اقتصاد

خبراء: الاقتصاد المصري قادر على عبور الأزمة دون خفض جديد للجنيه


محمد عصام:


نشر في:
الأحد 18 يونيو 2023 – 11:03 م
| آخر تحديث:
الأحد 18 يونيو 2023 – 11:03 م

على وقع تصريح الرئيس عبدالفتاح السيسى عن أزمة سعر الصرف فى المؤتمر الوطنى للشباب بمحافظة الإسكندرية، بأن الحكومة يجب أن تكون على قدر كبير من الحذر عند الاقتراب من سعر الصرف، خاصة مع انعكاسه بشكل مباشر على المواطن، يرى عدد من الخبراء أن الاقتصاد المصرى ليس مهيأ فى الوقت الحالى؛ لتنفيذ سياسة سعر الصرف المرن، التى تضغط عددا من الجهات الدولية لتنفيذها دون مراعاة لما ستحمله من تداعيات سلبية على حياة المواطنين، وقد يؤدى اتباعها إلى انهيار حاد وأكبر فى قيمة الجنيه، مشيرين إلى أن هناك العديد من المسارات الاقتصادية الأخرى التى يمكن للحكومة أن تسلكها لعبور الأزمة، بعيدًا عن تخفيض سعر الصرف لتدبير العملة الصعبة.

وأكد الرئيس السيسى، خلال تعليق الأسبوع الماضى على أزمة سعر الصرف فى المؤتمر الوطنى للشباب بمحافظة الإسكندرية، أن الحكومة يجب أن تكون على قدر كبير من الحذر عند الاقتراب من سعر الصرف، لأن أى تحرك فى سعر الصرف يكون له تباعات سلبية على تسعير الخدمات والسلع الأساسية، وينتج عنه ارتفاع حاد فى مستويات التضخم، قائلا: «إن سعر الصرف الآن مرن.. ولكن عندما يتعرض هذا لأمن مصر القومى ويؤثر سلبا على حياة المصريين فـ لا لا لا، حتى لو كان يتعارض مع جهات أخرى».

ومنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية فى فبراير 2022، ارتفعت تكاليف استيراد السلع على مصر، وخرجت من البلاد استثمارات أجنبية بقيمة 22 مليار دولار، مع بدء الفيدرالى الأمريكى رفع الفائدة بوتيرة هى الأعلى منذ 2008، ما تسبب فى ضغوط كبيرة على الجنيه المصرى حاول البنك المركزى تخفيفها بتخفيض جزئى فى قيمة العملة، أكثر من مرة لتتراجع من 15.70 جنيه إلى 30.95 جنيه حاليا، وهو ما تبعه ارتفاع قياسى فى مستويات التضخم لتسجل بنهاية مايو الماضى 33.7% على أساس سنوى.

واضطرت مصر لتخفيض حدة الأزمة للجوء لصندوق النقد الدولى، ووقعت فى أكتوبر الماضى اتفاق تسهيل ائتمانى ممددا مع الصندوق بقيمة 3 مليارات دولار لمدة 46 شهرا يتم بموجبه تنفيذ حزمة سياسات شاملة بهدف الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلى وتمهيد الطريق لنمو شامل يقوده القطاع الخاص، فيما تتضمن الحزمة تحولا دائما لنظام سعر صرف مرن، وسياسة نقدية تستهدف خفضا تدريجيا للتضخم وضبط أوضاع المالية العامة لضمان مسار هابط للدين العام مع تعزيز شبكات الأمان الاجتماعى لحماية الفئات الأكثر احتياجا، وفق بيان سابق للصندوق.

قال محمد أنيس الخبير الاقتصادى، إن تنفيذ أى من السياسات الاقتصادية يجب أن يحدد بناء على الأهداف منها، فإذا كان تحرير سعر الصرف كليًا أو استمرار تخفيض قيمة الجنيه بشكل جزئى سيساعد فى سد الفجوة التمويلية الحالية، فتنفيذه أمر لا بد منه، ولكن فى التوقيت الحالى لن يحقق تخفيض قيمة الجنيه هذا الأمر، كما أن الأسواق العالمية تشهد أوضاعا صعبة فى ظل ارتفاع أسعار الفائدة على الدولار إلى مستويات غير مسبوقة 5.25% ما يجعل من الصعب جذب الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة مهما بلغت التخفيضات فى قيمة العملة.

