أسواق أوروبا تستقبل رسوم ترامب الجمركيه ببرود وتحذيرات من تراخي المستثمرين

جاء رد فعل الأسواق الأوروبية باهتًا على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه فرض رسوم جمركية بنسبة 30% على واردات من الاتحاد الأوروبي، عند إعادة فتحها هذا الأسبوع. ويُظهر المزاج العام تجاه الرسوم الجمركية تباينًا واضحًا بالمقارنة مع ردود الأفعال التي أعقبت ما وصفه ترامب بـ"يوم التحرير" في وقت سابق من هذا العام.ويحذّر بعض المراقبين من أن المستثمرين ربما يتعاملون مع الوضع بنوع من التراخي، حيث يرى أحدهم أن الاتحاد الأوروبي "لن يرضخ بسهولة كما يأمل ترامب" خلال المفاوضات، وفقا لتقرير نشرته شبكة "CNBC" الأميركية، واطلعت عليه "العربية Business".
وأعلن ترامب مؤخرًا، ضمن آخر مستجدات سياساته التجارية، أنه سيفرض رسومًا بنسبة 30% على السلع المستوردة من الاتحاد الأوروبي والمكسيك بدءًا من 1 أغسطس.ورغم خطورة القرار، فإن الأسواق الأوروبية أبدت رد فعل ضعيفًا؛ إذ أغلق مؤشر "ستوكس 600" الأوروبي على انخفاض طفيف بنسبة 0.06% في جلسة الإثنين، أول جلسة بعد رسالة ترامب إلى الاتحاد الأوروبي. أما جلسة الثلاثاء، فشهدت انخفاضًا أعمق قليلًا بنسبة 0.4%، في ظل تزايد القلق بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي بعد ارتفاع معدل التضخم الأميركي.
وتتناقض هذه التحركات مع الانخفاض الحاد الذي شهده السوق بعد إعلان "يوم التحرير" في أبريل، رغم أن الرسوم الحالية المقترحة أعلى من تلك المعلنة آنذاك.
ففي 3 أبريل، بعد يوم من كشف ترامب عن قائمته للرسوم المتبادلة التي تضمنت فرض 20% على واردات الاتحاد الأوروبي، هبط مؤشر ستوكس 600 بنسبة 2.7%. وتراجعت الجلسات اللاحقة بنسبة 5% و4.5% على التوالي.
ويُعزى رد الفعل الأضعف حاليًا جزئيًا إلى تمسك المستثمرين بما يُعرف بتجارة "تاكو" – اختصار لعبارة "ترامب دائمًا يتراجع" (Trump Always Chickens Out) – والتي تقوم على الاعتقاد بأن تهديدات البيت الأبيض بالرسوم الجمركية ليست إلا أدوات ضغط تفاوضي من غير المرجح تنفيذها فعليًا.
ويبدو أن هناك اعتقادًا راسخًا لدى كثيرين بأن اتفاقًا بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة سيتم التوصل إليه قبل الموعد النهائي المحدد في 1 أغسطس.
وقال مايكل فيلد، استراتيجي الأسواق الأوروبية في "مورنينغ ستار"، في رسالة إلكترونية لشبكة CNBC يوم الأربعاء: "عندما يتعلق الأمر بالتهديدات الأخيرة بشأن الرسوم الجمركية، فإن المستثمرين لا يُبدون قلقًا كبيرًا. بالطبع، يمكن اعتبار ذلك نوعًا من التراخي… لكن تجربتهم خلال الأشهر الماضية أظهرت أن هذه التهديدات لم تُترجَم حتى الآن إلى سياسات قائمة، بل كانت مجرد وسائل لجلب الأطراف إلى طاولة المفاوضات".
ومع ذلك، حذّر آخرون من أن هذه المقاربة قد تضر ببعض المستثمرين الذين يراهنون على قرب التوصل إلى اتفاق.
خفض النمو العالمي
وقال أنتوني إسبوزيتو، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة AscalonVI Capital الأسترالية للاستشارات الاستثمارية: "أعتقد أن هذه الرسوم الجمركية سيتم تطبيقها في نهاية المطاف. لا أظن أن الاتحاد الأوروبي سيقدّم تنازلات بسهولة كما يأمل ترامب. هذا السيناريو قد يسهم في خفض النمو العالمي، خاصةً أنه يأتي في وقت تعاني فيه كبرى اقتصادات الاتحاد الأوروبي من مستويات ديون سيادية تاريخية".
ورغم تفاؤل بعض المسؤولين الأوروبيين بشأن اقتراب واشنطن وبروكسل من وضع إطار لاتفاق تجاري، فقد أكّدوا في الوقت نفسه أن الاتحاد الأوروبي مستعد لاتخاذ تدابير مضادة إذا تضررت مصالحه الاقتصادية من هذه الرسوم.
