مقالات

معرض يكرّم السريالية في الذكرى المئوية لنشأتها.. رحلة إلى قلب الخيال الجامح لتجربة فنية لا تفوّت

منذ نشأتها تقريباً، اكتسبت السريالية نطاقاً دولياً مذهلاً، فعبرت حدود الجغرافيا وتخطت سياقات الزمن، وأصبحت أسلوب حياة لكثير من الأدباء والمثقفين وحتى العامة، حيث أكدت على اللاوعي والأحلام على حساب المألوف واليومي. وفي ظل الاحتفال بالذكرى المئوية للحركة السريالية يستضيف مركز بومبيدو، باريس بفرنسا معقل السريالية وموطئ نشأتها الأولى، هذه الأيام، معرض استعادي يحتفي بأعمال كبار الفنانين والأدباء من رواد الحركة ومنشؤوها.

حركة فنية ثقافية بدأت مطلع القرن الماضي

بدأت النشأة الأولى للحركة السريالية مطلع القرن الماضي، فقد اندلعت كفكرة ثورية في باريس حوالي العام 1924، وتولدت عنها نصوصاً شعرية وفنون تشكيلية وحتى أعمال فكاهية في كثير من الأحيان، فقد تم تبنيها أيضاً كسلاح أكثر جدية في النضال من أجل الحرية السياسية والاجتماعية والشخصية، من قبل العديد من الفنانين والمثقفين في جميع أنحاء العالم، ولقد عُدت السريالية حركة تقدمية حديثة ذات دوافع مناهضة للاستعمار والظلم دعمت الحاجة الملحة لإعادة اكتشاف علاقة الإنسان بالكون والطبيعة، كما أنها وقفت في معارضة للحركات الطليعية الأخرى في ذلك العصر، والتي غالباً ما كانت تتشبث بالميكانيكية والتصنع كإحدى دلالات التقدم والحضارة وامتدت ما يقرب من ثمانية عقود من العمل المنتج في 45 دولة، لتنتشر وتتوغل داخل الأوساط الفنية والثقافية بدءاً من أوروبا الشرقية إلى منطقة البحر الكاريبي، وآسيا إلى شمال إفريقيا، وأستراليا إلى أمريكا اللاتينية، فقد كانت المعارض السريالية هي النجاحات الكبرى في عصرها، فقد اجتذبت الآلاف من المشاهدين وعبرت عن جيل زاد من إحباطه أفكار التقدم والحداثة وما نتج عنها من مادية مغرقة وقسوة مفرطة.. (وفقاً لموقع .theartnewspaper.com)

دعوة لاكتشاف الأعمال الأيقونية والكنوز الفنية التي شكلت تاريخ الفن الحديث

بحسب الموقع الرسمي للمعرض 100yearsofsurrealism-be، يدعو معرض “السريالية” الجمهور، في مركز بومبيدو، لرحلة إلى قلب الخيال الجامح ليتذوق سحر تجربة فنية لا يمكن تفويتها خلال الفترة من 4 سبتمبر 2024 الجاري إلى 13 يناير 2025 المقبل، مما يوفر للزوار فرصة نادرة للانغماس في عالم تتلاشى فيه الحدود ما بين الحلم والواقع، لاكتشاف الأعمال الأيقونية والكنوز الفنية التي شكلت تاريخ الفن الحديث، حيث تستقبل الزوار مجموعة رائعة من الأعمال الفنية التي توضح تنوع وعمق الحركة السريالية. من اللوحات الغرائبية إلى الرسومات المدهشة، والأفلام الساحرة إلى الصور الفوتوغرافية الجذابة، وتعرض كل قطعة ثراء وتعقيد الخيال السريالي.
وإذا تابعتِ السياق التالي ستعرفين: معرض «دالي، تاريخ الرسم» إحياءً لذكرى سلفادور دالي

معرض على شكل متاهة

تم تصميم معرض “السريالية” على شكل متاهة، وهو بمثابة غوص غير مسبوق في النشاط الإبداعي الاستثنائي للحركة السريالية، مع نشر البيان التأسيسي الأول لأندريه بريتون، “البيان السريالي”، المكتوب بخط اليد والذي نادراً ما يُرى، والذي يُعلن خروج الحركة للنور، وهو يوجد في قلب المعرض، في تكوين مجسم مركزي يضم المخطوطة الأصلية ويصاحب الوثيقة الفريدة عرض متعدد الوسائط، مما يوفر نظرة ثاقبة حول إنشائها ومعناها (عمل فريق أمناء المعرض مع معهد البحوث والتنسيق في الصوتيات والموسيقى، لإنشاء تسجيل لأندريه بريتون بواسطة الذكاء الاصطناعي وهو يقرؤه بصوت عالٍ.)
يضم المعرض الذي أشرف على تنظيمه ديدييه أوتينجر، مساعد مدير المتحف الوطني للفن الحديث، وماري ساري، أمينة قسم المجموعات الحديثة في مركز بومبيدو، لوحات ورسومات وأفلاماً وصوراً فوتوغرافية ووثائق أدبية، ويقدم أعمال الفنانين الرمزيين للحركة (سلفادور دالي، رينيه ماغريت، جورجيو دي كيريكو، ماكس إيرنست، جوان ميرو)، بالإضافة إلى أعمال السرياليات الإناث (بما في ذلك ليونورا كارينجتون، إيثيل كولكوهون، دورا مار).

