الرئيس الصيني يوافق على وضع «تيك توك» تحت الملكية الأميركية

تصريحات ترمب عن أوكرانيا بين «التكتيك التفاوضي» والغموض
ما زالت التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي دونالد ترمب حول الحرب في أوكرانيا تثير جدلاً واسعاً داخل الولايات المتحدة وخارجها، بعدما فاجأ جمهوره السياسي بخطاب غاضب تجاه موسكو. وفيما رأى مسؤول أميركي كبير في البيت الأبيض أنه مجرد «تكتيك تفاوضي»، عدّه آخرون مؤشراً على احتمال أن ينفض يده من الصراع الذي يقترب من إنهاء عامه الرابع.
وبينما انشغل المسؤولون في واشنطن بتقييم مغزى هذه التصريحات، انقسم الحلفاء الأوروبيون بين الترحيب الحذر والريبة الصامتة، في حين بدا الكرملين مصمماً على الاستهانة بالخطاب الجديد.
ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن المسؤول الأميركي الكبير وصفه نبرة الرئيس الأخيرة بأنها انعكاس «لإحباط متزايد من فلاديمير بوتين»، مؤكداً أن ما يقوم به ترمب لا يعكس تحولاً جذرياً بقدر ما ينطلق من سؤال واحد: «كيف يمكننا إبرام صفقة؟». هذا التفسير لم يمنع سيل الانتقادات من مشرعين وخبراء رأوا في الخطاب الجديد دليلاً آخر على تذبذب الرئيس، وغياب أي خطوات عملية تترجم وعوده.
النائب غريغوري ميكس، كبير الديمقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، عدّ إعلان ترمب بأن أوكرانيا قادرة على استعادة كامل أراضيها بأنه «كلام رخيص»، ما لم يقترن بتشريع عقوبات مباشرة على روسيا، وتوفير مزيد من الأسلحة لكييف. وأضاف أنه مستعد للتعاون مع الجمهوريين، ولا سيما السيناتور ليندسي غراهام الذي يعمل مع الديمقراطيين على مشروع قرار لفرض عقوبات قاسية إذا فشلت ضغوط البيت الأبيض، لكنه شكك في جدية الرئيس قائلاً إن مواقفه على منصة «تروث سوشيال» لا تُبنى عليها سياسة حقيقية.
في المقابل، بدا السيناتور الجمهوري المخضرم ميتش ماكونيل أكثر ميلاً لإعطاء الخطاب بعداً إيجابياً؛ إذ رأى أن ترمب حدّد روسيا «كمعتدٍ بوضوح». لكنه حذّر من أن بعض مسؤولي البنتاغون «يقوضون جهود الرئيس» عبر تقييد المساعدات الأمنية أو إلقاء اللوم على حلفاء الناتو.
وكتب ماكونيل في مذكرة داخلية أن «على القائد الأعلى ألا يتسامح مع سياسات مستقلة تضعف نفوذه»، في إشارة ضمنية إلى تصريحات وزير الدفاع بيت هيغسيث حول تخفيضات في التدريب العسكري لدول حدودية مع روسيا.
أما وزير الخارجية ماركو روبيو فقد سعى إلى تهدئة الانطباعات، مؤكداً في نيويورك أن الحرب ستنتهي «على طاولة المفاوضات وليس في ساحة المعركة»، في إعادة تأكيد على الموقف الأميركي التقليدي.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، تومي بيجوت، في بيان، إن وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، دعا، خلال اجتماعه مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، الأربعاء، إلى وضع حد لإراقة الدماء في حرب أوكرانيا، حيث «كرر روبيو دعوة الرئيس ترمب إلى وقف أعمال القتل، وضرورة أن تتخذ موسكو خطوات ملموسة نحو حل دائم للحرب الروسية – الأوكرانية». ولم يصدر في البداية أي تعليق من الجانب الروسي عن الاجتماع.
أحد المسؤولين أضاف أن ترمب «ما زال مستعداً لاستخدام الرسوم الجمركية على موسكو» إذا لم تتوقف أوروبا عن شراء الطاقة الروسية، ما عُدّ إشارة إلى تمسكه بأدوات ضغط اقتصادية غير تقليدية بدلاً من العقوبات الكلاسيكية.
في أوساط الخبراء انقسمت القراءات. بيتر دوران، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، رأى في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن إحباط ترمب من روسيا يتصاعد منذ أشهر، بعدما رد بوتين على مبادراته الدبلوماسية بمزيد من القصف ضد المدنيين. وقال دوران إن «صبر الرئيس نفد أخيراً، ومن غير المرجح أن يتغير»، مضيفاً أن وصف روسيا بأنها «نمر من ورق» يعكس فقدان الثقة بقدرات موسكو.
لكن ريتشارد فونتين، الرئيس التنفيذي لمركز الأمن الأميركي الجديد، قال لصحيفة «نيويورك تايمز» إن خطاب ترمب «تحليل وليس سياسة»، معتبراً أن الرئيس «يتأرجح بين رؤى متطرفة»؛ فمرة يقول إن كييف لا تملك فرصة للفوز، ومرة أخرى يؤكد أنها قادرة على استعادة كامل أراضيها. وبرأيه فإن هذه المواقف تعكس نزعة تكتيكية أكثر منها استراتيجية، ولا تعني تغيراً جوهرياً في النهج الأميركي.
