فنون

إهانة النساء تحت مظلة الكوميديا: لماذا تتمسك بعض الممثلات بالنمط نفسه؟




الشيماء أحمد فاروق



نشر في:
الجمعة 5 سبتمبر 2025 – 12:54 م
| آخر تحديث:
الجمعة 5 سبتمبر 2025 – 12:54 م

تشهد السينما المصرية في السنوات الأخيرة جدلاً متصاعدًا حول صورة المرأة في الأفلام الكوميدية، حيث تتحول الشخصيات النسائية غالبًا إلى أداة لإثارة الضحك عبر الإهانة المباشرة أو المقنّعة.

يتجلى ذلك في مشاهد تتنوع بين السخرية والتنمر والضرب والتحرش، وهي وسائل تبدو مألوفة على الشاشة لكنها تعكس إصرارًا على تكريس أنماط متكررة تستنزف قيمة المرأة وتُختزل بها إلى مجرد وسيلة لإضحاك الجمهور.

ورغم أن هذه الظاهرة ليست جديدة في تاريخ السينما، فإن اللافت مؤخرًا هو اتساع نطاقها وتعدد أشكالها، لتصبح “إهانة الأنثى” جزءًا شبه ثابت في وصفة الكوميديا. وتأتي أعمال تامر حسني في مقدمة الأمثلة الواضحة على ذلك، حيث لا يكاد يخلو أي فيلم له من مشاهد تقلل من شأن البطلة وتحولها إلى مادة للسخرية، وهو نهج يتكرر أيضًا في أعمال محمد رمضان وأحمد عز وغيرهم من النجوم.

* صور نمطية مُكررة

تجسد الأنثى في هذه الأفلام صورة نمطية مكررة من الأسلوب، فهي أنثى جميلة عادة وفق معايير الجمال التي يقرها المجتمع، ولكنها وعاء كُتبت شخصيته لكي تستقبل أفعال البطل (الذكر) ويسقط عليها كلامه وافيهاته وحركاته بهدف الكوميديا.

تكون الشخصية أيضا ذات سمات محددة، أنثى سطحية وفارغة، يجذبها التحرش اللفظي ومحاولات كسر المساحات الشخصية، وتبتسم مع كلمات التنمر والسخرية، وتتعلق عاطفيا بمن يحاول السيطرة عليها، كل هذه السمات مشتركة في شخصيات مثل: عفاف في فيلم “ريستارت”، حبيبة في فيلم “بحبك”، والفيلمان لـ تامر حسني، نبيلة في مسلسل “سيب وأنا سيب”، وكراميلا في فيلم “الشاطر” مع أمير كرارة، وجميع هذه الأدوار قدمتها هنا الزاهد، ولكن هذا لا ينم عن أنها الممثلة الوحيدة التي تقبل أن تكون تحت هذه المظلة، أسماء جلال قدمت مشاهد مشابهة في الجزء الأخير من فيلم أولاد رزق، تأليف صلاح الجهيني، الأنثى المجنونة التي تقودها هرموناتها، وأغلب مشاهدها بهدف تخفيف حدة الأكشن وخلق خط كوميدي في الفيلم.

وذِكر تامر حسني في هذا السياق لا يضعه في مكان خارج دوره، لأن تامر ليس ممثل فقط في العمل، لكنه أيضا يقوم بتأليف أعماله أو المشاركة في كتابتها أو وضع الخطوط العريضة للفكرة، ونجد أن تامر عادة لا يتعامل مع البطلة التي تقف أمامه إلا كمصدر لصناعة الضحك من خلال السخرية، فهو أسلوب متكرر لديه، منذ أولى أفلامه “عمر وسلمى” وحتى الآن، كما أنه يضع فعل (التحرش) داخل المشهد الدرامي في سياق كوميدي محبب لدى الأنثى.

* الكوميديا وأجساد النساء

إن إشكالية وضع النساء في موضع للسخرية منها، والتحرش بها، ليست حديثة ولا ترتبط بأفلام تامر حسني فقط، أو بالشخصيات التي تقدمها هنا الزاهد، الأمر ظهر في أفلام كثيرة سابقة، أشهرها أفلام عادل إمام ومسرحيات سمير غانم.

وعادة تتلقى الشخصيات النسائية هذه التصرفات بردود فعل مُستحسنة ما يجري، بل تقع في غرام البطل فيما بعد، مثلما حدث في اللقاء الأول الذي جمع بين هنا وتامر في فيلم بحبك، والذي اعتمد على تحرشه بها لفظيا، ومشاهد أخرى تعتمد على الضرب ونجد أمثلة كثيرة على ذلك في فيلم ريستارت، ففي مشهد واحد فقط مدته لا تتعدى الدقيقة في العمل دون سبب تتلقى عفاف (الشخصية التي تلعبها هنا ) قلمين على وجهها.