ومن جانبه، رأى كيفن ين، نائب رئيس الاستثمار في شركة Asterozoa Capital الأميركية، أن لترامب هذه المرة دوافع أقوى للوفاء بتهديداته الجمركية.
وقال في رسالة إلكترونية: "رواية ’ترامب دائمًا يتراجع‘ لا تزال سارية حتى الآن، ولكن مع وصول الأسواق المحلية إلى مستويات قياسية وغياب القلق تجاه تهديدات الرسوم، يملك ترامب قوة دفع إضافية للمضي قدمًا، مما يزيد من احتمالية فرض رسوم فعلية بنسبة 30%. وفي المقابل، فإن ترامب ووزير الخزانة سكوت بيسنت أبديا حساسية أكبر تجاه سوق السندات، وقد يدفع ارتفاع العوائد مؤخرًا الإدارة الأميركية إلى التراجع".
مخاطر على موجة الصعود في الأسهم الأوروبية
تشهد الأسهم الأوروبية موجة صعود قوية هذا العام، بدعم من توجه المستثمرين نحو التنويع بعيدًا عن الأصول الأميركية، والتفاؤل بشأن حزم التحفيز المالي الكبيرة في المنطقة. فقد ارتفع مؤشر ستوكس 600 بنسبة تتجاوز 7% منذ بداية العام، بينما قفز مؤشر DAX الألماني بنسبة 21%، وحقق مؤشر FTSE MIB الإيطالي مكاسب بنسبة 17%.
ويحذر مراقبو السوق من أن سيناريو فرض رسوم بنسبة 30% قد يُعطّل هذا الزخم، على الأقل جزئيًا.
وقال مايكل فيلد من "مورنينغ ستار": "هل يمكن للرسوم أن تُنهي موجة الصعود الأوروبية؟ الأمر يعتمد على النسبة. فمثلاً، رسوم بنسبة 10% مثلما هو الحال مع المملكة المتحدة قد تُشكّل عقبة بسيطة. أما رسوم بنسبة 30% فقد تُحدث تأثيرًا كبيرًا على نمو الناتج المحلي الأوروبي لعدة سنوات مقبلة. قد لا يؤدي ذلك إلى توقف كامل في تدفقات الاستثمار إلى الأسهم الأوروبية، لكنه بالتأكيد سيضعف الزخم الحالي".
واتفق دان كوتسورث، محلل الاستثمار في شركة AJ Bell، مع الرأي القائل بأن تنفيذ ترامب لتهديده قد يعرقل ارتفاع التقييمات السوقية في أوروبا.
وقال: "شهدت أوروبا أداءً قويًا هذا العام بفضل سعي المستثمرين وراء تقييمات أرخص مقارنة بالولايات المتحدة، وتوقعات بزيادة الإنفاق الحكومي الألماني في مجالات مثل الدفاع والبنية التحتية. الرسوم الجمركية المرتفعة قد تُفسد هذا الزخم، وتدفع بعض المستثمرين إلى جني الأرباح".
أما أنتوني ويليس، كبير الاقتصاديين في "كولومبيا Threadneedle"، فقد عبّر عن رؤية أكثر تفاؤلًا: "يجدر التذكير بأن صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة تمثّل حوالي 18% إلى 20% من إجمالي صادراته – أي أن هناك حجمًا كبيرًا من التجارة لن يتأثر بإجراءات إدارة ترامب".
"في الواقع، يبدو أن تداعيات فرض واشنطن رسومًا على الجميع دفعت العديد من الدول للبحث عن فرص تجارية بديلة."
وحين يتعلق الأمر بالتداول في بيئة مشوبة بالغموض، حذّر إسبوزيتو من أن سيناريو فرض رسوم بنسبة 30% قد يُلقي بظلاله على "مُعظم فئات الأصول في المنطقة".
وأضاف: "لكن إذا استمر الإنفاق الدفاعي في الارتفاع، وحافظ البنك المركزي الأوروبي على أسعار الفائدة قرب 2%، واستمر صعود المعادن النفيسة، فقد نرى أداءً تفوقيًا نسبيًا في قطاعات الدفاع والخدمات المالية والتعدين. ومن منظور التداول، أوصي بالتمسك بالمعادن النفيسة، مع الحذر في التعامل مع الأسهم الأوروبية والأميركية".
أما "ين" من Asterozoa، فتوقّع في حال تنفيذ الرسوم بالكامل، أن نشهد بيعًا مكثفًا في سندات الخزانة الأميركية، مقابل صعود الذهب والأسهم الصناعية الأميركية.
وقال: "قد تتضرر صادرات الشركات الأوروبية، لاسيما مصنّعي معدات السيارات".
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
البنك المركزي الأميركي يستعد لرفع الفائدة وباول يؤكد قطع شوطا طويلاً في محاربة التضخّم
تراجع الدولار وصعود الذهب مع تلميح البنك المركزي الأميركي لوقف رفع الفائدة