مقالات

مصممة الديكور العراقية البريطانية نور شرشفجي: أنا عربية وفخورة بجذوري

في كلِّ أصقاعِ العالم، يحملُ المبدعون العرب أصالتَهم وتراثَهم وثقافتَهم الغنيَّة، وينثرون الجمالَ هنا وهناك. يثابرون، يجتهدون، ويتحدُّون ذاتهم ومحيطهم إلى أن تثمرَ مساعيهم، ويحتفي بهم العالمُ مصدراً للإلهام والتميُّز. في هذا السياقِ، تمكَّنت مصمِّمةُ الديكورِ العراقيَّة البريطانيَّة نور شرشفجي من أن تضعَ بصمتها المميَّزة في قطاعٍ مزدحمٍ ومليءٍ بالتحدِّيات، ليلمعَ اسمُها مبدعةً استثنائيَّةً، وصاحبةَ قِصَّةِ نجاحٍ لم تحدها حدودٌ، ولم تكسرها صعوباتٌ أو قيودٌ. في هذا الحوارِ، تدخلُ «سيدتي» عالمَ المؤسِّسة والرئيسةِ التنفيذيَّةِ لشركةِ «سيلين للتصميم الداخلي»، نور شرشفجي، وتسألُها عن سرِّ نجاحاتها، ومنها أخيراً نيلُ جائزةِ «أفضل مصمِّمٍ في بريطانيا» بعد نحو 15 عاماً على إطلاقِ أوَّلِ فروعِ شركتها.

حوار: عبير بو حمدان 

نكهة إبداعية شرق أوسطية أبهرت العالم

من تصميم المصممة نور شرشفجي

من الشرقِ الأوسط إلى العالم، حملتِ هذا التراثَ الثقافي، وأضفيتِ عليه نكهةً إبداعيَّةً، أبهرتِ بها الجميع، كيف؟

بالنسبةِ لي، تراثي الشرق أوسطي، ليس شيئاً أحافظُ عليه، وإنما عنصرُ حياةٍ. أنا أتنفَّسُ من خلاله، وأدمجه في كلِّ جانبٍ من جوانب عملي، فلا يمكنني النظرُ لعظمةِ العمارةِ العربيَّة، والتناسقِ الشعري، والتفاصيلِ الراقية، وكأنَّها لمساتٌ عابرةٌ، بل أعدُّها جزءاً لا يتجزَّأ من هويَّتي التصميمية. عليه، دوري الذي أحبُّ القيامَ به، هو بناءُ جسورٍ بين الشرقِ والغرب، بين التقليدِ والحداثة، بين التراثِ والابتكار، والمشروعاتُ التي أعملُ عليها غير محدودةِ اللغة، وجوهرها دائماً ما يكون عميقاً، ومقصوداً، ومتعدِّدَ المعاني.

من محاميةٍ سابقةٍ في مجالِ تمويلِ الطيران إلى الرئيسةِ التنفيذيَّةِ لشركة سيلين للتصميمِ الداخلي، حدِّثينا عن هذه الرحلةِ الجميلة؟

لا يمكنني أن أعدَّها رحلةً جميلةً، ولا رحلةً سهلةً. واجهنا عديداً من التحدِّيات، كما وحاول أشخاصٌ محاربتنا لمنعنا من النجاح! لذا أصبحت الرحلةُ، هي ما أعيشُ من أجله، لأنها تطلَّبت مني الكثير. لطالما عرفتُ أنني سأحقِّقُ أشياءَ كثيرةً، فعقلي يحاولُ باستمرارٍ إيجادَ طرقٍ جديدةٍ للنجاح، وهناك كثيرٌ من الأمورِ التي أحبُّها في العالم لدرجةِ أنني لا أستطيع التمسُّك بشيءٍ واحدٍ.
لا أؤمنُ بمبدأ النجاحِ في شيءٍ واحدٍ فقط، وأعتقدُ أن الحياة، تقومُ على الحركةِ المستمرِّة، وليس الجمود. في النهايةِ الشخصُ الذي لا يتحرَّك، هو «شخصٌ ميِّتٌ»، أمَّا أنا فأريدُ الحياةَ بكلِّ زخمها، وأن أعيشَ التجاربَ المفيدة، وأن أتحسَّن، وأنمو بشكلٍ دائمٍ، فالخمولُ لم يكن يوماً كلمةً، أو مفهوماً في قاموسي، ولا أستمتعُ به.

أسَّستُ شركةَ سيلين قبل نحو 15 عاماً دون مستثمرين، ودون خارطةِ طريقٍ، بل برؤيةٍ طموحةٍ فقط، وفخورةٌ جداً لأن الشركة، أنجزت لليوم 134 مشروعاً عالمياً بقيمةٍ، تزيدُ عن 870 مليون جنيه إسترليني. لقد تمكَّنا من افتتاحِ مكتبَين، أحدهما في بريطانيا، والآخرُ في الشرقِ الأوسط، والثالثُ قادمٌ بإذن الله، وبدأنا بالتوسُّعِ في مجالِ التصاميمِ الداخليَّةِ التجاريَّة، وأصبحنا أخيراً من أفضل فرقِ العملِ في القطاع. لدينا إعلانٌ آخرُ مهمٌّ جداً، لا أستطيع التحدُّث عنه الآن، لكنَّه قريبُ التحقيق، كذلك سأطلقُ دورةَ إتقانِ التصميمِ الداخلي التي عملت عليها لأعوامٍ من أجل تمكين الجميع، سواء المصمِّمين، أو غير المصمِّمين، من تصميمِ منازلهم بأنفسهم، لذا يمكنني القولُ: إن مسارَ النموِّ والتطوُّر، كان مذهلاً جداً بفعل المسؤوليَّةِ التي ننفردُ بها.

مشروعاتكِ اليوم تتوسَّعُ حول العالم، خاصَّةً في منطقةِ الخليج، ما الذي يُضيفه هذا إلى تقدُّم الشركة؟

أنا عربيَّةٌ، وفخورةٌ بجذوري، لذا يحملُ الأمرُ طابعاً شخصياً بالنسبةِ لي. كوني جزءاً من منطقتي هذا أمرٌ يُشعرني بالتواضعِ والإلهام، ثم إن العالمَ العربي، يُمثِّل وجهةَ نجاحٍ رئيسةً عبر التاريخِ وفي الوقتِ الحاضر.

ومن عالم الديكور نقترح عليك لقاء مع المصممة السورية ميريام هلال

من تصميم المصممة نور شرشفجي

أدوات الإلهام

من تصميم المصممة نور شرشفجي

من أقوالكِ: «لو كنت أعرفُ مدى صعوبةِ الجانبِ التجاري، لتردَّدتُ». هل كانت التحدِّياتُ كبيرةً إلى هذه الدرجة؟

كانت هائلةً. أنا لا أصمِّمُ فقط، بل وأديرُ أيضاً فرقاً، وعملياتٍ، وأموراً قانونيَّةً ولوجستيَّةً، وتوقُّعاتِ عملاءٍ مستحيلةً. تعلَّمت من هذه الرحلةِ القيادةَ دون أن أفقدَ ذاتي، وهذا كان مهماً جداً. واجهتُ أعواماً، حملتُ فيها أعباءً كبيرةً في العملِ بالتزامنِ مع دوري بوصفي أماً، تربِّي ثلاثةَ أطفالٍ، مع ذلك لم أخشَ يوماً الصعوبات، ما أخشاه فعلاً، هو الرتابة، لذا أصبحت تلك التحدِّياتُ أدواتي الملهمةَ للنجاح.

ما مصادرُ إلهامكِ الرئيسةُ، وهل الشغفُ بمجالِ العمل كافٍ للنجاحِ والتطوُّرِ فيه؟

العالمُ بأسره يُلهمني بكلِّ ما فيه، وبمدى روعته وجماله. بالنسبةِ إلى الشغف، لا أرى أنه يكفي في أي شيءٍ حتى في العلاقات، إذ لا يوجدُ مجالٌ، يتطلَّبُ مكوِّناً واحداً فقط. النجاحُ، يتطلَّبُ شجاعةً، ودافعاً قوياً، وفهماً لحدودك، ثم تحدِّيها، وإعادةِ تدريبِ عقلك على فهمِ أن العالم، يمكن أن يكون كبيراً بما يكفي لينجحَ فيه الجميع، كما قد يكون صغيراً بما يكفي بحيث لو اخترت البقاء بعيداً عن الأنظار، يمكنك ذلك.

