السقوط في مصيدة الكهنة || الوسطاء أغرقوا المسلمين في كتب الزور .. فـ هجرو كتاب النور

كل شيء يبدأ من تساؤل بسيط : أين اختفى النور ؟ .. ولماذا هجرنا كتاب الله وآياته البينات ؟ .. لماذا نغرق في كتب مكدسة على رفوف التاريخ ؟ .. لماذا تاه منا المعنى .. ثم .. ثم تبدّد منا اليقين ؟ .. لماذا نبحث عن الرحمة في فتاوى البشر ونترك آيات رب البشر ؟ .. لماذا نطلب العدل من نصوص متصارعة تحرض علي الظلم والبغي والطغيان ؟ .
نعم لقد غرقت أمة الإسلام في خوف وخذلان .. باتت في حاجة ماسة لـ صوت مختلف .. صوت يوقظ الغافل ويحيي أجساد باتت أشبه بـ الرميم .. صوت يعيد ترتيب الحكاية ويسترد النور من غسق الظلام .. صوت يعود بنا إلى النقطة التي سكت عندها العقل وغاب فيها الضمير .. بعد أن تكاثرت فيها الأصوات .. و .. وتمكنت منها ملل وطوائف تتاجر بـ اسم الدين .
وعندما نقرأ ما بين السطور في مقال المفكر العربي الكبير علي الشرفاء الحمادي .. والذي يتحدث فيه عن ” هجر القرآن وصناعة الدين البديل ” .. تدرك ان صوت كتاباته هو الصوت الذي تحتاجه اليوم أمة الإسلام .. تحتاجه كي تواجه به مذاهب سلبت روح الدين .. وغيبت عنه روح الوحي الإلهي ونوره المبين .
يتحدث علي الشرفاء بـ صوت ينفذ إلى عمق الأزمة .. ثم .. ثم يكتب بـ قلب مفجوع على حال أمة .. أنزل الله عليها كتاب النور فهجرته الي كتب الزور .
إذ يضع علي الشرفاء الناس أمام مفارقة صادمة .. عندما يتساءل في مقاله قائلاً : هل ما نعيشه اليوم هو الإسلام الذي أنزله الله على نبيّه الأمين ؟ .. أم أننا أمام نسخة بشرية مشوّهة ؟! .. نسخة صُنعت عبر قرون من الاجتهادات المتضاربة والافتراءات المتراكمة .. حتى غدا الدين عند اصحاب الملل والطوائف ” صناعة بشرية ” أكثر من كونه وحي إلهي .
وهنا يؤكد الحمادي علي أن الخلل ليس في النص .. بل في الانحراف عن النص .. نعم هجر الناس مرجعية الدين ” القرآن الكريم ” .. واستبدلوه بـ روايات بشرية .. بعضها صحيح وأكثرها مختلق .. ومنسوب زوراً إلى النبي الكريم حتى بتنا أمام نصوص تغالب القرآن في قداسته .. وربما تقدمت عليه عند كثير من العقول .
وما يطرحه علي الشرفاء في مقاله ليس طعناً في الإسلام .. انما هو دعوة صادقة إلى الإسلام الحقيقي الذي جاء بـ الحرية لا بـ القهر .. بـ الرحمة لا الغلظة .. بـ العقل لا بـ التلقين .. جاء بـ العدل لا بـ الكهنوت.
وهنا يذكر علي الشرفاء الناس بـ آيات قرآنية لو تأمّلوها لاهتزّ فيهم الوجدان :
إذ يقول الله تعالي في سورة النحل : ” ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء ” .. كما يقول سبحانه في سورة البقرة : ” لا إكراه في الدين ” .. ويقول ايضاً في سورة الحجرات : ” إنما المؤمنون إخوة ” .. صدق الله العظيم .
انها آيات بينات فيها نداء لليقظة .. فـ كيف نؤمن أن القرآن تبيانٌ لكل شيء .. ثم .. ثم نلهث وراء كلام بشري منقوص ؟! .. من أوهم الناس بأن الوحي ناقص ؟! .. من جعل من الروايات تكملةً لـ وحي الله الكامل ؟ .. من الذي سلّط علي الناس رجال يحدّدون لهم ما يؤمنون به وما يكفرون ؟! .. أليس قرآن الله جامع مانع لـ دين الناس ودنباهم .
ثم يعرج علي الشرفاء في مقاله إلى مآلات الانحراف والصراعات التي لا تنتهي .. ويربط بـ عرض جرئ بين هجر القرآن وبين ما يعيشه المسلمون من تمزق وصراعات .. فـ منذ وفاة النبي الكريم صلي الله عليه وسلم والمواجهات لم تهدأ ولم تتوقف .. الصحابة اقتتلوا .. والقبائل تمزّقت .. والمذاهب تفرّقت .. وسال الدم باسم الدين .. رغم ان القرآن يصدح ويصرخ فينا وفيهم بـ قوله عز وجل : ” ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ” .. صدق الله العظيم .
وهكذا تحوّلت أمة القرآن إلى أمة الفرقان ” فرقة وتناحر وتقاتل ” .. تحولت من أمة للرحمة إلى أمة للغلطة والتكفير .. ولا ندري هنا أين ذهب الذين قال الله فيهم بـ سورة فصلت : ” إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ” ” .. أين من قاله فيهم المولي عز وجل : ” وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَيَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا ” .. أين من قال فيهم الرحمن ” وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ” .
اين من قال فيهم رب العزة والمغفرة : ” .. الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ” .. وقوله تعالي في سورة الأعراف : ” الَّذينَ يَتَّبِعونَ الرَّسولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذي يَجِدونَهُ مَكتوبًا عِندَهُم فِي التَّوراةِ وَالإِنجيلِ يَأمُرُهُم بِالمَعروفِ وَيَنهاهُمعَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنهُم إِصرَهُم وَالأَغلالَ الَّتي كانَت عَلَيهِم فَالَّذينَ آمَنوا بِهِوَعَزَّروهُ وَنَصَروهُ وَاتَّبَعُوا النّورَ الَّذي أُنزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ ” .. صدق الله العظيم .
وهنا تتجلّى أهمية ما كتبه ويكتبه علي الشرفاء الحمادي في مشروعه الفكري التنويري .. هو يكتب كي يعيد الناس إلى النبع الأول .. كي يتدبرون القرآن بـ أعين جديدة خالية من الوسطاء وكهنة التلقين .. كي يبعث الحياه في الكتاب المهجور .. الذي طمره الكهنة والمجوس تحت ركام الزور .
يرسم الشرفاء للناس طريق واحد للخروج من تيه الزور .. يرسم لهم طريق القرآن والنور .. فـ ربما يُولد فيهم من يعقل .. و .. و من يؤمن بـ أن الحق في كتاب الحق .. وأن آياته البينات هي الحبل الذي لا ينقطع .. والنور الذي لا ينطفئ .. والمنهج الذي لا يضل من سلكه أبداً .
اللهم اني قد بلغت .. اللهم فاشهد .