تشرح كثير من المقالات الأكاديمية والأطروحات النسوية تأثير هذه المشاهد على تكريس الصورة النمطية عن الأنثى القابلة للإهانة في أي لحظة، ومن بينها ما أشارت له دراسة نفسية (صادرة في مايو 2015) أن النكات ذات الطابع الجنسي المسيء ليست مجرد مادة للضحك، بل تترك أثرًا نفسيًا مباشرًا على النساء، الدراسة، التي أجراها الباحث توماس فورد وفريقه، أخضعت رجالًا ونساء لمشاهدة مقاطع كوميدية؛ بعضها محايد، وأخرى تتضمن محتوى جنسيًا ساخرًا أو مهينًا، والنتائج كانت كالتالي:

– النساء اللواتي شاهدن النكات الجنسية أصبحن أكثر ميلًا لرؤية أنفسهن من زاوية المظهر الخارجي، أي كأن أجسادهن معروضة للتقييم من قبل الآخرين.

– كما ارتفع لديهن ما يُعرف بـ”مراقبة الجسد”، أي الانشغال المستمر بكيفية ظهورهن وشكل أجسادهن أمام الناس، في المقابل، لم يظهر هذا التأثير على الرجال الذين تعرضوا لنفس المقاطع.

يؤكد الباحثون أن الأمر ليس بسيطًا، فوفقًا لـ”نظرية تشييء الجسد” (Objectification Theory)، مثل هذه التجارب اليومية – حتى لو بدت خفيفة أو ساخرة – تعزز شعور النساء بأن قيمتهن ترتبط بشكل أجسادهن، ما قد يقود لاحقًا إلى مشكلات أعمق مثل القلق، وتشتت الانتباه، وحتى ضعف الأداء في مواقف حياتية مختلفة.

وأشار الباحثون أن “النكت الجنسية ليست بريئة كما نتصور، فهي تغذي ثقافة ترى النساء بأجسادهن قبل عقولهن”.

والأثر الثقافي هنا أن الكوميديا، التي يُفترض أن تكسر الحدود وتمنح مساحة للحرية، تتحول إلى آلية لإعادة إنتاج السيطرة على الأجساد. بدلاً من تحرير النساء عبر الضحك، يُعاد تذكيرهن بأن قيمتهن الاجتماعية تُختزل في الجاذبية الجسدية.

* خطاب سينمائي لا يحاول الخروج عن النمط

تعلق آية منير، الناشطة النسوية ومؤسسة مبادرة سوبر وومن، على هذا الموضوع قائلة: “لدينا تصور عام في مجتمعنا عن الأنوثة والرقة أنهما صفات ترتبط بطبيعتها بالاعتمادية على الرجل والغباء، والتنشئة تكون مكررة داخل هذه التصورات التي فُرضت علينا، وفيما يخص الإهانة المغلفة في إطار كوميدي تمثيلي، الأمر ليس مرتبط بهنا الزاهد فقط، هي فقط لديها الصفات الشكلية للأنثى الجميلة التي يمكن لصق بها الصفات التي تفيد التصورات النمطية للمجتمع، ومن أكثر الممثلين تطبيقا لهذه الصور النمطية تامر حسني، ومحمد رمضان وأحمد العوضي، ولكن تامر متفرد في هذه النقطة، فهو يعكس في أفلامه صفات شخصية الرجل الواثق العارف العالم، ولكي يؤكد على هذه الصفات يستعين بفنانة يستطيع من خلالها أن يعكس الجانب الأنثوي الذي رسمه المجتمع للنساء، الغباء- الضعف- المحدودية، ويُقرن هذه الصفات بصفات عكسها يتسم بها الرجل، من خلال مشاهد طوال الوقت تؤكد هذا المعنى عبر التضاد، هي غبية، هو ذكي، هي محدودة هو غير محدود، في مشاهد منتزعة السياق داخل دراما الفيلم، وبالطبع يلصق بهذه المشاهد طابع العنف، لأننا كمجتمع لدينا حالة تطبيع مع كثير من الأفعال التي تندرج تحت مظلة العنف، وهو يستغل هذه الأفعال كأدوات كوميدية، وهو يعزز صفات الضعف لدى الأنثى في المشهد أمامه من خلال هذا العنف، لأن العنف يخلق الإثارة المطلوبة للمشهد”.