احتفال حقيقي بالروح الإبداعية والجرأة الفنية

معرض “السريالية” هو احتفال حقيقي بالروح الإبداعية والجرأة الفنية التي ميزت هذه الحركة الثورية والتي امتدت لأربعة عقود من عام 1924 إلى وقت حلها الرسمي في عام 1969، كما أعلن المؤلف جان شوستر في صحيفة لوموند الفرنسية.
وبينما يستكشف الجمهور الفصول المختلفة للمعرض، سيكتشف التأثيرات الأدبية التي ألهمت السرياليين، والمبادئ الشعرية التي وجهت أعمالهم، والفنانين الكبار والشخصيات الأقل شهرة الذين ساهموا في تطويرها، فقد تم تنظيم المعرض زمنياً وموضوعياً، وتم تقسيمه إلى 14 قسماً ليستحضر الشخصيات الأدبية التي ألهمت الحركة (لوتريمونت، لويس كارول، ساد، إلخ) والمبادئ الشعرية التي نظمت صورها (الفنان كوسيلة، الأحلام، حجر الفلاسفة، الغابة، إلخ).
من اللوحات المعروضة بالمعرض لوحة دورا مار “بدون عنوان (صدفة اليد)” (1934)، ولوحة سلفادور دالي “الحلم الناجم عن طيران نحلة حول رمانة قبل ثانية من الاستيقاظ” (1944)، ولوحة رينيه ماغريت “إمبراطورية النور” (1954)، وفي المعرض كذلك أعمال لتاتسو إيكيدا (اليابان) وويلهلم فريدي (الدنمارك)، وروفينو تامايو (المكسيك).

كيف بدأت الحركة السريالية؟


قبل مائة عام، وفي شقة صغيرة في حي بوهيمي في باريس (بالعام 1924)، شرع طالب طب سابق، تحول إلى كاتب، في كتابة مقدمة كتابه الشعري Poisson Soluble، ولم يكن لديه أي نية لكتابة بيان بل كان لديه فقط بعض الأفكار التي تدعم إنشاء حركته الفنية، وفي تعريفه السريالية “مرة واحدة وإلى الأبد”. في بيانه السريالي الأول، دعا أندريه بريتون إلى نوع جديد من الفن والأدب يحركه اللاوعي، “لإملاء الفكر الخالي من أي سيطرة من جانب العقل، والمعفي من الانشغال الجمالي أو الأخلاقي”.
وبعيداً عن بيان إقرار السريالية “مرة واحدة وإلى الأبد”، كانت الوثيقة المكتوبة بخط اليد في صفحاتها الحادية والعشرين النحيلة، المليئة بالخدوش والملاحظات الملصقة، والتي أطلقت حركة لا تُنسى، نقطة انطلاق لحركة فنية غرائبية مترامية الأطراف من الأحلام اللامنطقية والأوهام الغامضة والمناظر الطبيعية المزعجة والمخلوقات الفضائية الخيالية والصور الصادمة والحيل البصرية المتقنة؛ حيث يُعتقد أن الحركة لم تختفِ أبداً فقد هدفت دائماً إلى تقويض المعايير الفنية التقليدية وخلق معايير إبداعية غير مطروقة.
تقول ماري ساري، أمينة المجموعات الحديثة في مركز بومبيدو لـ theguardian-com: “لم تكن السريالية شكلية، بل كانت مغامرة جماعية، فلسفية، امتدت 40 عاماً، وعلى الرغم من أنها تبدو أنها انتهت بالفعل، إلا أنها كانت نابضة بالحياة بشكل لا يصدق، وتعيد اختراع نفسها باستمرار”.
يُذكر أن المعرض المقام في باريس هو الثاني في سلسلة من خمسة معارض. وقد افتُتح المعرض من قبل في بروكسل وسينتقل إلى مدريد وهامبورغ وفيلادلفيا في عام 2025. ويقول المنظمون إنه أسلوب غير مسبوق لتنظيم المعارض: فبينما تظل بعض الأعمال والموضوعات ثابتة في كل مدينة، تتغير أعمال أخرى ويروي كل متحف قصته الخاصة.
وإذا رغبتِ في التعرف أكثر إلى الحركة السريالية تابعي الرابط: أسلوب ومميزات الفن السريالي