تصعيد تجاري محتمل وواشنطن تضغط على الاتحاد الأوروبي لخفض الرسوم الجمركية أو مواجهة تعريفات إضافية

بالرغم من استمرار المفاوضات المتعثرة بين الجانبين، تزداد الضغوط الأميركية على الاتحاد الأوروبي لخفض الرسوم الجمركية على السلع الأميركية من جانب واحد، في محاولة لتجنب فرض تعريفات إضافية بنسبة 20%، قد تدخل حيّز التنفيذ قريباً. ويأتي ذلك في ظل مساعٍ أميركية حثيثة لتعزيز مكاسبها التجارية، وسط تحذيرات أوروبية من أن المطالب الأميركية لا تُظهر نية حقيقية للتوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن.
ونقلت صحيفة "فاينانشيال تايمز" عن مصادر مطلعة أن الممثل التجاري الأمريكي، جيميسون جرير، يستعد لإبلاغ المفوض التجاري الأوروبي، ماروش شفتشوفيتش، الجمعة، بأن "مذكرة توضيحية" قدمتها بروكسل في الآونة الأخيرة للمحادثات، لا ترقى إلى مستوى التوقعات الأميركية".
وذكرت أن الولايات المتحدة تشعر بعدم الرّضا، لأن الاتحاد الأوروبي عرض فقط تخفيضات جمركية متبادلة، بدلاً من التعهد بخفض الرسوم الجمركية من طرف واحد، كما اقترح بعض الشركاء التجاريين الآخرين على واشنطن. كما أن الاتحاد الأوروبي لم يدرج الضريبة الرقمية المقترحة ضمن نقاط التفاوض، كما طالبت واشنطن.
ولم يتم التوصل إلى اتفاق بعد، في ظل حالة من عدم اليقين تسود الأسواق، وتزايد المخاوف بشأن توقعات النمو الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، ومخاطر التضخم والركود المحتملة في أكبر اقتصاد في العالم.
وألقت التطورات التجارية التي تؤثر على الحليفين التاريخيين بظلالها على جهود الاتحاد الأوروبي لإصلاح سياساته المالية وتحفيز الإنفاق الدفاعي في إطار "خطة إعادة تسليح أوروبا" التي وضعها الاتحاد.
وفرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 25% على السيارات والصلب والألومنيوم من الاتحاد الأوروبي في مارس الماضي، و20% على سلع أخرى من الاتحاد في أبريل. وخفضت بعد ذلك الرسوم البالغة 20% إلى النصف حتى الثامن من يوليو المقبل، لإتاحة الوقت للمحادثات. وأبقت على نسبة 25% على الصلب والألومنيوم وقطع غيار السيارات، ووعدت باتخاذ إجراءات مماثلة على الأدوية وأشباه الموصلات وغيرها من السلع.
وبدأ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تبادل وثائق التفاوض، لكنهما لم يُحرزا تقدماً يُذكر على الصعيد الجوهري منذ أن أعلن ترمب عن فترة تفاوض مدتها 90 يوماً. وقال مسؤول ثالث مُطلع على تفاصيل المحادثات، إن المسؤولين الأوروبيين "غير متفائلين بشأن إمكانية التوصل إلى أي اتفاق يتجنب الرسوم الأميركية على الواردات الأوروبية". وأضاف: "تبادل الرسائل ليس تقدماً حقيقياً".
وترى الولايات المتحدة أن عرض الاتحاد الأوروبي الحالي، الذي سيلغي جميع الرسوم الجمركية على السلع الصناعية وبعض المنتجات الزراعية إذا فعلت واشنطن الشيء نفسه، في نهاية المطاف يصب في صالح بروكسل لأنه يستخدم معايير المنتجات لمنع الواردات.
ويتضمن العرض الأوروبي الجديد، الإلغاء التدريجي للرسوم الجمركية على كلا الجانبين على بعض السلع الزراعية والصناعية، والعمل معاً لمعالجة مشاكل الطاقة الإنتاجية الفائضة في سلاسل التوريد لأشباه الموصلات، بالإضافة إلى الصلب والأدوية ومنتجات السيارات. وتأخذ الورقة في الاعتبار، أولويات الولايات المتحدة، مثل حقوق العمال، والمعايير البيئية، والأمن الاقتصادي.
بالإضافة إلى ذلك، تتضمن الوثيقة مجالات تعاون بشأن التحديات المشتركة، مثل ضوابط التصدير والتحقق من الاستثمارات، ومكافحة فائض الطاقة الإنتاجية في سلاسل توريد الصلب والأدوية والسيارات وأشباه الموصلات، وسوق مشتركة للمواد الخام الأساسية، وغيرها.
