آيفون نموذجًا.. كيف تؤثر رسوم ترامب الجمركية في السوق التقنية؟

أثارت رسوم ترامب الجمركية التي دخلت حيز التنفيذ عاصفة اقتصادية شملت كافة الدول والأسواق، وتعرضت أسواق المال لخسائر بلغت تريليونات الدولارات، وتلك الآثار ليست ببعيدة عن الشركات التقنية الكُبرى التي نالت حظًا وافرًا من الخسائر.
ويشبه الاقتصاديون تلك الأزمة التي أحدثتها رسوم ترامب الجمركية بأزمات اقتصادية كبرى سابقة، مثل “فقاعة الدوت كوم” مطلع الألفية الجارية، والأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، والأزمة الاقتصادية التي صاحبت وباء فيروس كورونا قبل أعوام قليلة.
ومن المتوقع أن يستمر الأثر السلبي لرسوم ترامب الجمركية لمدة غير معلومة ما لم يتراجع عنها هو والدول التي قررت فرض رسوم عكسية عملًا بمبدأ المعاملة بالمثل، فيما يصفه المتخصصون “بالحرب التجارية”.
ولن يقتصر الأثر في سوق الأسهم والعملات المشفرة وأسعار النفط والذهب، بل سيمتد ليشمل أسعار السلع والخدمات، ليس في الولايات المتحدة وحدها بل في كافة دول العالم.
وفيما يتعلق بالشركات التقنية، فقد سجلت الشركات الأمريكية السبعة الكبرى، التي تُعرف رمزيًا باسم “Magnificent Seven” وتضم آبل وأمازون ومايكروسوفت وجوجل وإنفيديا وميتا بالإضافة إلى تسلا، خسائر فاقت تريليوني دولار أمريكي منذ إعلان ترامب تلك الرسوم في الثاني من أبريل وحتى الآن.
وكان لآبل أكبر نصيب من تلك الخسائر، إذ سجلت وحدها ما يزيد على 770 مليار دولار من الخسائر التي ما زالت مستمرة، ولا يُعرف لها حتى الآن قاعًا أو نهاية.
وفي ظل تلك الاضطرابات التي أحدثها ترامب في السوق التقنية، سوف نأخذ آيفون نموذجًا لمحاولة فهم كيف يمكن أن تؤثر رسوم ترامب في أبرز منتج تقني خلال العقدين الماضيين.
اتجاه إلى رفع أسعار هواتف آيفون عالميًا
رجّح محللون أن تكون استجابة آبل للرسوم أكثر تحفظًا مما كان متوقعًا، مع محاولة تخفيف الأثر المباشر على عملائها.
ووفقًا لمذكرة بحثية جديدة أعدها المحلل جيف بو من شركة GF Securities، فإنه يوجد سيناريوهان رئيسيان متوقعان لرد آبل على الرسوم:
- رفع الأسعار عالميًا بنسبة بسيطة تتراوح بين 3% و 6% للمساعدة في تغطية التكاليف الإضافية داخل السوق الأمريكية.
- رفع الأسعار داخل الولايات المتحدة فقط بنسبة أكبر تتراوح بين 10% و 19%.
ويشير بو إلى أن التأثير في كلا الحالتين سيكون أقل ضررًا مما توقعه البعض، مرجعًا ذلك إلى اعتقاده بأن آبل ستتحمل أكبر جزء من التكاليف بنفسها، نظرًا إلى هوامش الربح الضيقة في سلسلة التوريد، وارتفاع تكاليف الإنتاج.
وأضاف أن آبل لن تكون قادرة على تحميل هذه التكاليف على شركائها في سلسلة التوريد إلى حد بعيد، كما أنها قد تتردد في رفع الأسعار بنحو مفرط تفاديًا لرد فعل سلبي من المستهلكين، خاصةً في ظل تراجع الإقبال على هواتف آيفون بسبب تأخر تحسينات الذكاء الاصطناعي.
ونرى من جانبنا أن تلك التوقعات هي الأكثر منطقية وواقعية، بعد أن أثارت بعض التقديرات المبالِغة، التي توقعت أن يصل سعر هواتف آيفون إلى 2300 دولار، الكثير من الجدل.
ونظرًا إلى قوة آبل المالية، فإنها تمتلك القدرة على استيعاب الرسوم الجديدة دون اللجوء إلى زيادات حادة في الأسعار، وتفاديًا لفقدان الحصة السوقية لصالح منافسين قد يكونون مستعدين لتحمّل التكاليف الإضافية مؤقتًا مقابل توسيع قاعدة مستخدميهم، مما يعني أن المستهلكين قد لا يواجهون قفزات كبيرة في الأسعار كما كان يُخشى سابقًا.
وتُعد آبل من أكثر الشركات تضررًا من الحرب التجارية المتصاعدة، نظرًا إلى اعتمادها الكبير على التصنيع في الصين، التي تُفرض عليها رسوم جمركية كبيرة، فضلًا عن رسوم أصغر على دول مثل الهند وفيتنام وتايلاند، التي تُعد مراكز إنتاج ثانوية للشركة.