حتى داخل البنتاغون، عبّرت أصوات عن قلق من غياب الفعل وراء الكلام. لورا كوبر، المسؤولة السابقة عن ملف روسيا وأوكرانيا، قالت إن بوتين «يراقب الدعم الأميركي مادياً، وليس مجرد خطابات»، لافتة إلى أن المساعدات الأوروبية باتت تشكّل المصدر الأساسي لدعم كييف مع تراجع الحصة الأميركية. وأضافت: «من غير الواضح كيف يمكن تحقيق السلام من دون دعم واشنطن».
ورغم هذا التردد، فقد كان وقْع التصريحات مختلفاً في كييف.
مسؤول أوكراني كبير وصف لقاء الرئيس فولوديمير زيلينسكي مع ترمب بأنه «إيجابي»، مشيراً إلى أن مجرد تغيير النبرة الأميركية يمنح الجمهوريين في واشنطن غطاءً لمواقف أكثر صرامة تجاه روسيا. بالنسبة لزيلينسكي، بدا التحول انتصاراً سياسياً بعد أشهر من الضغوط التي مورست عليه للقبول بتسوية إقليمية. وقال بيتر دوران لـ«الشرق الأوسط»، إن «تصريحات ترمب بأن أوكرانيا قادرة على الفوز تعكس قيادة قوية من كلا الزعيمين، وستزداد قوة إذا سارع الرئيس إلى تشديد العقوبات الثانوية على مشتري الطاقة الروسية».
وقال زيلينسكي إنه مستعد للتنحي بعد انتهاء الحرب مع روسيا. وأردف قائلاً لموقع «أكسيوس» الإخباري: «هدفي هو إنهاء الحرب»، وليس الاستمرار في المنصب.
وأضاف «أردت بشدة، في فترة زمنية صعبة للغاية، أن أخدم بلدي. هدفي هو إنهاء الحرب»، وأكد زيلينسكي أنه سيطلب من البرلمان الأوكراني تنظيم انتخابات إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق النار. ونتيجة لذلك شككت روسيا مراراً وتكراراً في شرعية زيلينسكي بوصفه زعيماً.
أما في أوروبا فقد انقسمت المواقف بين الترحيب والريبة. وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي أجاب ضاحكاً: «إن شاء الله»، حين سُئل إن كان يعتقد أن ترمب غيّر موقفه فعلاً، مضيفاً أن الرئيس الأميركي «يحب دعم الفائزين، وربما قرر أن أوكرانيا لديها فرصة في النهاية».
وفي إستونيا، وصف وزير الخارجية مارغوس تساهكنا الخطاب الجديد بأنه «تغيير مهم للغاية»، مؤكداً أن الرسالة واضحة: «أوكرانيا ستنتصر». أما لندن فتعاملت بحذر أكبر. رئيس الوزراء كير ستارمر قال إن بوتين لا يستجيب إلا للضغط الأميركي المكثف، بينما رأى مسؤول بريطاني أن «اقتراح ترمب لا يبدل شيئاً في الوضع الراهن».
وأكد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، أن الحلف مستمر في دعمه لأوكرانيا، بما في ذلك إمدادها بالأسلحة والإمدادات الأميركية التي يمولها الحلف. وأضاف عبر منصة «إكس» أنه عقد اجتماعاً جيداً، أمس، مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وشدد على أن الناتو يواصل العمل لضمان قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها.
في المقابل، حرص زيلينسكي على استثمار الموقف في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، واصفاً التحول بأنه «مغيّر لقواعد اللعبة»، لكنه لم يُخفِ استمرار حاجته إلى المال والتكنولوجيا والاستخبارات والجنود. وأقر بأن الصراع مع روسيا تفاقم بسبب «انهيار القانون الدولي»، قبل أن يضيف بواقعية: «الأمن لا يأتي من القوانين والقرارات، بل من الأصدقاء والأسلحة».
هذه الازدواجية في تلقي تصريحات ترمب تعكس إلى حد بعيد نمطه في السياسة الخارجية. فمنذ بداية ولايته الثانية، أظهر استعداداً للانتقال من لهجة التصعيد إلى الدعوة للمساومة تبعاً للظرف السياسي والجمهور المستهدف؛ مرة يصف الجيش الروسي بأنه «نمر من ورق»، ومرة أخرى يشيد بقوة موسكو الاقتصادية والعسكرية. النتيجة، كما قال أحد المسؤولين الأميركيين، أن «كلا الجانبين يحاول استمالته، لكن شيئاً لم يتغير على الأرض».
غير أن منتقديه يرون أن ما بدا دعماً قوياً لكييف قد يكون في الواقع تمهيداً للتراجع عن أي دور مباشر في الحرب.
وقال مستشار سابق: «ترمب متقلب المزاج، وتدفعه مشاعر الغضب أكثر من الحسابات الاستراتيجية»، وهو ما يجعل التنبؤ بمواقفه بالغ الصعوبة، ويجعل الحلفاء في أوروبا والخصوم في موسكو يتعاملون بحذر مع كل تصريح جديد. ويبقى السؤال: هل تصريحات ترمب ورقة في لعبة تفاوضية أكبر مع بوتين، أم بداية لمسار جديد يضع أوكرانيا في موقع أقوى؟ حتى الآن، المؤكد أن أقوال الرئيس الأميركي تواصل إرباك الساحة السياسية من دون أن تغيّر في المعادلة الميدانية.