اخبار الإمارات

فرنسا تحوّلت قدر ضغط..انفجر – موقع 24

رجال شرطة يواجهون متظاهرين في مرسيليا.(أف ب)

الأحد 2 يوليو 2023 / 12:55

“بلغت مبلغ الرجال، لكن أمي ما زالت تتوتر كلما غادرت البيت”، هكذا استهل دييغي، وهو واحد من آلاف المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع بعد ظهر يوم الخميس في نانتير، إحدى الضواحي التي تسكنها الطبقة العاملة في باريس. “يمكنني سماع غصة في صوتها عندما تتحقق من أنني أحمل بطاقة الهوية أو تكتفي بقول: احترس”.

يكمن جزء من هذه المشكلة، وفق الكاتب، في علاقة الرئيس ماكرون بالشرطة

وفي نانتير، تبين أن هذا القلق مسألة حياة أو موت. قُتل نائل م، الفتى البالغ من العمر 17 سنة والذي ينتمي إلى أصول مغربية وجزائرية، برصاص شرطي في نقطة تفتيش مرورية، مما أدى إلى اندلاع اضطرابات عمت أنحاء البلاد على خلفية عنف الشرطة والعنصرية.
وعلى مدى الليالي العديدة الماضية، اشتعل فتيل الاحتجاجات بطريقة مذهلة. فمن تولوز وليل إلى مرسيليا وباريس، عمدت جماعات من المتظاهرين إلى السطو على مراكز الشرطة، ونهب أو تخريب العديد من المنشآت التجارية، وإلقاء قنابل المولوتوف، وإطلاق زخات من الألعاب النارية على المباني الحكومية وشرطة مكافحة الشغب. وتم اعتقال قرابة ألف شخص.

 

 

وتقول صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية إنه لا توجد أي بادرة تنم عن انحسار موجة الغضب. كشف مقتل نائل م.  الذي بدا للكثيرين أشبه بالإعدام في محاكمة مقتضبة، عن أشد أشكال عنف الشرطة تطرفاً والذي استهدف مجتمعات الملونين في فرنسا منذ فترة طويلة.
كما أجج أيضاً مشاعر الاستياء الذي يغلي في جميع أنحاء البلاد. وبالنسبة للرئيس إيمانويل ماكرون، كانت هذه ضربة أخرى لسلطته، حيث اضطر مرة أخرى إلى مواجهة فرنسا في أتون مشتعل، على حد وصف الكاتب الصحفي هاريسون ستيتلر، المختص بالشؤون السياسية والثقافية الفرنسية.
ومع ذلك، فإن مقتل نائل انتهى به الحال أن يكون مجرد خبر ثانوي، حيث صورت الروايات الصحفية المبكرة ضباط الشرطة باعتبارهم يتصرفون من منطلق الدفاع عن النفس، وأنهم أطلقوا النار على سائق يأتي بتصرفات غريبة لديه ومستعد لاقتحام ضباط الشرطة للافلات من الاحتجاز.
وكانت هذه الرواية للأحداث ستضع ضباط الشرطة تحت حماية قانون سنة 2017، الذي أقره فرانسوا هولاند، سلف الرئيس ماكرون، وخفف القيود على استخدام الشرطة للأسلحة النارية في الحالات التي يرفض فيها السائق التوقف عندما يأمره الضابط بذلك.

الفيديو الذي غير الرواية

لكن مقطع فيديو التقطه أحد المارة بكاميرا هاتفه المحمول سرعان ما غيّر هذه الرواية. ويُظهر هذا الفيديو، الذي برز إلى السطح بعد وقت قصير من واقعة القتل، ضابطين يقفان بجانب السيارة، وأحدهما يصوب مسدسه نحو نافذة السائق من على مسافة قريبة.

 

ويمكن سماع عبارة “سأطلق رصاصة على رأسك” بوضوح على الرغم من أنه ليس من الواضح من الذي نطق بها، قبل أن تبدأ السيارة في التسارع وتنطلق الرصاصة القاتلة. وتوفي نائل إم بعد ذلك بساعة.