وكان محللو JPMorgan قد توقعوا الأسبوع الماضي أن ترفع آبل أسعار منتجاتها عالميًا بنسبة قدرها 6% للتعويض عن تأثير الرسوم الأمريكية، في حين رجّح محللو بنك باركليز أن تضطر الشركة إلى زيادة الأسعار أو مواجهة تراجع بنسبة قدرها 15% في ربحية أسهمها.
350 دولارًا .. زيادة متوقعة في سعر آيفون 16 برو ماكس
قدّر محللو بنك UBS أن الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى رفع سعر هاتف آيفون 16 برو ماكس داخل الولايات المتحدة بنحو 350 دولارًا، وهو ما يشكّل زيادة تقارب 30% مقارنةً بسعره الحالي البالغ 1199 دولارًا.
ويُعد آيفون 16 برو ماكس أعلى هاتف فئةً في هواتف آيفون، وهو يُصنع حاليًا في الصين، مما يجعله عرضة للتأثر المباشر برسوم الاستيراد الجديدة.
وفي المقابل، من المتوقع أن يرتفع سعر آيفون 16 برو – الذي يُباع حاليًا بسعر قدره 999 دولارًا – بنحو 120 دولارًا فقط، في حال قررت الشركة تصنيع هذا الإصدار في الهند، وفقًا لتحليلات UBS.
سياسة التصنيع خارج الصين لا تُجدي نفعًا
وفي السياق ذاته، أفاد محللو بنك مورغان ستانلي أن آبل قد تتحمل تكاليف إضافية بقيمة قدرها 34 مليار دولار سنويًا نتيجة تلك الرسوم.
وحتى مع سعي الشركة إلى تنويع مواقع التصنيع خلال السنوات الأخيرة عبر ما يُعرف بـ”إعادة التموضع نحو دول صديقة”، فإن هذه الدول نفسها تخضع للرسوم ذاتها، وإن كانت بنسبة أقل من الصين، مما يحد هامش مرونة آبل.
وأشار البنك في تقريره إلى أن “التمييز بين التصنيع في دول صديقة والتصنيع في الصين يتلاشى فعليًا بعد إعلان الرسوم المتبادلة، إذ إن أي منتج لا يُصنع في الولايات المتحدة سيخضع لرسوم استيراد مرتفعة”.
وتوقع بنك مورغان ستانلي أن تضطر آبل إلى رفع أسعار منتجاتها في السوق الأمريكية بنسبة تتراوح بين 17% و 18%، ما لم تحصل على إعفاءات محتملة من الحكومة الأمريكية.
وأما في حال قررت آبل نقل التصنيع إلى الولايات المتحدة، وهو احتمال يستبعده معظم خبراء سلاسل الإمداد، فإن المحلل دان آيفز من مجموعة Wedbush يقدّر أن يبلغ سعر الهاتف الواحد نحو 3500 دولار.
ترامب يود تصنيع آيفون في الولايات المتحدة
وعلى خلفية الحديث عن ارتفاع أسعار هواتف آيفون، أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، أن الرئيس الحالي دونالد ترامب يعتقد إمكانية نقل تصنيع منتجات مثل هواتف آيفون إلى الولايات المتحدة، مشيرةً إلى أن “شركة آبل لم تكن لتستثمر مبلغًا ضخمًا كهذا لو لم تكن تؤمن بإمكانية تنفيذ المشروع داخل البلاد”. وجاء ذلك تعليقًا على خطة آبل الأخيرة لضخ استثمارات قدرها 500 مليار دولار في السوق الأمريكية.
وتعكس تصريحات البيت الأبيض موقفًا مغايرًا لما أكده مسؤولو شركة آبل على مدى أكثر من عقد، إذ شدد كل من ستيف جوبز وتيم كوك على صعوبة تصنيع هواتف آيفون وغيرها من منتجات الشركة داخل الولايات المتحدة، بسبب نقص الكفاءات الفنية المتخصصة، والبنية التحتية الملائمة.
ووفقًا لما ورد في السيرة الذاتية التي كتبها والتر إيزاكسون عن ستيف جوبز، فقد أوضح الأخير خلال اجتماعات مع الرئيس السابق باراك أوباما عامي 2010 و 2011 أن الولايات المتحدة تفتقر إلى الكفاءات اللازمة لتصنيع منتجاتها، وخاصةً المهندسين المُدربين، خلافًا للصين التي تمتلك وفرة من الكفاءات البشرية المتخصصة.
وكان تيم كوك قد أشار في منتدى مجلة “فورتشن” عام 2017 إلى أن “الصين لم تعد بلدًا منخفض التكلفة منذ سنوات، لكنها ما زالت الأفضل من ناحية وفرة المهارات الفنية المتقدمة والدقيقة المطلوبة لتصنيع منتجات الشركة”.
وحتى الآن، ما زالت تسود حالة من الترقب والغموض بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي بنحو عام، والسوق التقنية بنحو خاص، في ظل قرارات ترامب غير المتوقعة وسياساته غير المسبوقة التي يصعب معها التنبؤ بمآلات الأمور في المستقبل القريب فضلًا عن الأمد البعيد.