيل وعي هوليوود

تجاوزت ديان كيتون فكرة “النجمة” إلى أن أصبحت رمزًا للحرية الإبداعية والصدق الفني. من كاي آدامز الممزقة بين الحب والواجب، إلى آني هول المتحررة من القوالب، إلى الأم المعاصرة التي تواجه العالم بابتسامة — جسّدت المرأة بكل أطيافها، الهشة والقوية، الجادة والساخرة، المأساوية والمشرقة.

لقد غيّرت كيتون الطريقة التي ترى بها هوليوود المرأة على الشاشة، وأثبتت أن الأصالة والذكاء يمكن أن يصنعا نجومية خالدة لا تحتاج إلى صخب. رحيلها ترك فراغًا في السينما، لكنه أيضًا خلّد إرثها كفنانة آمنت بأن التمثيل ليس مهنة فحسب، بل فنّ للبقاء الإنساني في وجه الزمن.

لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا «إنستغرام سيدتي»

وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا «تيك توك سيدتي»

ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» «سيدتي فن».