فنون

من دبكة الشحرورة إلى صمت فيروز.. كيف ودّع اللبنانيون نجومهم الكبار قبل زياد الرحباني؟




محمد حسين



نشر في:
الإثنين 28 يوليه 2025 – 8:09 م
| آخر تحديث:
الإثنين 28 يوليه 2025 – 8:09 م

ودّع اللبنانيون، ظهر اليوم، الموسيقار الكبير زياد الرحباني في مأتم مهيب أُقيم بكنيسة رقاد السيدة في بلدة المحيدثة – بكفيا شمال شرق بيروت، بحضور والدته، الأيقونة الفنية السيدة فيروز، التي شكّل حضورها صمتًا مهيبًا وإجلالًا.

وشارك في مراسم التشييع الرسمية سيدة لبنان الأولى نعمت عون، زوجة الرئيس جوزيف عون، ورئيس الوزراء نواف سلام، حيث قدّما العزاء للسيدة فيروز، في حضور حشد من الشخصيات السياسية والفنية.

ومنذ ساعات الصباح، احتشد العشرات من محبي وأصدقاء زياد أمام مستشفى فؤاد خوري ببيروت، وشيّعوه بالتصفيق والهتاف، في وداع عفوي لفنان نحت بصوته وموسيقاه ومسرحه ذاكرة أجيال لبنانية وعربية، وارتبط اسمه بالمقاومة والهوية الثقافية والوجع الشعبي، كما ارتبط بالسخرية والنقد السياسي العميق.

رقص وغناء في وداع الشحرورة

ورغم الطابع الرسمي والهادئ لتشييع زياد، فإن لبنان عرف أشكالًا مختلفة من وداع نجومه، وكان أبرزها وداع الشحرورة صباح في نوفمبر 2014، حين تحوّل يوم جنازتها إلى ما يشبه “العرس الشعبي”، تنفيذًا لوصيتها بألا يحزن أحد لرحيلها، بل أن يتم توديعها على أنغام الدبكة اللبنانية.

فمن فندق برازيليا حيث أمضت أيامها الأخيرة، إلى كاتدرائية مار جرجس في وسط بيروت، اصطف الناس على الجانبين يلوّحون ويغنون ويزغردون. ورافق الجثمان فرقة موسيقى الجيش اللبناني المؤلفة من 60 عازفًا، عزفت أشهر أغنياتها، منها: “تسلم يا عسكر لبنان”، و”تعلى وتتعمر يا دار”، و”عامر فرحكم عامر”.

وشارك في التشييع آنذاك رئيس الحكومة تمام سلام، ولفيف من الوزراء والنواب، إلى جانب حضور فني عربي واسع شمل ماجدة الرومي، وراغب علامة، ونجوى كرم، وهيفاء وهبي، ولبلبة، وإلهام شاهين، وسمير صبري، وآخرين. ولم تغب أغنيات الشحرورة عن المكان، بل رقص بعض المشيعين على أنغام “رقص أم عيون السود”، فيما علت صورها وأكاليل الورود في باحة الكنيسة، وكان أبرزها إكليل من السيدة فيروز، كُتب عليه: “شمسك لن تغيب”.

نصري شمس الدين

وفي مارس 1983، شُيعت جنازة الفنان اللبناني نصري شمس الدين في مشهد اتسم بالبساطة والارتباط بالأرض التي نشأ فيها. فقد سار خلف نعشه المئات من أبناء بلدته “جون” في الشوف، إلى جانب عدد من الفنانين وأفراد عائلته، فيما عزفت فرق شبابية معزوفات محلية على الدرب المؤدي إلى مثواه الأخير. ورفع المشيعون صوره، ورددوا مقاطع من أغنياته، خاصة تلك التي أداها باللهجة الجبلية، والتي كانت تمثل جزءًا من هوية الفن الرحباني في الستينات والسبعينات.

كان الحضور الشعبي بارزًا، لا سيما من محبي المسرح الغنائي اللبناني، حيث اعتُبر شمس الدين من أبرز نجومه، إذ شارك في معظم مسرحيات الأخوين رحباني، وكان يؤدي دور “الوجه الشعبي” بخفة ظل وبراعة، ما جعله من الأصوات المألوفة والمرتبطة بمخيلة اللبنانيين عن القرى والحياة اليومية.

ملحم بركات

وفي نهاية أكتوبر 2016، ودّع لبنان الموسيقار ملحم بركات في مأتم أُقيم في كنيسة مار نقولا بالأشرفية – بيروت، وسط حضور حاشد من الشخصيات السياسية والفنية والإعلامية.

وصدح صوته في باحة الكنيسة على وقع أغنياته الشهيرة، وكأنها حفلة وداع أخيرة، رافقتها لافتات رفعتها الجماهير كتب عليها: “يا حبّي اللي غاب”، “مشيت بطريقي”، و”بخاطركن”.

وترأس صلاة الجنازة متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران إلياس عودة، الذي وصف الراحل بـ”المبدع الذي عزف لحنه الأخير ومشى في طريقه”، مشيرًا إلى أن موسيقاه “زرعت الفرح في القلوب، وبقي وفيًا للغته ووطنه في زمن تغيّر فيه الكثيرون”.

حضر الجنازة وزير الثقافة آنذاك روني عريجي ممثلًا عن رئيسي الجمهورية والحكومة، إلى جانب النواب ناجي جاريوس وعاطف مجدلاني ممثلين ميشال عون وسعد الحريري.

أما الحضور الفني، فشمل عددًا من كبار الفنانين، من بينهم ماجدة الرومي، راغب علامة، عاصي الحلاني، فارس كرم، ومعين شريف، الذين وقفوا قرب النعش في لفتة تكريمية لصاحب “حبّي اللي غاب”. كما حضرت العائلة بالكامل، تتقدّمها زوجته رندة، وطليقته الفنانة مي الحريري، التي رافقت ابنها ملحم جونيور طيلة المراسم، واختُتمت الجنازة بكلمة مؤثرة ألقاها الشاعر نزار فرنسيس، صديق الراحل ورفيق مسيرته، قبل أن ينفجر بالبكاء فوق النعش، قائلاً: “الموت يمكن يغلب الجسد… بس عن عرش الفن ما بيقدَر ينزلك”، وفقًا لما نقلت صحيفة الشرق الأوسط.