عدوى تمرد الضواحي

كان رد الفعل الأول من جانب الحكومة أن أبدت حساسية مشوبة بالحذر، على أمل تفادي ذلك النوع من حرائق الشوارع التي توصف غالباً بأنها “عدوى تمرد” الضواحي، وهي المناطق الحضرية المحرومة اقتصادياً والمتعددة الأعراق التي تعاني من تشدد الشرطة الفرنسية. وقال الرئيس ماكرون يوم الأربعاء: “لا شيء يبرر موت شاب”، واصفاً تصرفات الشرطة بأنها “لا تغتفر” و “لا يمكن تفسيرها”. وبالنسبة لرئيسة الوزراء إليزابيث بورن، كان سلوك الضباط “غير متوافق بشكل واضح مع قواعد الاشتباك”.
يقول هاريسون ستيتلر، في مقاله بصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية: ربما يكون هذا أقصى ما يذهب إليه الرئيس. فلا ننس أنه نادراً ما تغتنم الحكومة الفرص المتاحة للتعامل بجدية مع مشكلة عنف الشرطة. ويميل الرئيس ماكرون إلى عزو الوفيات التي تقع على أيدي الشرطة إلى أخطاء مؤسفة يرتكبها الموظفون العموميون.

علاقة ماكرون بالشرطة

ويكمن جزء من هذه المشكلة، وفق الكاتب، في علاقة الرئيس ماكرون بالشرطة. فمنذ وصوله إلى سدة الحكم في عام 2017، اعتمد الرئيس على قوات الشرطة، مما عزز دورها المركزي في الحياة السياسية الفرنسية.
وأضاف الكاتب: قوبلت سلسلة الاحتجاجات الرافضة لمختلف إصلاحات ماكرون الاجتماعية – وآخرها إصلاح نظام التقاعد – بالاستخدام المكثف للشرطة. وإبّان أسوأ فترات الجائحة، كان ضباط الشرطة هم المنفذون على الخطوط الأمامية لتدابير الإغلاق وحظر التجوال الصارمة التي فرضها ماكرون. والآن وبعد أن أصبحت قوات الشرطة في صميم السجال الوطني، لا نستغرب أن نرى يدي ماكرون مكتوفتين.

 

وتابع: ثم هناك الضغط السياسي من اليمين. فترويجاً لافتراض “الدفاع الشرعي عن النفس”، دعا الكثير من الشخصيات اليمينية الحكومة إلى قمع المحتجين بلا أي اعتذار.
وتساءل “استطلاع اليوم” ليوم الخميس على الموقع الإلكتروني لصحيفة لوفيغارو اليومية المحافظة: “هل حان الوقت لإعلان حالة الطوارئ؟” وتكمن وراء هذا السؤال ذكرى عام 2005، عندما أفضت أسابيع من أعمال الشغب بعد وفاة شابين ملونين خلال مطاردة للشرطة إلى استخدام قانون الطوارئ في فرنسا.
ومضى الكاتب يقول: من الجائز تماماً أن يكون لهم ما يريدون. ومع الفشل الواضح لجهود ماكرون الرامية إلى تحقيق “الاسترضاء” الاجتماعي، فالأرجح أن يتعزز موقف المتشددين الذين يضمهم ائتلافه، مثل وزير الداخلية جيرالد دارمانان. وفي اجتماع أزمة طارئ لمجلس الوزراء يوم الخميس، أشار ماكرون إلى هذا الشيء نفسه تقريباً عندما انتقد مرتكبي أعمال الشغب بسبب “عنفهم غير المبرر ضد مؤسسات الجمهورية”.

عنف متأصل في الشرطة

وهو ليس محقّاً بالكامل، يقول الكاتب، فهذه الاحتجاجات ضد مؤسسات الجمهورية، وإحداها بشكل خاص. وبالنسبة للكثير من الفرنسيين، وخاصة الشباب الملونين المهمشين، يعد مقتل نائل أحدث برهان على العنف المتأصل في الشرطة، وفوق ذلك دليل على مجتمع لا يريد سوى القليل منهم ويفضل أن يختفوا.
لكنهم، هم وغضبهم، لن يذهبوا إلى أي مكان. وينقل الكاتب عن المتظاهر دييغي قوله: “نحن منهكون والقصص من هذا القبيل تزيد الوطأة علينا. فمنذ سنوات وفرنسا أشبه بقدر ضغط”. وقد انفجرت هذا الأسبوع.