إذاً كيف يمكنكِ أن تُلخِّصي لنا أسرارَ نجاحكِ؟

ليس لدي سرٌّ واحدٌ للنجاح، لكنْ أكثر ما نجحتُ فيه، هو تركيزي على تطويرِ نفسي لأكون شخصاً، يستحقُّ هذا النجاح.

“تصاميمي جسر بين الشرق والغرب”

من تصميم المصممة نور شرشفجي

إحداث تأثير إيجابي

من تصميم المصممة نور شرشفجي

تقولين أيضاً: «أنا شغوفةٌ بإحداثِ فرقٍ في حياةِ الآخرين». هل يتحقَّقُ ذلك من خلال التصميم؟

لا أعتقدُ أننا موجودون على هذا الكوكبِ لنهتمَّ بأنفسنا فقط. أنا مسلمةٌ، وديني يُعلِّمني العطاءَ والاهتمام، وكلّ يومٍ في كلِّ صلاةٍ، أدعو الله أن أقومُ بذلك على أفضل وجهٍ. لن أنسبَ لنفسي الفضلَ في إحداثِ فرقٍ في حياةِ شخصٍ ما، فهذا كلّه من عند الله، لكنَّني محظوظةٌ بحصولي أحياناً على فرصةِ مساعدةِ بعض الناس، إن كان بسببِ اهتمامي بالمساعدةِ، أو لأنني حظيتُ بقدرٍ من النجاحِ المالي. أهتمُّ بالناس اهتماماً عميقاً، وهذه فلسفةٌ، أفتخرُ بها، وآملُ أن أُمنح الشجاعةَ والفرصةَ لاستخدامِ هذا الاهتمامِ لإحداثِ تأثيرٍ إيجابي.

مع استلهامها من مشهدِ التصميمِ العالمي الأوسع، كيف تحافظُ شركةُ سيلين للتصميم على هويَّتها الفريدة؟

لدينا فهمٌ عميقٌ لهويَّتنا، فنحن شركةٌ، تحرصُ على التميُّزِ الدائم، وتُركِّز على التأثيرِ في حياةِ الناس من خلال التصميمِ ومعاييرِ التميُّزِ في كلِّ ما نقوله ونفعله. هذا لا يعني أننا لا نرتكبُ الأخطاء، بل نتعلَّمُ منها بكلِّ فخرٍ، ونضعُ أنظمةً، تضمنُ لنا تقريباً عدم تكرارها.

يبدو أن كلَّ هذا الجهد، كان مثمراً، إذ إن «سيلين» اليوم، باتت شركةَ تصميمٍ داخلي ناجحةً بدليلِ حصولها على جوائزَ عدة، ما الذي يعنيه ذلك؟

هذا يعني أنني التزمتُ بالمسارِ الذي حلمتُ به، إذ أسَّستُ هذه الشركةَ من الصفر، وقدَّمتُ مشروعاً تلو الآخر، ورفضتُ المساسَ بالمعاييرِ الأساسيَّة، بل على العكس، رفعتُها إلى مستوى أعلى مما كنت أتخيَّله. أعتقدُ أن هذا علَّمني أيضاً أن حواجزَ النجاح، هي حواجزُ ذاتيَّةٌ، لذا أدرك أنه لا توجدُ حدودٌ، ولا توجدُ قيودٌ فكلُّ شيءٍ يعتمدُ على ما أسمحُ لعقلي بأن يأخذني إليه. كلُّ ما تعلَّمته سأنقله من خلال الدورةِ التدريبيَّةِ الرئيسةِ الفريدةِ من نوعها في مجالِ التصميم «إتقانُ التصميمِ الداخلي» التي سنطلقها العامَ الجاري، وقد عملتُ عليها شخصياً، وهي دورةٌ احترافيَّةٌ، ستُقدِّم معلوماتٍ صادقةً وواقعيَّةً.

أشخاصٌ، وجهاتٌ كثيرةٌ، حاولوا استغلالَ فكرتنا حتى إنهم استخدموا الاسمَ نفسه، وأنا فخورةٌ بذلك حقاً، لأنه يُظهِرُ شيئاً بالغ الأهميَّةِ حول ما نقومُ به، إذ يؤكِّدُ أننا روَّادٌ في القطاع، ولا أقولُ ذلك بدافعِ الغرور، فالغرورُ لا مكانَ له في عالمي، لكنَّني أقوله لأننا تعلَّمنا أخيراً أن المنافسةَ مع الآخرين رائعةٌ، نعم، لكن حين تتنافسُ مع نفسك، فأنتَ تُحفِّز الآخرين على رفعِ معاييرهم، وهذا أمرٌ جيِّدٌ للتصميمِ عالمياً. سأستخدمُ دورةَ «إتقان التصميمِ الداخلي» بوصفها مثالاً رائعاً على ما سمحَ لي به نجاحي في العمل، فلم يعد هناك خوفٌ، وإنما دافعٌ للمضي قُدماً مع كلِّ فرصةٍ.

