أمة علي حافة السراب || خانت قرآنها فخانها التاريخ .. أغلقت المصاحف وغرقت في صراعات مذهبية

ثمّة شيء عميق يطرق باب القلب .. وأنت تقرأ مقالة المفكر العربي الكبير علي الشرفاء الحمادي : ” أمة ضيعت القرآن وتقاتلت علي السراب ” .. ثمّة وجع يوقظ الضمير ونداء يطرق علي باب العقل والروح .. حينما تتصفح سطور المقال وتفاصيله .
كلمات علي الشرفاء تمضي في رحلة مؤلمة بين أنقاض الوعي ودروب من الحيرة والضياع .. فـ الرجل لا يقف على هامش مأساة أمة الإسلام يراقب .. انما يغوص في عمق الجرح و ينبش عن الأسئلة الممنوعة .. ويمر بـ أصابعه على جراح تنزف بلا توقف .. ثم .. ثم يطرح تساؤلاته الصعبة .. و .. و الأكثر وجعاً : ماذا تبقي من دين الإسلام في قلوب الناس بعد أن هجرو قرآنه وآياته البينات ؟! .. لماذا كان هذا النكران والهجران لـ كتاب الله ؟ .. ما الذي أصاب هذه الأمة ؟ وكيف تحوّل الدين فيها من نور إلى وقود صراع ؟ .. لماذا لا تعود إلى مصدر النور .. إلى القرآن ؟ .. كيف تمزقت أمة واحدة إلى طوائف ومذاهب وعقائد متصارعة متنافرة ؟ .
وأحسب أن ما كتبه ويكتبه الشرفاء الحمادي في الرد علي تلك الاستفسارات الموجعة .. ليس مجرد كلمات وعظية انما نداء من أعماق العقل والقلب والروح .. نداء يطالب فيه أمة محمد بـ أن تفتح أعينها وقلوبها وآذانها .. وأن تُصغي إلى حديث القرآن لا إلى حديث التراث .. أن تستعيد ما فقدته من ” الوعي والرحمة والجوهر الحقيقي لـ دين الله الحنيف ” .
وفي كلمات كلها أسف ووجع .. يبين علي الشرفاء أن أمة القرآن لم تعد تقرأ القرآن .. ابتعدت عن النبع الصافي ” كلام الله وآياته البينات ” .. وباتت تأخذ تعاليم دينها الحنيف مشوّهة ومعادَ تشكيلها عبر روايات وهواجس فكرية منقوصة.. حتي غرّقت في نصوص موازية وعقائد مُعلّبة وأهواء شخصية تتزيّا بزيّ الدين .. وكانت النتيجة الحتمية لـ هذا الهجران والنكران .. هو تفكيك لـ أمة الإسلام .. تفكيك تم بـ خبث فائق على مر قرون طويلة .. ونجح أعداء الدين في انتُزع القرآن الكريم من أيدي الناس .. وغُلّفوه بـ حجاب كثيف من التفسيرات المتضاربة والمرويات المتشابكة .. حتى غدت الحقيقة القرآنية أكثر غرابة من الخيال ذاته .
ولا يكتفي علي الشرفاء هنا بـ الإشارة إلى هذا الخلل البنيوي الذي اصاب دين الله .. إنما يذهب إلى تفكيك هذا الخلل بدقة منهجية فائقة دون انفعال غوغائي ودون مجاملةٍ مزيّفة .. إذ يفند بـ القرآن منظومة التزييف التي أطاحت بـ جوهر الرسالة الالهية .. يطرح الحجة ويسوق الدليل متسلحاً بـ حديث الرحمن .. كي يستعيد صوت القرآن إلى القلوب الميتة والعقول المتحجرة .
مؤكداً في مقاله علي أن أكثر من 530 آية قرآنية .. تتناول ” التشريع والسلوك والمعاملات والمحرمات وحقوق الإنسان والرحمة والكرامة ” .. وللأسف جميعها آيات تم تهميشها عمداً وجرى إقصاؤها لـ صالح سرديات بشرية بديلة صنعتها السياسة وروّجت لها الطائفية .. واستثمرت فيها جماعات متطرفة لـ تحقيق نفوذ زائف وسلطة زائلة .. وهنا أُقصيت الكلمة الإلهية لـ صالح تلك النصوص البشرية المنقوصة .. هنا تبدلت المعايير وتحوّل الدين من رسالة تحرير إلى أداة تقييد وإقصاء تبرر القتل وسفك الدم والروح البريئة .. نعم .. عندما هجر الناس القرآن ضاعت منهم القيمة الصادقة والرؤية الثاقبة .. وغرقوا في صراعات وقتل واستبداد وطمع وقمع .
.. علي الشرفاء لا يتحدث أيضا في مقاله عن العبادات ولا عن العقيدة بـ المعنى الفقهي .. إذ يري أن مشكلة الأمة لم تعد في الصلاة والصيام بل في الضمير وفي التسامح المعدوم وفي الكرامة المنسية .. وفي مسلم يسرق ويكذب ويغدر .. ثم .. ثم يصلي مطمئناُ دون أدني احساس بـ الجريرة والذنب .. وذلك لانه لم يعُد يعرف شروط الإسلام ولا مقاصده السمحة المنصوص عليها في كتابه الكريم .. فقد حفظ الناس الشكل ونسوا الجوهر .. حتي وقعت الكارثة .
يا أمة محمد : القرآن ليس غائباً عنا بل نحن الذين غبنا عنه .. يا أمة محمد : ثمة نور هناك ينتظر من يعود اليه .. افتحوا القرآن فربما بين سطوره تجدوا طريق النجاه .
اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد .