اخر الاخبار

الفقه الإسلامي ليس أحكاماً جامدة بل علمٌ يتطوَّر

العيسى حذَّر من خطورة حفظة المتون الذين لمْ يستوعبوا معانيها وأدبها

أكّد الشيخ صالح بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام أنَّ الفقه الإسلامي ليس أحكاماً جامدة بل هو علمٌ حيٌّ يتطوَّر مع الزمن، مستمدٌّ من الكتاب والسُّنّة، مراعٍ للواقع المتغيِّر، مع الحفاظ على ثوابته الأصلية.

جاء ذلك خلال أعمال «ملتقى الفقهاء» الأول بعنوان «تدريس الفقه الإسلامي وتكوين الفقيه: معالم وضوابط»، الذي دشَّنه الدكتور محمد العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي رئيس هيئة علماء المسلمين، في كوالالمبور، الأربعاء، برعاية رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، وحضور عددٍ من كبار المفتين والفقهاء.

وأوضح الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي عام السعودية رئيس هيئة كبار العلماء أنَّ الفقه علمٌ دقيقٌ يتعلَّق بتخصص محدَّد، مشيراً إلى أنَّ المكتبة الإسلامية تزخر اليوم بإنتاجٍ فقهيٍّ يعزّ نظيره، متطلعاً لأن يخرج الملتقى بدراسات وتوصيات تتعلَّق بتقريب هذا المحتوى الكبير للطلبة، ودراسة مناهج تدريسه بجامعات العالم الإسلامي، ومدى قوتها وأثرها في تخريج فقيه يستطيع البحث والنظر، ودراسة المسائل والنوازل.

وفي كلمة ألقاها نيابة عنه الدكتور فهد الماجد أمين عام الهيئة عضو المجمع ورئيس اللجنة العلمية فيه، أعرب آل الشيخ عن شكره للمجمع الذي يأتي في منظومة مؤسسات الرابطة، والتي قدَّمتها السعودية للعالم الإسلامي كي تساعد على جمع الكلمة، وتبني أواصر المحبة بين المسلمين، وتواجه نوازلهم الفقهية المعاصرة بنظرٍ علميٍّ متينٍ عبره.

الدكتور فهد الماجد لدى إلقائه الكلمة في الملتقى نيابة عن مفتي عام السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ (واس)

من جانبه، أكد العيسى أنَّ الفقهَ الإسلاميَّ في امتداده التاريخي الحافل كان ولا يزال المرجعَ الشرعيَّ في العِلم بالأحكام الفرعية العملية المستمدّة من الأدلة التفصيلية، مُبصِّراً المسلمين بدينهم على هَدي شريعتهم.

وبيَّن أن فقهاء الأمّة الكبار كان لهم إسهامٌ ميمونٌ في تعزيز وحدة الأمّة الإسلامية عبر تمتين صلات العلم وأدبه بين المدارس الفقهية، انطلاقاً من نيّاتهم الصادقة، ورحابة صدورهم، وصفاء قلوبهم، وراسخ علومهم، مضيفاً أن ساحة العلم كانت رحبة بهم، يُجلِّلهم أدبُ الإسلام الرفيع، وهو ما جعل هذا التعدُّد المذهبي مصدرَ إثراءٍ علميٍّ، مبرزاً معالم السَّعة والمرونة في الشرع الحنيف، وانسجامه التام على اختلاف الزمان والمكان والأحوال.

وشدَّد أمين عام الرابطة على أنه لمْ يضِق بهذا التنوّع ورحابته العلمية إلا مَن ضاق علماً وأفقاً وباعاً، مُحذِّراً من خطورة أولئك الذين حفِظوا متون النصوص ولمْ يستوعبوا معانيها وأدبها العالي، ولمْ يعلموا أنَّ فضلَ الله واسعٌ، وشريعته حنيفية سمحة، وأنَّ تأليفَهم لقلوب إخوانهم قد يكون وفق الموازنة بين المصالح والمفاسد، خيراً لهم في دينهم ودنياهم من اجتهاد أصابوا فيه.

الدكتور محمد العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي يلقي كلمته في افتتاحه أعمال الملتقى (واس)

ونوَّه بضرورة استيعاب الاجتهادات الفقهية، وبناء الجسور بين المذاهب الإسلامية، تداولاً وتفاهماً واحتراماً متبادلاً، موضحاً أنَّ علماء الأمّة، وقد تنوّعوا في اجتهاداتهم، إنّما هم لبِنات في بناء واحد؛ يزداد جمالاً في كثير من تنوّعه وتكامُله.

وختم بالقول: «في هذا اللقاء المبارك كانت هناك لجنة تحضيرية اضطلَعت بكامل المسؤولية فيما نحسَب، وانتهت إلى إصدار هذا المجلّد الزاخر ببحوثه المتعمقة والمدققة في شأن تدريس الفقه الإسلامي، وتكوين الفقيه، في سياق معالم وضوابط مهمّة، فأجزل الله مثوبتهم».

من جهته، أشار بن حميد، وهو رئيس «مجمع الفقه الدولي» بمنظمة التعاون الإسلامي، إلى أنَّ تطوير الدرس الفقهي يعني تقريب سلَّم الاجتهاد في أدواته ومعاييره، والاستفادة من مصادر الفقه ومخرجات اجتهادات الفقهاء المتقدمين والمعاصرين، واستيعاب لغة الفقه ومصطلحاته، ليتسنَّى إدراك أصوله وفروعه، ومعالجة المستجدات دون الافتئات على الشريعة وأصولها ومصادرها.

الشيخ صالح بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام يتحدث خلال افتتاح أعمال الملتقى (واس)

ويرى أنَّ تكوين الفقيه يتطلَّب بناء شخصية علمية متوازنة تجمع بين العُمق الشَّرعي والوعي العصري، مبيّناً أنَّ هذا التطوير يقوم على أسسٍ راسخة أبرزها: الرجوع إلى الأدلة الشّرعية الأساسية من القرآن الكريم والسُّنة والإجماع والقياس والأدلة الأخرى، إضافة إلى مراعاة مقاصد الشريعة ومقاصد المكلّفين.

بدوره أكّد الشيخ أحمد بن فاضل، مفتي ماليزيا، أهمية الاجتهاد الجماعي في ظلِّ المستجدات المُتسارعة والتطورات المعقّدة بمختلف جوانب الحياة، مبيناً أن الحياة المعاصرة بما فيها من تقدُّم تكنولوجي واجتماعي، أفرزت مسائل شرعية جديدة لم تكن موجودة في العصور السابقة، مما يستدعي آليات دقيقة ومنهجية لضمان استنباط الأحكام بما يتوافق مع مقاصد الشريعة ويحفظ مصالح الأمة.

وناقش الملتقى مسائل مهمّة مستجدَّة في تدريس مادة الفقه الإسلامي، مستعرضاً معالم وضوابط محوريّة في تكوين الفقيه المعاصر.

«ملتقى الفقهاء» الأول حَمَل عنوان «تدريس الفقه الإسلامي وتكوين الفقيه: معالم وضوابط» (واس)

وأشاد المشاركون في البيان الختامي بما تُقدّمه المجامع الفقهية من نموذجٍ عصريٍّ رائدٍ في تنظيم الإجماع الفقهي، عبر ضبْط مسار الاجتهاد الجماعي، وإسناده إلى نخبة من العلماء الذين جمعوا بين سَعة الفقه والخبرة العملية، والتمكُّن الحاذق من أدوات النظر والاستنباط وأصوله.

وشهد البيان جملةً من التوصيات الكفيلة بضبط وتطوير مسار الدرس الفقهي الإسلامي وتكوين الفقيه، ومواجهة التحديات الفقهية المعاصرة، داعياً لتحويل الملتقى إلى مناسبة دورية تنعقد بمختلف الدول الإسلامية؛ لتعميق أواصر العلاقة بين الفقهاء، وتسهيل تباحُثهم في الشؤون الشرعية والعلمية.

“);
googletag.cmd.push(function() { onDvtagReady(function () { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); }); });
}