الصيام ميدان أخلاق وتهذيب.. والقرآن ليس كلمات تتلي انما نبراس يضئ معالم الطريق

رمضان ليس مجرد صيام عن الطعام والشراب، بل هو ميدانُ تهذيبٍ، وساحةُ اختبارٍ حقيقيةٍ للتقوى، حيث يسمو العبد بروحه فوق ضرورات الجسد، ويتجرد من أهوائه ليحقق الغاية العظمى التي أرادها الله – عز وجل – من هذه العبادة العظيمة: التقوى ، والتقوى ليست شعاراتٍ تُرفع، ولا طقوسًا تُمارس، بل هي التزامٌ مطلقٌ بأوامر الله، وابتعادٌ عن المعاصي والبغي، وتحقيقٌ للعدالة والرحمة، وتعاونٌ على البر والخير .
- العودة لجذور الإسلام
.. ومن هنا تتجلى أهمية مؤلفات المفكر العربي علي الشرفاء الحمادي في طرحه العميق حول التقوي والدعوة الصادقة للعودة إلى الجذور الحقيقية للإسلام، إلى نور الوحي الإلهي الذي تجسد في القرآن الكريم، ذلك النبع الصافي الذي يحمل بين آياته النجاة من فتن الدنيا، والخلاص من عذاب الآخرة .
فقد سطّر الحمادي بفكره المستنير سلسلة من الكتب التي أصبحت معالم في الفكر الإسلامي، منها ” ومضات على الطريق ” ، ” شرعة الله ومنهاجه ” ، ” المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي ” ، ” يوميات بين الآيات والروايات ” ، و ” الطلاق يهدد أمن المجتمع ” ، وغيرها الكثير والكثير من المؤلفات والأعمال التي أثرت المكتبة العربية برؤية إصلاحية جريئة .

- نهج الرسالة الإلهية الخالدة
ويرتكز جوهر دعوة علي الشرفاء في ضرورة العودة إلى القرآن الكريم كمصدر وحيد وأصيل لفهم الإسلام، بعيدًا عن الروايات والموروثات التي شابت العقيدة وحجبت حقيقتها، ساعيًا بذلك إلى إعادة بناء وعي الأمة، وتوحيد صفوفها، لتكون على نهج الرسالة الإلهية الخالدة، قادرةً على تحقيق النهضة، والخروج من ظلمات الفرقة والتخبط إلى نور الحق والهداية .
كما تحدث الحمادي في سلسلة مؤلفاته عن شهر رمضان الكريم ، والذي يُختبر فيه صبر الإنسان ، ويجاهد نفسه لكبح شهواتها، فيعيد ترتيب أولوياته، ويُطهّر قلبه من أدران الغفلة، فتتجلى أمامه الحقيقة واضحةً: أن التقوى ليست غايةً تُنال بالأمنيات، بل مجاهدةٌ مستمرةٌ وصدقٌ مع الله .

- التقوى غاية عظمى من الصيام
وهذا الشهر الكريم يعد فرصة للعودة ، يعود فيه المسلم إلى القرآن الكريم ، لا ككلماتٍ تُتلى، بل كنبراسٍ يُضيء له معالم الطريق، وكخارطةٍ شاملةٍ تحتوي أسرار الحياة كلها ، فمن أدرك معانيه، وسار على هداه، انكشفت له حقائق الوجود، واستبانت له دروب الحق، فكان رمضان له ميلادًا جديدًا، وبدايةً لطريقٍ لا ينتهي إلا بجنات الخلود .
فالصيام ليس مجرد امتناعٍ عن الطعام والشراب، بل هو وسيلةٌ عظيمةٌ لتحقيق غايةٍ ساميةٍ أرادها الله لعباده، وهي التقوى، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى ؛ ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ” .. صدق الله العظيم ، فالصيام يُهذب النفس، ويُطهِّر القلب، ويجعل الإنسان في حالة دائمةٍ من الوعي واليقظة الروحية، فيتعلم الصبر، ويبتعد عن المحرمات، ويزداد قربًا من الله.

- وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى
اما التقوى فليست مجرد شعورٍ عابرٍ، بل هي التزامٌ حقيقيٌ بأوامر الله، واجتنابٌ لما نهى عنه، وخشيةٌ صادقةٌ من لقائه يوم الحساب ، وهي تظهر في كفِّ الإنسان عن الأذى، وابتعاده عن الظلم، وتحليه بالعدل والرحمة، كما قال الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله : ” وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ” .. صدق الله العظيم ، فالعبادة الحقيقية لا تقتصر على الطقوس الشكلية، وإنما تشمل التفاعل مع قيم الدين في السلوك والمعاملات.

- رمضان موسم الخير والبر
رمضان ليس شهرًا للصيام فحسب، بل هو فرصةٌ عظيمةٌ للتزود بأعمال الخير، والارتقاء بالنفس إلى معارج الكمال، فقد أمرنا الله بالتوسع في الإحسان، ونشر العدل، ومساعدة المحتاجين، والامتناع عن دعم الظلم أو السكوت عليه، بل والوقوف صفًا واحدًا في وجهه، حمايةً للحق ونُصرةً للمظلومين.
- الانحراف عن جوهر الدين
لقد ابتُليت الأمة بمن حوَّلوا الدين إلى مجرد طقوسٍ جامدة، حصروا الإسلام في العبادات، وأغفلوا مقاصده العظمى، فصرفوا الناس عن رسالة القرآن، وأشغلوهم برواياتٍ واجتهاداتٍ لا تمتُّ لجوهر الإسلام بصلة فكانت النتيجة أن تراجع المسلمون عن دورهم الحضاري، وانشغلوا بالجدل والخلافات، بينما كان الإسلام في حقيقته رسالة رحمةٍ وعدلٍ للعالمين، كما قال تعالى في قرآنه الكريم : ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ” .. صدق الله العظيم .

- رمضان والعودة إلى القرآن
شهر رمضان هو الفرصة الذهبية للعودة إلى القرآن الكريم، تلاوةً وتدبرًا، ليس مجرد كلماتٍ تُقرأ، بل دستورًا يُطبَّق، ومنهجًا يُتَّبع ، فقد أنزله الله هدىً ونورًا، فقال عز وجل في آياته البينات : ” شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ” .. صدق الله العظيم ، فكيف يُهمل المسلمون كتاب ربهم، ثم يتساءلون عن أسباب ضعفهم وتفرقهم ؟ .

- التدبر وليس مجرد التلاوة
المصيبة الكبرى أن كثيرًا من المسلمين يجعلون علاقتهم بالقرآن الكريم موسميةً، يقرؤونه في شهر رمضان، ثم يهجرونه بقية العام، مع أن الله ذمَّ من اتخذوا القرآن مهجورًا، فقال سبحانه وتعالي : ” وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ” .. صدق الله العظيم ، فليس المطلوب أن نتلو الآيات بألسنتنا فقط، بل أن نتدبرها، ونجعلها منهجًا لحياتنا، فهي تحوي خارطة طريقٍ متكاملةً لكل أزمات الإنسان، كما قال عز وجل في كتابه الكريم : ” مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ” .. صدق الله العظيم .

- الصيام مدرسة التغيير والإصلاح
الصيام ليس مجرد جوعٍ وعطش، بل هو تدريبٌ للنفس على مجاهدة الشهوات، وكبح الأهواء، والانضباط وفق شريعة الله ومنهاجه، ليخرج المسلم من رمضان أكثر قوةً، وأكثر قدرةً على مواجهة إغراءات الحياة ، فإن استطاع أن يسيطر على نفسه في رمضان، فإنه قادرٌ على مواصلة طريق الطاعة طوال العام، والانتصار على نفسه الأمّارة بالسوء، والتمسك بحبل الله المتين، ليحيا حياةً طيبة، ويأمن أهوال يوم القيامة.
ويختتم علي الشرفاء رسالته الفكرية و التنويرية : فليكن رمضان نقطة انطلاقٍ جديدةٍ في علاقتنا بالله، وليكن القرآن منهاجنا ودستورنا في كل لحظةٍ من حياتنا، فبذلك وحده نستعيد مجد الأمة، ونحقق النهضة، ونحيا كما أراد الله لنا أن نحيا .. اللهم بلغت اللهم فاشهد .