عازفة البيانو القطرية هالة العمادي: أعبر عن نفسي بالألحان
تعدُّ هالة العمادي أول امرأةٍ قطريةٍ تمتهن الموسيقى، وتعزف على البيانو، بل واستطاعت كذلك الحصول على المركز الأول في مسابقةٍ فنيةٍ، أقيمت في بلادها. دخلت المجال بالمصادفة، وتعمل حالياً مؤلِّفةً على الرغم من دراستها تخصُّصاً أبعد ما يكون عن العزف الموسيقي، وهو الهندسة. تؤكد دائماً أنها تعبِّر عن نفسها بالألحان، وتسعى إلى الوصول للعالمية وكتابة اسمها بأحرفٍ من ذهب في عالم الموسيقى، خاصةً بعد تقديمها مقطوعةً في مقر الأمم المتحدة. هالة العمادي، حلَّت ضيفةً على «سيدتي»، فأفردت أوراقها الموسيقية على صفحاتها، وسردت قصتها مع العزف على البيانو.
الموسيقى علَّمتني الصبر، والاهتمام بالتفاصيل، وجعلتني أشعر بالهدوء والسكينة
أنت أول قطريةٍ تمتهن العزف الموسيقي، لماذا اخترت المجال، وكيف تصفين تجربتكِ فيه؟
صحيح، أنا أول قطريةٍ تعزف الموسيقى، وتحديداً على البيانو، واخترت المجال بالصدفة، إذ تخرَّجت في كلية الهندسة، لكنني أحببت الموسيقى كثيراً بعد إحضار والدي بيانو إلى بيتنا بوصفه نوعاً من الديكور، حيث صرت أعزف عليه يومياً، فقرَّر والدي، بعد انبهاره بعزفي، تخصيص مدرّسٍ لي، يعلِّمني أساسيات الموسيقى، لكنني انقطعت عن هذه الهواية فترةً بسبب دراسة الهندسة، وعدت إليها مرةً أخرى، بل وقدَّمت امتحاناتٍ بريطانية في أساسيات العزف من المنزل في الدوحة، واجتزتها بفضل الله، ما حوَّل العزف إلى موضوعٍ جدي بالنسبة لي، لا سيما بعد أن تمّ تقديمي لعازفة البيانو العالمية سونيا بارك، وهي من أصلٍ كوري درست في فيينا، وتعيش في قطر، وتعمل مع أوركسترا قطر الفلهارمونية، وتدرِّس الموسيقى، إذ قامت بتعليمي وإدخالي عالم الموسيقى الكلاسيكية.
تحقق الحلم
هل راودكِ حلم العزف في طفولتكِ؟
نعم. في طفولتي، كنت أمثّل بأني أعزف على البيانو، وأقوم بتشغيل معزوفةٍ لعمر خيرت، وأتخيَّل نفسي أقدِّمها، والحمد لله تحقق الحلم بعد أن كبرت وصرت عازفة.
كيف تقبَّلكِ المجتمع بوصفكِ عازفةً في بداياتكِ، وهل اختلف الوضع الآن؟
بدأت مسيرتي عام 2017، وفزت بمسابقة قطر الوطنية، والتقيت العازفة سونيا بارك أيضاً، ولا أخفيكم، كان أمر دخولي المجال الموسيقي غريباً على مجتمعي، هم لم يرفضوه ولم يتقبَّلوه، كانت هناك علامات استفهامٍ فقط، فكما هو معروفٌ عدد النساء اللاتي يحترفن الموسيقى في الخليج قليلٌ جداً مقارنةً بالرجال، لأننا مجتمعٌ متحفِّظٌ، لكنَّ الوضع اختلف مع مرور الأعوام، فاليوم نجد أعداداً كبيرةً من العازفات والمطربات، ونلمس اهتماماً أكبر من قِبل الفتيات بالموسيقى، والفن بشكلٍ عام، وأصبحت هناك نقلةٌ نوعيةٌ في المجال الموسيقي، مع افتتاح معاهد ومراكز متخصِّصة في تعليم كل أنواع الموسيقى.
ماذا عن أسرتكِ، هل شجَّعتكِ على دخول المجال؟
في البداية، وجدت تحفُّظاً من قِبلهم، لكن والدتي سرعان ما دعمتني، بينما دفع والدي، الذي أحضر البيانو، أجر الحصص الموسيقية التي أخذتها. اليوم أسرتي وكل مَن حولي يفتخرون بالإنجازات التي أحققها، خاصةً بعد أن أثبت نفسي، وحصلت على شهادةٍ موسيقية.
ما الصعوبات التي واجهتكِ خلال مسيرتكِ الموسيقية؟
عانيت من صعوباتٍ كثيرة، منها عدم وجود فرص عملٍ في الموسيقى. نعم توجد لدينا أكاديميةٌ لتعليم الموسيقى في قطر، لكني لم أستطع الدراسة فيها، كما أن أسرتي رفضت أن أدرس خارج وطني، وحتى عندما قررت ترك مجال الهندسة، واحتراف الموسيقى، وعدَّها مهنةً لي، لم أحصل على ما خطَّطت له.
تختصين في الموسيقى الكلاسيكية، ماذا يعني لكِ هذا النوع من العزف؟
الموسيقى الكلاسيكية الأساسُ في العزف على البيانو. بدأت بها، وتعلَّمت قراءة وكتابة الموسيقى، وأحببتها كثيراً على الرغم من صعوبة تقديمها، وبعد أن أتقنت أساسياتها، أصبح لدي فضولٌ لتعلُّم المزيد، فاقتحمت مجال التأليف الموسيقي على البيانو والآلات الأخرى، وما زلت مستمرةً فيه.
هذه الموسيقى، هل هي حكرٌ على فئةٍ عمريةٍ معينة؟
كلا، بل تناسب جميع الفئات العمرية، والكل يحبها، ويستمع إليها، خاصةً المقطوعات الموسيقية الكلاسيكية المعروفة، مثل مقطوعات بيتهوفن.
ما سرُّ انتشار الموسيقى الكلاسيكية عالمياً؟
هي ببساطة موسيقى عالمية، تنتشر في كل الدول، وليست حكراً على بلدٍ معيَّن. الموسيقى العربية، على سبيل المثال، لا نجدها إلا في العالم العربي، عكس الموسيقى الكلاسيكية التي يعزفها الموسيقيون في كل أنحاء العالم، ونظراً لصعوبتها، يشتهر العازفون الذين يؤدونها بإتقانٍ على الصعيد الدولي.
نفترح تابعي معنا تفاصيل لقاء سابق مع الممثلة مريم الخشت: أنا مولعة بالمسلسلات القصيرة
البيانو صديقي المفضَّل
ما التحديات التي تواجه هذه الموسيقى؟
التحديات تكمن في صعوبة هذا النوع من الموسيقى، فهي معقدةٌ، لكنها في المقابل دائمة التطور، وتعبِّر عن مشاعر كثيرة في نفوسنا، ومن جهتي طوَّرت الموسيقى الكلاسيكية من شعوري الفني، وجعلتني أتعلَّق بهذا المجال.
ما مدى علاقتكِ بالبيانو؟
أعدُّ البيانو صديقي المفضَّل، ونشكِّل سوياً فريقاً متكاملاً، ودونه أشعر بالضياع، وأحتاجه معي في كل وقتٍ، حينما أكون حزينةً أو سعيدةً، ويؤلمني كثيراً عدم قدرتي على أخذه معي إلى كل مكانٍ، عكس الحال مع أغلب الآلات الموسيقية الأخرى.
ما الذي دفعكِ لاختيار العزف على هذه الآلة مهنةً رئيسةً لكِ؟
حبي للبيانو، واستمتاعي بالعزف عليه على الرغم من المجهود الكبير الذي أبذله. لو عملت في مكتبٍ بمهنةٍ أخرى، لن أشعر بالسعادة التي تنتابني عند العزف على البيانو. بعزفي أصل بمشاعري إلى الناس، فإذا كنت حزينةً فسيشعرون بحزني، وإذا كنت سعيدةً، فسيفرحون معي.