عبرت الناقدة منار خالد عن تناقض الخطاب المُغاير حاليا ومحاولات تحسين وضع النساء، مع ما تستمر السينما في تقديمه، تقول: “في ظل محاولات محو ثقافة إهانة المرأة والعنف ضدها، لا بد أن يتجلى الخطاب ذاته في السينما، حيث كثير من الأعمال الفنية التي روجت للعنف ضد السيدات بشكل ظاهر، والأكثر هو الباطن منها، كوجوه عنف مقنعة، تحمل خطاب تحريضي، لا حصر لهم ولا عدد، ولكن وفقا لوقتهم الذي لم تعلو فيه نبرة الخطابات التي تطالب بمحو ذلك، ربما ساهم الفن بجزء كبير من تكريس ذلك العنف، والأهم هو النظر للوقت الحالي، وما نحياه اليوم، في استمرارية وجود عنف ممنهج ضد السيدات، بل بفجاجة تتخطى القناع المتوارى، ولعل أبرز الأمثلة الواضحة، هي أفلام تامر حسني، التي تعتمد اعتماد كلي على تكريس خطاب العنف ضد المرأة، ويتوارى خلف أنه يقدم رسائل هامة للشباب والمجتمع، ولكن الطامة الكبرى، هي موافقة سيدات للقيام بأدوار مُهينة لصورهن، وصورة السيدات بوجه عام، وأبرز من تتصدر هذا المشهد حاليا، هي هنا الزاهد”.

وأضافت: “اعتقد السبب الرئيسي في تمسك هنا الزاهد بمثل هذه الأنماط، هو عدم الثقافة الكافية لدى كثير من جيل الممثلين اليوم، عن تلك المسئولية التي تحملونها على عاتقهم تجاه مفردات جيلهم، حيث هنا وجيلها أبناء جيل صاحب تأطير وتسمية الأشياء بمسمياتها، ووضع الأفعال في قالبها الصحيح، وتحرر الكوميديا من أمثلة التريقة على الأجساد، السابقة لجيل كانوا يصنفونها بصفتها فارص داخل مصطلحات الكوميديا المتعارف عليها، ولكن اليوم هناك محاولات متقدمة لنزع كل ما يهين الإنسان ووضعه في إطاره ومسماه الصحيح، وعدم مواكبة هذه المحاولات ما هو إلا عدم إدراك للتطور، نتاج نقص كبير في الثقافة، التي لا تقتصر على الكتب والقراءة وحدها -كما صورتها الأفلام النمطية- بل ثقافة الوعي بمجريات المجتمع وتطوراته ولغته الجديدة، ومنها لم تع هنا وغيرها أهمية احترام المرأة لذاتها، ولا حتى تعي ماهية الفن، حيث اشتراكها في أدوار غير مبنية دراميا وغير محملة بأي ملامح كشخصية درامية حقيقية، لا يعني إلا عدم الوعي وقلة الثقافة، رغم محاولاتها في إثبات قدراتها التمثيلية في محطات أخرى من مسلسلات، إلا أنها مازالت داخل حيز ضيق ومهين للغاية في السينما، يسير بتفكير أحب أن اسميه تفكير تامر حسني، سواء من رؤيته هو بذاته للمرأة، أو لشكل الكوميديا، أو لشكل الدراما، أو حتى ـوإن لم اتفق مع الرسايل الفنية- الرسالة الفنية، فهو يقدم اهانة للمراة، وتحرش صريح، وشخصيات لا بناء لها، وسيناريوهات مفككة، وكوميديا ركيكة، وفي النهاية يدعي ويتشدق بالرسائل، وفي رحابه من لا يدركون أي شيء عن الثقافة والدور الفعال لمهنة التمثيل مثل هنا الزاهد وغيرها”.

وختمت حديثها بأمنية لمستقبل السينما: “أتمنى من الممثلات أن يعرفن قدرهن، ويقدروا أنفسهن أكثر من ذلك، ولا يقعوا تحت وطأة الرجال داخل الصناعة، وداخل العمل الفني كأهانة مضاعفة واستغلال صريح لوجودهن وأجسادهن، وأتمنى أن تتحرر هنا وغيرها من الممثلات من هذه الأعباء، وتحاول تخطي هذه المراحل السيئة في مشوارها، حتى تترقى بأن تقدم ذاتها كأمرأة ذات شأن، لا تابعة لرجل جاء بها في فيلمه كي يصفعها في الرايحة والجاية بالقلم والشلوت”.

ويفسر الناقد الفني محمود عبد الشكور في هذا السياق اختيار الممثلات البقاء داخل هذا التنميط، قائلا: “بشكل عام تتحرك الممثلات وكذلك يتحرك الممثلون بدون خطط أو إعداد لأننا نفتقد في مصر إلى وكلاء الأعمال المحترفين الذين يساعدون في الاختيار، والتعليق العام هو أن كل ممثلة تجتهد في اختيار ما يعرض عليها وفقا لما هو متاح، ووفقا للنوع الذي تفضله، وأيضا وفقا لمن ترتاح لهم ممن يصنعون هذه الأعمال إنتاجا أو تمثيلا أو كتابة أو إخراجا”.