اخر الاخبار

أسامة إبراهيم يكتب : المأزقِ التاريخيِ والموروث الفكري


























اسامة إبراهيم










“لا سبيلَ إلى الخروجِ من المأزقِ التاريخيِ والموروث الفكري الذي أسّسَ المكوّنَ الثقافيَ للإرهابِ، وأدّى كذلكَ الى تخلّفِ العربِ، إلا باتباع كتابَ اللهِ في الارتقاءِ بالعقلِ، حيث جعل الله التدبر والتفكر فى كتابه فريضةً إلهيةً، وما يدعو إليهِ المسلمونَ في اتباعِ المنهجِ الإلهيِ في البحثِ العلميِ بتعميرِ الأرضِ والتمسكِ بالأخلاقِ والفضائلِ، والتقيد بتشريعاته التي أنزَلَها اللهُ على رسولِهِ في كتابٍ مبينٍ ليضَعَ أمامَهم خارطةَ طريقٍ تكونُ نبراساً للناسِ يحيون فيهاحياةً طيبةً يسودُها الرخاءُ والعدلُ والأمنُ والرحمةُ والسلام”.
 كلما طالعت  كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي” أتوقف كثيراً أمام الكلمات السابقة التي ذكرها مفكر العرب الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي، مؤلف هذا الكتاب الذي صدر منذ عدة سنوات عن مؤسسة رسالة السلام العالمية.
خضم هائل من المقولات والأحاديث المنسوبة للرسول التي يصل عددها لمئات الآلاف، ومع ذلك لا يوجد شيء يمكن التيقن منه أو الركون إليه، بعد أن تداخل الكذب في الصدق. وعشش الوهم داخل أنسجة الحقيقة. 
وفي رأيي أن كتب التاريخ الديني التي تدرس لتلاميذ المدارس في المراحل المختلفة، هي أسوأ أنواع الكتابة التاريخية، فهي ليست فقط مليئة بالثغرات وإهمال العصور والشخصيات وتسليط الضوء على  بعضها الآخر، بل إنها تفتقر أيضاً إلى الأسس العلمية المتعارف عليها في كتابة التاريخ. فينجم عنها في النهاية صورة محنطة للتاريخ يرددها التلاميذ كالببغاوات. 
وإذا استثنينا كتب التاريخ الدينية المدرسية وانتقلنا إلى المؤلفات التاريخية التي تزخر بها المكتبات العربية، نجد أنها تبرز الوجه التلفيقي للتاريخ من خلال روايات فلان وعلان. وهكذا تحولت الفتن والأحداث الدامية إلى قصص بطولات تصدر لنا ونعتبرها من المسلمات. 
    المدهش أن أوراق التاريخ الصفراء تعرض الحقيقة ونقيضها بالدرجة نفسها من القوة والإحكام وكان تاريخنا يعتمد على الذاكرة الشخصية، وتتحكم في ذات المؤرخ نوازع الخوف والرهبة والتوقي من المسلمات التي عششت في الأذهان.. إنه بحق تاريخ خائف مرتعد. 
  وإذا جئنا إلى كتب التاريخ الديني المعاصر التي تدعي الأكاديمية والموضوعية وتدعم روايتها بالوثائق، فتفاجأ بأن الأحداث تنقلب أحيانا من النقيض إلى النقيض. ولا عجب في ذلك، فكل مؤرخ يقرأ التاريخ وفق منظور معين ويقدم له تفسيراً مختلفاً. وبالتالي فإن جزءاً رئيسياً من التاريخ يظل ملفقاً. ويبدو أننا لكثرة ما نعيش في  الماضي لا تستطيع أن نراه جيداً. فالروايات  تكتسب بالتقادم قدسية لا  يمكن المساس بها. ويلبس السفاحون ثياب الصالحين، فينتج عن كل ما سبق أننا نفتقد ذلك العقل الحر القادر على  الجدل بحيث يفرق بين ما هو  أصيل وما هو زائف. 
وفي الختام، نتوقف عند مقولة أخرى للمفكر العربي الأستاذ علي الشرفاء، وهي أنه باستقراء التاريخ نرى الفرق والمذاهب أغرقت العالم العربي والإسلامي فى الماضى بالدماء والسبي والقتال، وارتكبوا الجرائم البشعة وأذاقوا الناس ويلات الخوف والفزع، اعتماداً واسترشاداً بروايات ما أنزل الله بها من سلطان، فأصاب أمتنا العربية ما أصابها من مآسى وأهوال وتدمير للمدن والقرى، وتحويل أبنائها إلى لاجئين بالملايين.

كاتب المقال : إعلامي وكاتب، عضو مجلس إدارة مؤسسة رسالة السلام العالمية