وتابع أن «التحرير الكامل لسعر الصرف حاليًا والذى تطالب به عدد من المؤسسات العالمية لن يؤدى إلى جذب التدفقات النقدية بالعملة الصعبة على الاقتصاد، بل سيدفع نحو مزيد من المضاربات على سعر الصرف، وسيطرة الطلب مع نقص المعروض وهو ما سيجعل الجنيه مقوما بأقل من قيمته العادلة ويوجه البلاد إلى موجة تضخمية من الصعب السيطرة عليها.

وقال «أنيس»، إن السعر التوازنى للجنيه المصرى منذ يناير الماضى يدور حول 30 و32 جنيها، وبالرغم من وصوله إلى تلك المستويات متأخرًا، لم تنتعش التدفقات النقدية على الاقتصاد المصرى ولم تسد الفجوة التمويلية، بل طالب العديد من التقارير الدولية بإجراء المزيد من التخفيضات فى قيمة العملة، «فماذا لو تم التحرير الكامل للعملة كما يطلب صندوق النقد الدولى؟.. ربما سيشهد الجنيه سقوطا حرا مثل السقوط الذى تتعرض له الليرة التركية حاليًا، حيث تتبع الحكومة هناك سياسة سعر صرف مرن لتحديد قيمتها منذ سنوات؛ لذلك فى ظل المناخ الاقتصادى العالمى، والذى كان له تداعيات على الاقتصاد المصرى من غير المواتى تنفيذ سياسة سعر صرف مرن فى مصر».

وأضاف أنيس، «فى 2016 عندما كان تخفيض سعر الصرف إيجابيا شهدنا انتعاشة فورية فى التدفقات النقدية بالعملة الصعبة، لأن الانخفاض حدث فى توقيت مناسب، ولم يكن الاقتصاد العالمى يمر بالظروف التى يمر بها حاليا».

ونجحت مصر فى صرف الشريحة الأولى من اتفاق مع صندوق النقد الدولى بقيمة 347 مليون دولار فى ديسمبر الماضى، وكان من المقرر صرف الشريحة الثانية من القرض بنفس القيمة فى مارس الماضى، لكن حتى الآن لم تنته مراجعة الصندوق.

قال الخبير الاقتصادى، مصطفى بدرة، إن سعر الصرف الحالى البالغ 30.95 دولار عادل مقارنة بحجم قيمة التمويلات التى يحتاجها الاقتصاد المصرى؛ لسد الفجوة التمويلية الخارجية وقيمة الموارد الدولارية، ومن الممكن أن يقل عن تلك القيم، ولكن نتيجة للضغوط الإعلامية والتقارير الاقتصادية الخارجية المغلوطة وغير الشفافة والمطالبات الدائمة بتخفيض العملة، تستمر قيمة الجنيه فى تراجع مستمر.

وأضاف أن التقارير الاقتصادية العالمية تتحدث عن تعويم جديد للجنيه، والوصل به إلى قيم خرافية أمام الدولار، دون مراعاة حقيقة الوضع الاقتصادى لمصر، والذى يشهد تحسنا فى الإيرادات الدولارية منذ بداية العام، ما يساعد على خفض الفجوة التمويلية دون الحاجة للاقتراض الخارجى بنسب كبيرة، حيث تتجاهل هذه التقارير زيادة حصيلة الإيرادات الدولارية للبلاد من مصادرها الاساسية مثل انتعاشة قطاع السياحة، أو دخول إيرادات من مصادر أخرى لم تكن متوفرة مثل تصدير الغاز الطبيعى، أو تجديد ودائع دولارية من قبل دول الخليج، أو زيادة الاحتياطى النقدى.

وأشار إلى أنه حتى بعد تخفيض قيمة العملة مرة أخرى أو تحريرها بشكل كامل وتنفيذ برنامج بيع الأصول كما يطلب صندوق النقد، لن يجنى الاقتصاد المصرى أكثر من 10 مليارات دولار على أكثر التوقعات المتفائلة، قائلا تلك الأموال قد تنجح فى سد الفجوة الدولارية لعام مالى واحد فقط، فماذا سنفعل فى باقى الاعوام المالية، مما يؤكد عدم دقة تعليمات الصندوق».

وتابع أن تصريحات الرئيس السيسى حسمت الأمر بالفعل بأنه إذا استمرت الضغوط من الخارج على تخفيض قيمة العملة لمستويات تؤثر سلبا على حياة المواطنين فإنها لن تنفذ، على أن يتم اتباع مسار تصحيح برفع معدلات الصادرات وتحسين اعداد السائحين ومناخ الاستثمار الاجنبى، ملمحا إلى أن الأسعار السائدة فى البنوك هى العادلة.