كلُّ الأوسمةِ والجوائز من جائزةِ العقارِ الدوليَّة إلى جائزةِ مصمِّم العام، هي تكريمٌ لانضباطنا ومثابرتنا، ومهمَّةٌ جداً، لكنْ الأهمُّ منها معرفتُنا بأننا نُحدِثُ تأثيراً حقيقياً من خلال تقدُّمنا ونموِّنا، وهذا أمرٌ رائعٌ، نحمدُ الله عليه دائماً.

هل تخيَّلتِ نفسكِ يوماً «مصمِّمَ العام» في بريطانيا؟

تخيَّلتُ دوماً أنني سأحقِّقُ إنجازاتٍ مهمَّةً، وقد حصلَ ذلك بالفعل، والتقديرُ يأتي بوصفه نتيجةً للعملِ الدؤوبِ والعزيمة، لكنَّني أعرفُ أيضاً أن التقديرَ قد لا يحضرُ أحياناً على الرغمِ من التميُّز. أنا فخورةٌ بكلِّ ما فعلناه، فخورةٌ بالعملِ لساعاتٍ متأخرةٍ من الليل، والعودةِ إلى منازلنا مُتعَبين، والمحادثاتِ، والاتصالاتِ، والصداقاتِ، والاستراتيجيَّاتِ، والعمليَّاتِ، والنتائجِ الجميلةِ للعمل، والتأثيرِ في حياةِ الناس. لم أسعَ يوماً للحصولِ على أي لقبٍ، لكنْ إذا ساعدَ هذا اللقبُ في تسليطِ الضوءِ على التزامنا بالتأثيرِ، والحِرفيَّةِ، وجودةِ الخدمةِ والمضمون، فإن الشركةَ ستحملُه بكلِّ فخرٍ كما سأفعلُ أنا وفريقي.

يمكنك أيضًا التعرف على المصممة الفرنسية ليزا أليجرا

من تصميم المصممة نور شرشفجي

الأجمل والأصعب

من تصميم المصممة نور شرشفجي

ما نصائحُكِ التصميميَّةُ لمنزلٍ يبدو متناغماً ومريحاً وجميلاً في آنٍ واحدٍ؟

أقولُ لصاحبِ المنزل: افعل ذلك على طريقتك، وتعلَّم القواعد، وهو ما نُقدِّمه في دورةِ «إتقان التصميمِ الداخلي»، كذلك تعلَّم كسرَ القواعدِ المعتادة، ثم استمتع بالتميُّز.

هل يمكنكِ أن تُحدِّدي لنا أجملَ مشروعٍ، وأصعبَ مشروعِ قدَّمتِه؟

مشروعاتي كلّها بالنسبةِ إلي الأجملُ والأصعبُ في آنٍ واحدٍ.

أدوارٌ عدة تقومين بها: أمٌّ، زوجةٌ، مُبدعةٌ وسيِّدةُ أعمالٍ، كيف تُنظِّمين كلَّ هذه الأدوار؟

كوني أماً، هو دورٌ، لا يتنافسُ مع أي دورٍ آخر، بل هو شخصيَّتي، وكما أتأقلمُ مع ذاتي، أتأقلمُ مع أمومتي. إنه امتيازٌ وشرفٌ. كلُّ دورٍ آخر، أقومُ به، يُمثِّل حياتي بشكلٍ عامٍّ، ولا أحاولُ التوفيقَ بينها، أو موازنةَ الأمور، بل أبذلُ أقصى ما في وسعي، وأترك الحياةَ تسيرُ بشكلٍ تلقائي، وكلَّما بذلتُ جهداً أكبر، ازدادت طاقتي لتحقيقِ المزيد.

يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط

من تصميم المصممة نور شرشفجي
مصممة الديكور نور شرشفجي

*الصور من المصممة نور شرشفجي