فنون

لماذا يُعد فيلم ضد السينما مرافعة ثقافية من قلب المجتمع السعودي؟


الشيماء أحمد فاروق


نشر في:
الثلاثاء 25 نوفمبر 2025 – 11:36 ص
| آخر تحديث:
الثلاثاء 25 نوفمبر 2025 – 11:36 ص

طرح فيلم ضد السينما رؤية عميقة عن علاقة الناس بالسينما في المملكة العربية السعودية، في قالب تسجيلي بُني على الأرشيف والمقابلات والبحث والتدقيق في الكتب والمخطوطات، فضلًا عن فتح الفيلم نافذة للجمهور على بيئة كانت منغلقة لسنوات.

وحصد الفيلم السعودي ضد السينما، للمؤلف والمخرج علي سعيد، جائزة لجنة التحكيم الخاصة “جائزة صلاح أبو سيف”، في عرضه العالمي الأول بمسابقة آفاق السينما العربية للأفلام الطويلة، ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

ويروي الفيلم حكاية نشأة وتطور السينما السعودية، وعروضها على مدار التاريخ، عبر تتبّع جيل أطفال الثمانينات الذي أحب السينما رغم غياب صالات العرض عن جميع ضواحي المملكة.

كما يكشف ملامح الحياة السينمائية قبل عام 1979، مستقصيًا بدايات العروض ومحاولات الإنتاج الأولى، من خلال شهادات رواد السينمائيين السعوديين وغيرهم ممن حاولوا المساهمة في مشهد سينمائي يقاوم التطرف، في رحلة بحثية امتدت خمس سنوات حتى خرج الفيلم للنور.

واختار المخرج علي سعيد، أن يكون فيلمه مخلصًا للنوع السينمائي الذي ينتمي له، وهو القالب التسجيلي، ووظّف كل سمات هذا النوع للخروج بفيلم طويل نسبيًا (118 دقيقة تقريبًا)، لكنه رُسمت خطوطه بأسلوب متقن يقف حائلًا أمام الإصابة بالملل.

وطبّق المخرج سمات الفيلم التسجيلي بوعي بصري وسردي واضح، مستثمرًا أدوات هذا النوع دون الوقوع في فخ التكرار أو الملل، واعتمد الفيلم على الأرشيف كمحرّك سردي أساسي، لا كعنصر توثيقي وحيد؛ إذ تحوّلت الوثائق والصور والمواد النادرة إلى جزء من الحكاية نفسها، تُدار داخل الإيقاع ولا تُستخدم كفواصل تفسيرية.

كما جاءت المقابلات بوصفها شهادات حيّة تحمل ملامح أصحابها، تُضيء تفاصيل كانت ستغيب لو تُركت للأرشيف وحده، فبدت كامتداد طبيعي لذاكرة المكان وزمنه.

ولم يتنازل المخرج علي سعيد، عن الروح البحثية التي تأسّس عليها المشروع – وتظهر روحه الصحفية في الحكاية – وقد أخفى جفاف البحث داخل بناء بصري سلس، يسمح للمعلومة بأن تتسلل دون صخب.

وكان يظهر صوته كمخرج بين الحين والآخر للتعليق أو لدمج الحكايات الذاتية بالحكاية الكبرى، لكنه حافظ أيضًا على توازن دقيق بين الذاتية والموضوعية، بين حنين جيل الثمانينات ومحاولة قراءة تاريخية أوسع للسياق الثقافي والاجتماعي.

وجاء المونتاج ليشكّل هذا التوازن، عبر انتقالات محسوبة تربط بين الماضي والحاضر، وبين الحكايات الفردية والمشهد العام، ما حافظ على إيقاع ثابت رغم الامتداد الزمني الطويل للفيلم.

ويُحسب للفيلم قدرته على تحويل المادة الأرشيفية – التي قد تبدو جافة أو تقنية – إلى نبض حي يضيء ذاكرة مجتمع بأكمله، إذ لا يتعامل “ضد السينما” مع التاريخ بوصفه سجلًا للأحداث فحسب، بل بوصفه مساحة لاستعادة المزاج الثقافي والوجداني لجيل كامل.

وتظهر المقابلات هنا كامتداد طبيعي للأرشيف، لا كتعليق عليه؛ فكل شهادة تبدو جزءًا من نسيج يحاول أن يفهم لماذا أُغلقت الأبواب ذات يوم، وكيف أُعيد فتحها بعد عقود.

الجاذب في هذا الفيلم أيضًا ليس الأسلوب التسجيلي فقط، وإنما كونه عينًا جديدة تأخذنا لكي نستكشف المجتمع السعودي وما مرّ به، وكيف كانت السينما في لحظات زمنية ليست مجرد ممارسة اجتماعية ثقافية ترفيهية، بل ذاكرة مُصادرة، وهذا جديد على المشاهد مما يجعل الفيلم جاذبًا.

وتعتبر الكاميرا في الفيلم شاهدًا على استعادة الحق في الحكي، إذ يستخدم علي سعيد حركة محسوبة ولغة بصرية هادئة تسمح للنصوص والوثائق بأن تتصدر المشهد دون افتعال.

وبينما يمتد الفيلم عبر جغرافيا واسعة من المواقع والشهادات، يظل محكم البناء، يتحرك بخيط سردي واضح: كيف حاربت السينما الظلام، وكيف استعاد السعوديون علاقتهم بها كفعل مقاومة ثقافية قبل أن تكون مجرد صناعة.

ويمكن وصف الفيلم في هذه الحالة بأنه مرافعة ثقافية، عن حق مجتمع كامل في التخيّل وفي ممارسة الترفيه والثقافة، ليصبح “ضد السينما” فيلمًا عن السينما، لكنه أيضًا فيلم عن الناس، وعن الذاكرة، وعن المقاومة؛ المقاومة التي تبرز في كافة تفاصيل الفيلم العامة والذاتية، من خلال شرائط الفيديو المسرَّبة لمشاهدة أفلام بروس لي، ومقاهي مشاهدة الأفلام في الساحات بعيدًا عن عيون الهيئات التي تحرّم السينما، ومحاولات افتتاح صالات سينما وإقامة مهرجانات رغم كل التضييق والمنع والقلق والخوف.