الزكاة كما أرادها الله .. فريضة إلهية تُطهّر الأرواح .. وتُعيد صياغة المجتمع بالرحمة والعدل

حين تفقد فريضة الزكاة معناها .. ثم .. ثم يتحول الواجب الرباني إلى طقس موسمي جامد .. عندئذ يتسلل الجفاف إلى الأرواح .. وتتقوقع القلوب خلف حسابات البخل والشُح .. أما .. أما حين تُفهم الزكاة بمعانيها الإنسانية كما أرادها المولي عز وجل .. عندئذٍ تتحول المجتمعات إلى جسد واحد .. لا يجوع فيه محتاج .. ولا يتعرى فيه جسد .
- رسالة إلهية تُعيد التوازن للمجتمع
فالزكاة ليست مجرد فريضة مالية تُؤدى نهاية العام .. بل هي روح من الرحمة تتجلى كلما جاء الرزق .. هي رسالة إلهية تُعيد التوازن للمجتمع .. كي تكسر حاجز الجشع وتجعل من الإنفاق طريقاً للطهر .. ومن العطاء سبيلاً للعدل .. وتتحول معها المجتمعات من ساحات فقر ومعاناة إلى واحات تكافل وكرامة إنسانية .
إنها رؤية إلهية تخرج بـ الفريضة الربانية من سجن الحسابات الجامدة ..إلي تجسيداً عملياً للرحمة وتعبيراً مباشراً عن الإيمان الحي .. حيث يتقدس العطاء .. ويتلاشى الفقر .. ويُبعث المجتمع من جديد على أُسس التكافل والكرامة .. و .. و هكذا تتحقق الرسالة .
- طُهرٌ للروح ودواء للأنانية
وعندما نتصفح فصول كتاب المفكر العربي الكبير علي الشرفاء الحمادي ” الزكاة صدقة وقرض حسن ” .. الصادر عن مؤسسة رسالة السلام .. تجده يرسخ معاني عظيمة لهذا الفرض الإلهي الذي تحول في كثير من مجتمعاتنا الي مجرد طقس موسمي جامد .. إذ يبعث الكتاب برسائل توعية الي كل الناس .. تؤكد لهم علي أن الزكاة ليست مجرد مالاً يُقتطع .. بل هي طُهرٌ للروح ودواء للأنانية ومفتاحٌ لسلمٍ اجتماعي تنشده الإنسانية منذ فجر التاريخ .. الزكاة ليست مرتبطة بزمان .. ولا محصورة في أرقام محفوظة .. بل هي عبادة تُطبّق كلما تنفس الإنسان خيراً .

- مبدأ إلهي نابض بالحياة
ويفتح لنا علي الشرفاء نوافذ الفهم العميق لمعاني الزكاة .. ليس كمجرد فريضة مفروضة بجمود الزمان والمكان .. بل كمبدأ إلهي نابض بالحياة .. متجدد مع كل لحظة يحقق فيها الإنسان كسباً أو ربحاً .. إذ ينفض الحمادي الغبار عن المفاهيم التقليدية ويُعيد ترتيب الوعي من جديد .. فالزكاة كما يراها في ضوء كتاب الله .. لا تقيدها تواريخ ولا تربطها مواسم .. بل هي التزام فوري حين يبارك الله لعبده في رزقه .. لا تحتاج إلى عام هجري كامل لتُستحق .. بل تُفرض بمجرد تحقق المكسب من نشاط سواء كان زراعياً أو صناعياً أو تجارياُ .
الزكاة ليست عبئاً دورياً .. بل هي نبض إنساني ومبدأ إلهي .. متى ما جاء الربح وجب السخاء .. ومتى بارك الله في الرزق وجب الوفاء بعشرين في المئة منه .. فلا مكان فيه للتسويف أو التأجيل .. لأن حاجة الناس لا تنتظر .. كما يفرّق الحمادي خلال سطور كتابة .. بين الزكاة التي فُرضت على القادرين عند تحقق الربح .. والصدقة التي تظل باباً مفتوحاً دائماً لمن أراد أن يغيث ويعين ويطهر نفسه .. ويرفع ميزان رحمة في الأرض .. كلٌ حسب استطاعته .. بلا حدود ولا شروط ولا مواعيد .

- تطبيقها يخمد نيران الفقر
وفي خطاب عقلاني مفعم بالإيمان يقول الشرفاء الحمادي في كتابه : من لا ربح له لا زكاة عليه ولا ذنب يحمله .. ومن لم يملك القدرة سقط عنه التكليف كما سقط عن غير القادر فريضة الحج .. إن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها .. ولا يأخذ من عباده إلا بما أعطاهم .. مستنداً إلي قوله سبحانه وتعالى في تحديد قيمة الزكاة : ” وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ .. ” صدق الله العظيم .. مؤكداً علي أن الخُمس يوازي الـ ” عشرون بالمئة ” .. وهي القيمة المحددة التي ترتقى بالمجتمع من الحضيض إلى الرخاء .. ومن الأنانية إلى التكافل .
ولو طبّقنا شرع الله كما أُنزل في كتابه .. لـ خمدت نيران الفقر وغابت صور المتسولين من الطرقات .. واختفت الطبقية وسادت الرحمة وتحول المجتمع إلى كيان متماسك .. متعاون يُغيث بعضه بعضاً .. بلا تفرقة بين مسلم وغير مسلم .. لأن الرحمة رسالة إنسانية لا تعرف حدود العقائد .
- أداة لتطهير النفس والمجتمع
وهكذا تتجلّى رؤية المفكر الشرفاء من خلال تأمله العميق في القرآن الكريم .. حيث تتكرر الدعوة إلى الزكاة في آياتٍ ناصعةٍ لا تحتمل التأويل .. بقولة عز وجل : ” وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ” .. وقوله سبحانه وتعالي : ” الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ ” .. صدق الله العظيم .
والزكاة هنا وفق رؤية الحمادي ليست مجرد فريضة بل بوصلة روحية .. ومنظومة اقتصادية وأداة لتطهير النفس والمجتمع على حد سواء .. وها هو علي الشرفاء بكلمات واضحة ومفاهيم ثاقبة .. يدعونا كي نعود إلى النبع الأصيل إلى القرآن الكريم .. حيث الشريعة الخالدة التي لا تحتاج وسيطاً أو تفسيراً بشرياً مشوشاً .. فقط تحتاج قلباً مؤمناً وعقلاً متدبراً ويداً تنفق كما أمرها الله سبحانه وتعالي .
فهل لنا أن نتخيل مجتمعاتنا لو التزمنا بهذه الرؤية الربانية ؟ .. ستتحول الأرض إلى واحة سلام .. وتتحقق رسالة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام : ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ” .. صدق الله العظيم .. اللهم إني قد بلغت .. اللهم فاشهد .