البنك الدولي: فوائد الدول النامية من الانخراط في سلاسل القيمة العالمية مهددة بسبب الرسوم الجمركية

حياة حسين
نشر في:
الأحد 24 أغسطس 2025 – 5:22 م
| آخر تحديث:
الأحد 24 أغسطس 2025 – 5:22 م
– النظام ضمن لبنجلاديش تزويد أشهر علامات الأزياء العالمية بالأقمشة وفيتنام بتجميع الهواتف الذكية
تواجه الإنجازات التي حققتها البلدان النامية من انخراطها في سلاسل القيمة العالمية تهديدات متزايدة نتيجة لتجزؤ السياسات التجارية العالمية، نتيجة للاتفاقيات الثنائية وحروب الرسوم الجمركية، وفق تقرير للبنك الدولي، صادر في نشرته الأسبوعية أمس.
وذكر البنك، أنه على مدى عقود، شكّلت سلاسل القيمة العالمية مساراً رئيسياً لتحقيق النمو والازدهار في البلدان النامية، فقد أتاح هذا النظام فرصاً استثنائية للارتقاء بسرعة على سلم الدخل من خلال التخصص في مراحل محددة من عملية الإنتاج، بدلاً من الاعتماد على تصنيع السلع النهائية المعقدة.
وقال البنك الدولي: “في إطار هذا النظام، باتت بنجلاديش تزود أشهر العلامات التجارية للأزياء الأوروبية بالأقمشة، بينما تقوم فيتنام بتجميع الهواتف الذكية الموجهة إلى أسواق كوريا الجنوبية وأمريكا الشمالية”.
وحاليا؛ تُجرى أكثر من نصف التجارة العالمية عبر سلاسل القيمة العالمية بشكل غير مباشر، ويبرز هذا النمو بشكل خاص في الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل.
وتتعدد فوائد المشاركة في هذه السلاسل، حيث تُسهم في تسريع وتيرة نمو الإنتاجية وتعزيز خلق فرص العمل. كما أن الشركات المشاركة غالباً ما تقدم أجوراً أعلى وتوفر بيئات عمل متطورة، في إطار سعيها للامتثال للمعايير الدولية المعتمدة.
وبحسب التقرير، يرجع التهديد الذي يواجه البلدان النامية المنخرطة في سلاسل القيمة إلى الاعتماد المتزايد على إبرام صفقات تجارية منفردة مع كل بلد على حدة، مما يقوض مبدأ “البلد الأولى بالرعاية”. هذا المبدأ هو الركيزة الأساسية التي يقوم عليها النظام التجاري العالمي منذ إقرار الاتفاقية العامة بشأن التعريفات الجمركية والتجارة (الجات) عام 1947.
وبموجب هذا المبدأ، يلتزم 163 بلداً عضواً في منظمة التجارة العالمية، بضمان المعاملة المتكافئة بين الأعضاء، وتوفير فرص متساوية للوصول إلى أسواق بعضهم البعض، بما يخلق مناخاً من الاستقرار والتنبؤ.
وقد شكّل هذا المناخ الأساس الذي ساعد على ظهور واستخدام سلاسل القيمة العالمية. فعلى سبيل المثال، يَعلم كل مشترٍ للأقمشة والمنسوجات من بنجلاديش أنه يتمتع بنفس فرص الوصول إلى هذه المنتجات على قدم المساواة مع منافسيه، دون تمييز أو تفضيل.
ورغم أن اتفاقيات التجارة التفضيلية تقوم بدور مهم في تخفيف الحواجز التجارية، ومن أبرز أمثلتها: اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، والاتفاق الشامل والتدريجي للشراكة عبر المحيط الهادئ، والشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة.
ومع ذلك، قد تؤدي المعاملات التجارية الجديدة التي تفرض رسوماً جمركية مرتفعة أو تطبق قواعد امتثال تجارية معقدة ومكلفة إلى مزيد من تجزؤ الأسواق، مما يحد من قدرة البلدان النامية على المشاركة في سلاسل القيمة العالمية.
ولفت تقرير البنك الدولي إلى أن تجزؤ السياسات التجارية أثر على تكامل سلاسل القيمة العالمية في ظل نظام تجاري يتسم بالتجزؤ، فيما تمنح البلدان شروطاً تفضيلية ومعاملة خاصة لفئة محددة من شركائها التجاريين، بينما تُحرم من هذه المزايا البلدان غير المدرجة في قائمة البلدان الأولى بالرعاية. ولتجاوز هذه القيود، قد تلجأ بعض البلدان إلى إعادة توجيه صادراتها عبر بلد ثالث، محاولةً الالتفاف على القيود المفروضة. وللحد من هذا التلاعب، تتضمن اتفاقيات التجارة التفضيلية قواعد منشأ صارمة تُلزم المستوردين بإثبات بلد تصنيع السلع.
ورغم أن إثبات منشأ سلعة أساسية مثل طن من الفولاذ قد يكون مهمة بسيطة نسبياً، فإن الأمر يصبح أكثر تعقيداً في حالة السلع عالية التقنية مثل الهواتف الذكية، التي تعتمد على مكونات وخدمات متعددة المصادر على امتداد سلسلة القيمة.
وتؤدي الأنظمة التجارية التمييزية إلى زيادة الأعباء الإدارية على الشركات، حيث تضطر إلى تعديل إجراءاتها الداخلية، وتدريب كوادرها، والاستعانة بخبراء متخصصين في التجارة الخارجية.
كما يُواجه مسئولو الجمارك ضغطاً متزايداً نتيجة تزايد حجم العمليات المطلوبة، التي تشمل التحقيقات وتقصي الحقائق، والتعاون الدولي، وتبادل المعلومات، فضلاً عن مراجعات تقييم السلع وتصنيفها والتحقق من منشأها.
تشكِّل تكاليف الامتثال لهذه القواعد عبئاً مالياً كبيراً على منشآت الأعمال. إذ تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن تكاليف قواعد المنشأ تمثل نحو 4.5% من القيمة الجمركية للسلع المتداولة في إطار الاتفاقيات التفضيلية.
وتواجه منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة صعوبة أكبر في الالتزام بهذه القواعد، نظراً لصغر حجم عملياتها وضعف قدرتها على تحمل التكاليف الإضافية، مما قد يؤدي إلى إقصائها من المشاركة في سلاسل القيمة العالمية، وزيادة تركّز الأسواق وإضعاف القدرة التنافسية عالمياً.
كما أن ارتفاع تكاليف الامتثال يزيد من احتمالات الغش التجاري، مما يقوض الهدف الأساسي من تطبيق قواعد المنشأ. وتزداد هذه المخاطر كلما اتسع الفارق بين السعر التفضيلي والسعر العام (هامش التفضيل)، حيث تصبح الحوافز للحصول على المعاملة التفضيلية أكبر.
ووفقاً لبيانات جونسيارز وفيربيت (2025)، فإن زيادة هامش التفضيل بنسبة 1% تؤدي إلى ارتفاع بنسبة 0.39% في معدلات الاستفادة من الأسعار التفضيلية.
وعلى مدار نحو 80 عاماً، استفاد الاقتصاد العالمي من نظام تجاري قائم على مبدأ عدم التمييز. غير أن اعتماد قواعد تجارية تمييزية، وفرض رسوم جمركية مرتفعة، وتشديد قواعد المنشأ يهدد عقوداً من التقدم الذي أحرزته البلدان النامية، ويضعف التأثير الإيجابي لسلاسل القيمة العالمية في الحد من الفقر.