الإسلام ليس وراثة بل عهد ومسؤولية

هناك كلمات عندما تُقرأها تُلامس القلب والروح والوجدان .. كلمات تأتي من أعماق الصدق كي تخلع عنا رداء الزيف والزور .. كلمات تدفع بنا نحو ايمان صادق .. ووعي ناضج بـ رسالة الله والرحمن .
كلمات أشبه بـ نداء يخترق جدران الغفلة .. ثم .. ثم تنفذ إلى القلب كما تنفذ قطرة الماء إلى الارض العطشى .. نداء يوقظ الإنسان الباحث عن حقيقة الإيمان وأصل الدين .. الإنسان المترقب إلى النور .. و .. و إلى حقيقة انتمائه الي دين الله الاسلام .
فـ من هم المسلمون ؟ .. سؤال جرئ مطروح في مقال اجرأ لـ كاتبه المفكر العربي الكبير علي الشرفاء الحمادي .. ربما يكون السؤال في ظاهره بسيط .. لكن باطنه يحمل زلزال روحي يأسر الوجدان ويهز القلب .. ثم يحرك العقل كي يفكر ويتدبر .. لـ ينتقل من الإسلام الوراثي .. إلى الايمان اليقظ القانع والمقتنع بـ صدق الرسالة المحمدية وعظمتها .
وهنا علي الشرفاء لا يطرح لنا مجرد معلومات في مقال .. انما ينادي قلوب الناس وعقولها .. بعد أن ران عليها غبار السنين .. وطال بها سُبات طويل علي مر قرون وقرون .
يريد علي الشرفاء ان يزرع في كل إنسان منا سؤال عميق : هل نحن مسلمون بـ الإرث أم مؤمنين حقاً بـ آيات الله وقرآنه الكريم ؟ .. يريد من خلال لغة رصينة ومقال مشبع بـ خطاب عاقل .. يمزج فيه بين نداء الروح وقدسية الآيات أن يعود بنا الي أصل الدين .. الذي ضاع منا في زحمة الشعارات وتكدس الروايات .. يريد أن يعود بنا إلى القرآن جوهر الدين وأصل الرسالة .. و .. و أول منبع للنور والهداية .
وهنا تأتي عظمة الآية الكريمة التي افتتح بها الشرفاء الحمادي مقاله الجرئ .. آية تقف شامخة لـ تكون نبراساً للهدي وطريق النور .. إذ يقول المولي سبحانه وتعالي في سورة الزخرف : ” يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ﴿٦٨﴾ الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ﴿٦٩﴾ ” .. صدق الله العظيم .
رسالة الآية القرآنية جلية لا لبث فيها ولا غموض .. رسالة مفادها أن المسلم ليس مجرد من ينطق بـ الشهادتين .. إنما هو من آمن بـ آيات الرحمن حق الإيمان .. من عاشها وتشبع بها .. ثم .. ثم جعلها نهجاً لـ دينه ودنياه .. وهذا الإيمان ليس رفاهية .. إنما هو إيمان المسؤولية .. و قرار حرّ يتخذه الإنسان في مواجهة شيطان الدنيا و أبليس النفس .
ولعل ما يدهشك في مقال علي الشرفاء هو تلك المفارقة الموجعة والمؤلمة بين فئتين : ” فئة آمنت بـ آيات الرحمن وسكنت الطمأنينة في قلوبها .. وفئة أعرضت عن ذكر الله وكفرت بـ الآيات فـ ساقها الله إلى جهنم زُمَرًا تجرّها ذيول الحسرة والندم ” .
ولا تستطيع وأنت تقرأ سطور المقال ان تغفل نبرة الحزن المسيطرة علي حروف المفكر الكبير علي الشرفاء .. حزن علي حال أمة ضلت السبيل .. وصدقت الرواة .. وأعرضت عن كتاب الله .. وجعلت الدين طقوساً جامدة لا روح فيها .. وحولت منهجة الرباني والأخلاقي العظيم إلى صراع مذهبي وطائفي .. صراع يقتل فيه الإنسان أخاه الإنسان بـ أسم الله وأسم الدين .
ويقدّم المقال نقداً صريحاً لا مواربة فيه .. لـ أولئك الذين حجّبوا نور القرآن .. بـ روايات وتأويلات ما أنزل الله بها من سلطان .. وجعلوا من الإسلام ديناً جامداً يُفصّل على مقاسات المصالح والأهواء .. إذ يقول الحمادي : لقد خدعوا الناس بـ شهادة ” لا إله إلا الله محمد رسول الله ” .. دون تدبّر معني الشهادة ومقاصدها الالهية .. و دون أن يُكلفوا أنفسهم عناء فهم آيات القرآن ومعرفة مقاصدها وتشريعاتها الإلهية .
فـ الشهادة ليست كلماتٍ تُقال إنما هي عهد مع الله .. يعيش المسلم تفاصيله في الحياة .. هي منهج يسري في السلوك والأخلاق والمعاملات .. الشهادة نورٌ إلهي لابد وأن يُترجم إلى أسلوب حياة .
وهنا يبلغ المقال ذروته الروحية .. حيث يصور الحياة أشبة بـ معركة مقدسة ضد الشيطان الكامن داخل كل إنسان .. ضد الغرائز والظلم و ًالبغي والطغيان .. فـ القرآن سلاح روحي نواجه به غوايات الدنيا وشياطينها .
وما أقسى مشهد الختام الذي يرسمه علي الشرفاء في سطور مقاله .. لـ أولئك الذين سيقوا إلى الجحيم .. وهم ينادون ربهم بـ قوله عز وجل في سورة فاطر : ” وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ۖ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ” .. صدق الله العظيم .
لكنه نداء الوقت الضائع .. فقد فات أوانهم وأضاعوا حياتهم في طقوسٍ لا روح فيها .. ضاعت منهم الدنيا في إيمان بلا عمل .. وتبعية عمياء لمن ضلّ الناس وأضلّهم .
وأحسب أن علي الشرفاء في مقاله لا يفرض علي الناس معتقداً .. إنما يضعهم أمام مرآة الحقيقة ثم .. ثم يتركهم كي يختاروا بين الحق والضلال .. إما أن يكونوا مسلمون بـ ايمان واعي و بـ آيات الرحمن وشرعة الله ومنهاجه .. وإما يكتفون بـ قشور الدين ويتركون الروح تتآكل في صمت .
يتركهم علي الشرفاء أمام مصيرهم .. وأمام القرآن كتاب الله المفتوح الذي لا يأتيه الباطل ولا يمسه سوء أو تحريف .
اللهم اجعلنا من الذين آمنوا بـ آياتك .. واهتدوا بـ نورك وقرآنك .. وسلكوا دروب رضاك وهداك .
اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد .