اخر الاخبار

العرب بين رسالة السماء وواقع التفرّق .. قراءة في ميزان القرآن الكريم


























علي الشرفاء










إنّ التاريخ والحاضر يؤكدان حقيقة مؤلمة وهي أن العدو الحقيقي للعرب هم العرب أنفسهم فقد عادت الصراعات والخلافات فيما بينهم كما كانت في الجاهلية حيث سادت الحروب والاقتتال والاستيلاء على الممتلكات وسفك دماء الأبرياء
لقد جاء الإسلام برسالة عظيمة هدفها توحيد القلوب والصفوف وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، قال تعالى:
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103].
إلا أنّ العرب ما إن فقدوا قيادة رسول الله ﷺ حتى دبّ الخلاف بينهم وتنازعوا على الزعامة والسلطة فكانت “سقيفة بني ساعدة” مثالاً حيّاً على أن الإيمان لم يدخل بعدُ إلى أعماق القلوب كما أراد الله فغلبت العصبية والأنانية والمصالح الشخصية على روح الإخاء والتقوى مع أن الله تعالى حذّرهم بقوله:
﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: 46].
لقد نسي العرب أن القوة لا تكون بالسيوف بل بالوحدة والعدل والإيمان وأنّ الاختلاف في الدين لا يكون مبرراً للقتال لأن القتال في شريعة الله محدد بحدود واضحة حيث قال سبحانه:
﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 190].
ومع ذلك سالت الدماء بين المسلمين تحت رايات السلطة والجاه في حروب الردة وصفين والجمل والنهروان وفي الصراع بين الأمويين والعباسيين فكانت الفتنة التي فرّقت الأمة ومزّقت وحدتها
وقد أمر الله تعالى بالتعاون على الخير لا على الشر فقال جل شأنه:
﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2].
لكن العرب في الماضي والحاضر خالفوا هذا الأمر الإلهي وتنازعوا وتخاصموا وتقاتلوا على الدنيا فأصابهم ما حذّرهم الله منه من ذلٍّ وضعفٍ وفشل وأصبحت مجتمعاتهم في كثير من الأحيان عاجزة عن تحقيق الأمن والسلام والعدل مع أن الله أراد لهم أن يكونوا خير أمة أخرجت للناس فقال سبحانه:
﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 110].
لقد رفع الله شأن العرب برسالة الإسلام وجعل فيهم نبي الرحمة ليرتقي بأخلاقهم وسلوكهم ويغرس فيهم قيم العدل والإحسان والرحمة كما قال تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].
فلو تمسّك العرب بما أمر الله به من الرحمة والعدل وحفظ الحقوق ونشر السلام لكانوا اليوم أمةً قائدةً في الأخلاق والتقدم والعلم ولكنهم ابتعدوا عن منهج الله واتّبعوا أهواءهم فاستحقوا أن يكونوا في ذيل الأمم بعدما أراد الله لهم أن يكونوا في صدرها
قال تعالى:
﴿وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 124].
لقد منح الله الإنسان حرية الاختيار ليكون مسؤولاً عن عمله يوم الحساب فقال جل جلاله:
﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ۝ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7–8].
وختاماً…
إنّ الله سبحانه قد أتمّ الحجة على عباده وأوضح لهم طريق الحق فمن أطاعه نال رضاه وجنته ومن خالفه خسر الدنيا والآخرة كما قال تعالى:
﴿مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ۝ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النمل: 89–90].
اللهم إنا قد بلّغنا وأنت خير الشاهدين.