اليوم، هل تعدِّين نفسكِ مؤلفةً؟
نعم، فقد درست الموسيقى الكلاسيكية، وألَّفت الكثير من المقطوعات.
كم معزوفةً استطعت إتقانها حتى الآن؟
من الصعب تحديد المعزوفات التي أتقنتها، نظراً لكثرتها. هناك معزوفاتٌ أدَّيتها أثناء الامتحانات، وفي العام الجاري أدرس الدبلوم الموسيقي، وسأعزف خمس مقطوعاتٍ أو أكثر خلاله.
عمر خيرت ألهمني
مَن عازف البيانو المفضَّل لديكِ؟
المؤلِّف الموسيقي وعازف البيانو الذي ألهمني، هو عمر خيرت، إضافةً إلى العازف الصيني لانج لانج، والعازفة الأرجنتينية مارثا آرجريتش.
كم المدة التي تستغرقينها لتعلُّم أي معزوفةٍ جديدةٍ؟
بحسب المعزوفة، هل هي صعبة أم بسيطة. بعضها يأخذ مني عاماً، وأخرى أتقنها في أسبوعٍ، لكن لدي ميزة التعلُّم بسرعة والحمد لله.
ما النصائح التي توجِّهينها لمَن يرغب في العزف على البيانو؟
أنصحه بالتدرُّب المستمر، واختيار نوع الموسيقى التي يحبُّها، والعزف يومياً.
هل تحرصين على تطوير موهبتكِ الموسيقية بالدراسة؟
نعم، فقد درست أساسيات الموسيقى في بريطانيا، وكنت أعزف وأقدِّم الامتحانات فيها، وحصلت على عديدٍ من الشهادات الموسيقية منها.
هل تشجِّعين الفتيات القطريات على اقتحام عالم الموسيقى؟
بالتأكيد، خاصةً أن لدينا نقصاً في العنصر النسائي بالمجال الموسيقي في قطر، كما أن الدولة تشجِّعنا وتقدِّم لنا فرصاً كثيرة لتعلُّم الموسيقى، لذا أشجِّع الفتيات على اقتحام هذا العالم، وأتمنى أن أصبح مثلاً أعلى لهن لدخوله، وليس شرطاً أن تصبح الموسيقى مهنةً، فهي تعين على تهذيب النفس، والابتعاد عن التوتر، والشعور بالراحة.
تعلُّم العزف على البيانو، ماذا أضاف لشخصيتكِ؟
الموسيقى علَّمتني الصبر، والاهتمام بالتفاصيل، وجعلتني أشعر بالهدوء والسكينة.
كيف تصفين عزفكِ موسيقى السلام في مقر الأمم المتحدة؟
استُضيفت دولة قطر في «يوم الأمم المتحدة» السنوي، وكنا أول دولةٍ عربيةٍ يتمُّ اختيارها في هذه المناسبة، وطُلِبَ مني المشاركة فيها، وكانت هذه مشاركتي الأولى خارج بلدي، وفي حدثٍ عالمي كبيرٍ، أفتخر به. هيبة المكان وطريقة التحضير، غيَّرتا شخصيتي كثيراً، وأوصلت صوتي بالبيانو للعالم أجمع.
شاركتِ عزفاً الفنانة أصيل هميم والفنان ناصر الكبيسي في أغنية «امضِ بلادي»، كيف وجدتِ التجربة؟
تجربةٌ جميلةٌ، خاصةً أن هذه المرة الأولى التي أعزف فيها مع فنانين، وتحديداً في النسخة الأولى لـ «ليلة الأغنية القطرية». انتابني شعورٌ جميلٌ وأنا أعزف ألحان أغنيةٍ وطنيةٍ قطريةٍ قريبةٍ من الشعب، وأشكر أصيل وناصر، اللذين يمتلكان صوتاً جميلاً، على تعاونهما معي.
