الزكاة مشروع نهضة وحياة .. إنقاذ لـ مجتمع نخره الجشع وأضعفته الفجوة الطبقية

يبدو أننا أمام ” رسالة ” تعيد ضبط ميزان الحياة .. أمام ” ثورة ” ناعمة تهز جذور الظلم الاجتماعي .. ” رسالة وثورة ” لا يتحول المال فيها إلى صنم .. ولا يُترك الإنسان فيها رهينة الفقر والحاجة .
ولعل ما يؤرق الضمير الإنساني هو أزدياد مجتمعاتنا جشعاً وتفككاً .. الأمر الذي يحتاج معة إلى تأملات فكرية جديدة تعدل ” ظل العود الأعوج ” .. وتزكي في النفوس ثورة روحية واجتماعية تمسّ عمق الضمير الإنساني .. ثم .. ثم تعيد صياغة العلاقة بين المال والكرامة و بين الإيمان والإنفاق .
من هنا تبرز لنا أهمية ما يطرحه المفكر العربي الكبير علي الشرفاء الحمادي في كتابه ” الزكاة صدقة وقرض حسن ” .. إذ يؤكد علي أن فريضة الزكاة ليست مجرد ” حق معلوم ” بل منظومة حياة كاملة .. وهندسة ربانية لـ إعادة ضبط ميزان العدالة الاجتماعية .. وبناء مجتمع لا يُهمل فيه محتاج .. ولا يُترك فيه غني أسير شحه وبخله .
هنا تبرز أهمية فريضة الزكاة في فكر وعقل علي الشرفاء كـ مشروع نهضة لا مجرد صدقة عابرة .. مشروع يفتح أفاقاً جديدة لـ فهم جديد .. يُترجم الإيمان إلى فعل حيّ ينبض بـ العطاء .. ويحوّل المال من وسيلة تكديس إلى قارب نجاة .. حتي لا يُترك فقير جائع .. ولا غني رهينة كنوزة وأسير خوفه من نقص المال وخسارته .
فـ حين تُفهم الزكاة على حقيقتها .. تصبح نظام إنقاذ شامل ووسيلة تُطفئ نيران الحقد والكراهية .. و .. و تزرع في القلوب معنى البر والعطاء والعدل .
وعندما يتحدث الشرفاء الحمادي عن الزكاة في كتابه .. فـ إن أول ما يكسر قيوده هو الفهم التقليدي القائم على المنة والتفضُّل .. فـ الفقراء لا يتلقّون ” منّة ” بل يأخذون حقهم المعلوم كما قرر القرآن الكريم بوضوح في قوله عز وجل : ” وفي أموالهم حقٌ للسائل والمحروم ” .. فـ المال ليس ملكية خاصة مطلقة بل أمانة واختبار إلهي .. والإنفاق منه فريضة لا اختيار .
ويذهب الشرفاء الحمادي إلى أبعد مما نعرف .. لـ يؤكد أن الإنفاق الحق لا يقف عند نسبة الـ 2.5% .. بل يبدأ من الخُمس 20% كـ حد أدنى لـ تحقيق التوازن .. وبالتالي هي ليست رقماً عشوائياً .. بل تصحيح مسار لـ مجتمع نخره الجشع وأضعفته الفجوة الطبقية.
لذا فـ التهلكة ليست فقط في الفقر بل في القلوب المتحجرة .. وهنا ينبغي التأكيد علي أن الزكاة ليست حماية للفقير فقط .. بل درع للأغنياء من قسوة القلب وفساد المال .. فـ حين يغيب الإنفاق لا يُولد الحقد فقط بل ينهار المجتمع من الداخل .. إذ يقول الله تعالي في محكم التنزيل : ” وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ” .. صدق الله العظيم .. فـ أي تهلكة أشد من كراهية الطبقات لـ بعضها البعض ؟
وحينما يتحدث علي الشرفاء عن ” البر ” .. فـ يري أن البر ليس كلمة عابرة في قاموس الإيمان .. موضحاً أن القرآن الكريم يرسم ملامحه بـ وضوح في قوله عز وجل : ” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ” .. صدق الله العظيم .. فـ أي إنفاق لا يوجعك قليلاً لا يطهرك كثيراً .. الإنفاق الحق هو ما يخرج من القلب لا من الجيب فقط .
ويعود الحمادي في مواضع أخري من كتابه ” الزكاة صدقة وقرض حسن ” .. لـ يكرر التأكيد علي أن الزكاة ليست صندوقاً بل جسراً يربط بين الغنى والرحمة .. بين من يملك ومن يحتاج .. بين النعمة والشكر .. وبين العطاء والرضا .. هي ليست فقط تطهيراً للمال بل إحياءٌ للقلوب .. وبناءٌ لـ مجتمع لا تُهان فيه الكرامة .. ولا يُطفأ فيه نور الأمل والعطاء .
ففي هذا الطرح الحمادي .. تتحول فريضة الزكاة من ممارسة موسمية إلى مشروع حضاري شامل .. لا تقتصر على دفع الأموال بل تبدأ من الإيمان الصادق .. وتصل إلى تحقيق الأمن المجتمعي والاقتصادي .. وخلق روح جديدة من التعاون والتعاطف الإنساني .. فـ حين تعود الزكاة إلى معناها الحقيقي لا تبقى مجرد عبادة .. بل تصبح وسيلة إنقاذ جماعي .. وثورة ناعمة تُعيد ترتيب الأولويات وتحيي قيم فاضلة فقدتها أمة الإسلام علي مر عقود وسنون .. فـ هل نقدر علي إعادة اكتشافها ؟ .. هل نستطيع أن نعيد بها بناء عالم جديد يُرضي الله ويرحم الإنسان ؟ .
الزكاة يا أمة الإسلام .. ليست عبئاً يُؤدى بل نوراً يُهتدى به .. هي وعد بـ الرحمة .. وعهد بـ العدالة .. وجسر نحو عالم أكثر إنسانية .. حين نفهمها حقّاً لا نجود بل نُصلح .. فـ ليكن العطاء أسلوب حياة لا موسماً عابراً .. فـ النهضة تبدأ من حيث يُردُّ الحق لـ إهله .
اللهم إني قد بلغت .. اللهم فاشهد .