وأفادت مصادر بأن الاتحاد الأوروبي يرغب في إبرام صفقة تعود بالنفع على الطرفين مع الولايات المتحدة، لكن المسؤولين غير متأكدين من أن الرئيس الأميركي ترمب، لديه نفس الأهداف. ووفق "بلومبرغ"، فقد أكد المسؤولون الأوروبيون لنظرائهم الأميركيين، على الترابط العميق بين الاقتصادين، وأن التوصل إلى اتفاق يجب أن يكون أولوية مشتركة.
لكن واشنطن تشترط تسهيل استثمار الشركات الأميركية في الاتحاد الأوروبي، وتخفيف القيود التنظيمية، وقبول معايير الأغذية والمنتجات الأميركية. كما تسعى إلى إلغاء الضرائب الرقمية الوطنية، وهي النقطة الخلافية الأساسية.
تسلسل زمني للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي
دأب الرئيس الأميركي دونالد ترمب على تهديد الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية حتى قبل توليه منصبه لولاية ثانية، مُعترضاً على فائضه التجاري في السيارات والزراعة والنفط والغاز، لكن المعركة بدأت فعلياً في مارس الماضي.
12 مارس 2025: دخلت الرسوم الجمركية الأميركية الموسعة على واردات الصلب والألومنيوم الأوروبية حيز التنفيذ، حيث حُدّدت كليهما بنسبة 25%. وفي اليوم نفسه، هدد الاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات مضادة تستهدف الكحول وغيره من السلع الصناعية والزراعية من الولايات المتحدة.
13 مارس 2025: ردّ الرئيس الأميركي بتهديده بفرض رسوم جمركية بنسبة 200% على منتجات الكحول المستوردة من الاتحاد الأوروبي.
20 مارس 2025: ألغى الاتحاد الأوروبي تعريفاته الجمركية على الكحول وأجّل فرض تعريفات أخرى حتى منتصف أبريل.
27 مارس 2025: فرضت الولايات المتحدة تعريفات جمركية بنسبة 25% على واردات السيارات العالمية، وهي خطوة أثرت بشكل كبير على ألمانيا، أكبر مُصدّر للسيارات في العالم.
2 أبريل 2025: أعلن الرئيس ترمب "تعريفات جمركية متبادلة" شاملة، شملت تعريفة بنسبة 20% على جميع الواردات من الاتحاد الأوروبي.
9 أبريل 2025: أعد الاتحاد الأوروبي تعريفات جمركية انتقامية بنسبة 25% تستهدف سلعاً أميركية بقيمة 21 مليار يورو، وكان من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في 15 أبريل، قبل أن يعلن الرئيس ترمب تعليق التعريفات الجمركية المتبادلة لمدة 90 يوماً، مما أدى إلى خفض التعريفة الجمركية البالغ نسبتها 20% على واردات الاتحاد الأوروبي مؤقتاً إلى 10%.
10 أبريل 2025: يعلق الاتحاد الأوروبي خططه للتدابير المضادة لمدة 90 يوماً، على أمل التفاوض على اتفاقية تجارية خلال فترة التوقف.
وقال أولوف جيل، المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون التجارية إن "أولوية الاتحاد الأوروبي هي السعي إلى اتفاق عادل ومتوازن مع الولايات المتحدة، اتفاق تستحقه علاقاتنا التجارية والاستثمارية الضخمة. يحتاج الجانبان إلى العمل على حل مشكلة الرسوم الجمركية الحالية، بالإضافة إلى التنسيق الاستراتيجي في المجالات الرئيسية ذات الاهتمام المشترك".
ويسعى "تكتل اليورو" جاهداً للتوصل إلى نص إطاري متفق عليه بشكل مشترك للمحادثات، لكن مواقف الجانبين لا تزال متباعدة للغاية، وفقاً لأشخاص مطلعين على المناقشات.
ومن المقرر أن يلتقي، جرير وشيفكوفيتش، في باريس، الشهر المقبل، ومن المتوقع أن يُمثل هذا الاجتماع اختباراً حاسماً لقدرة الجانبين على تجنب تصعيد نزاعهما التجاري.
وتصرّ الولايات المتحدة على أن تعتمد بروكسل تدابير لخفض العجز التجاري البالغ 192 مليار يورو في عام 2024.
ويعتقد بعض دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي، أن الولايات المتحدة ستحافظ على نسبة 10% كخط أساس في أي اتفاق، وهو احتمال يقول العديد من وزراء التجارة في الاتحاد الأوروبي إنه قد "يؤدي إلى رد انتقامي".
وعبّرت سابين وياند، كبيرة مسؤولي التجارة في المفوضية الأوروبية، الأحد الماضي، عن رغبتها في "مواجهة المطالب الأميركية الأحادية الجانب باتفاقيات تعاونية".