ومن عالم الفن نقترح عليك لقاء مع التشكيلية القطرية هنادي الدرويش: نحتفل هذا العام باليوم الوطني بشكل خاص
الموسيقى حياتي كلها
فزتِ بالمركز الأول في مسابقة قطر الوطنية للموسيقى، هل توقَّعتِ ذلك؟
كنت في بداياتي وقتها، وأعاني من ضغطٍ كبيرٍ لدخولي المجال، وكان فوزي سيمنحني الاستمرار فيه، وسيسهم في تقبُّل مجتمعي وأسرتي لي، لذا حضَّرت للمسابقة جيداً، وتعاطيت مع الموضوع بشكلٍ جدي، ولا أخفيكم شعرت برهبةٍ وأنا أعزف على مسرحٍ كبيرٍ، وخشيت من الفشل وترك الموسيقى، لكنني تماسكت، والحمد لله قدَّمت شيئاً أسعد الحضور، ومنحني الجائزة.
ما مدى الاهتمام بالموسيقى في قطر؟
الساحة الفنية في قطر تزخر بالمواهب الموسيقية، لكن هناك قلةٌ في عدد الموسيقيين المتخصِّصين في «الكلاسيك»، وهذا أمرٌ محزنٌ، وبإذن الله يتغيَّر الوضع في المستقبل، خاصةً مع الاهتمام الواضح من الجهات الحكومية بالموسيقى في الأعوام الخمسة الماضية، ودعم الموسيقيين، وفتح الباب للجميع لدخول المجال، ما أسهم في بروز عديدٍ من المواهب الموسيقية القطرية، ومشاركتهم في محافل عالمية منها مونديال 2022.
كيف تدعمين العازفات القطريات؟
أتمنى دعمهن، لكن إلى الآن لم تلجأ إليَّ أي موهبةٍ شابةٍ، وتطلب مني مساعدتها في احتراف الموسيقى.
ماذا تعني لكِ الموسيقى؟
الموسيقى بالنسبة لي، هي حياتي كلها، فلا يمرُّ يومٌ من دون أن أسمعها، أو أعزفها.
البيانو حلم طفولتي وأفتخر بالعزف في مقر الأمم المتحدة وأعمل على تقديم مقطوعاتٍ من تأليفي خلال الفترة المقبلة
إنجازاتٌ كثيرة
في المجال، ما أبرز إنجازاتكِ التي تفتخرين بها؟
لديّ إنجازاتٌ كثيرة، في مقدمتها العزف في فعاليات الأمم المتحدة، وتأليف موسيقى لعرض أزياءٍ فرنسي، أقيم في ملعبٍ بقطر، وشاركت وغنَّت فيه الفنانة القطرية دانا.
أين ستكون وجهتكِ الموسيقية المقبلة؟
إضافةً إلى تقديمي الدبلوم، وإنهاء دراستي في الموسيقى الكلاسيكية، سأهتمُّ أكثر بالتأليف، إذ أعمل على تقديم مقطوعاتٍ من تأليفي خلال الفترة المقبلة.
ما رسالتكِ لمحبي الفن في قطر؟
أتمنَّى أن يفتخروا بي، ويشجِّعوني ويساندوني في أي طريقٍ أختاره بعالم الموسيقى.
هل يرتبط حلمكِ بهوايتكِ؟
نعم، فأنا أحلم بأن أعزف مع الأوركسترا، وسيكون ذلك إنجازاً لنفسي ووطني بأن أصبح عازفةً للموسيقى الكلاسيكية في الأوركسترا القطرية.
بعيداً عن الفن، ما هواياتكِ اليومية؟
أحبُّ ممارسة لعبة التنس، وأعشق القراءة.
ما مشروعاتكِ المقبلة؟
العمل على التأليف الموسيقي، ودراسة الدبلوم، ولدي مخططٌ بنهاية العام مع أوركسترا قطر الفلهارمونية، وتقديم مؤلَّفاتٍ مع استديوهات كتارا.
نقترح عليك قراءة اللقاء الخاص مع القطرية أمل عبد الملك الحمادي: كلما تحرر الكاتب من الالتزام الوظيفي أبدع أكثر