اللعب بالنار باسم الترند حين يتحول الاستفزاز إلى مشروع شخصي

في زمن تتراجع فيه القيم لحساب الإثارة ، ويعلو فيه صوت ” الترند ” فوق صوت الحكمة يخرج علينا البعض بمواقف أقل ما توصف به أنها لعب بالنار. لا نار الجدل الفكري أو الحوار الحضاري بل نار الفتنة الطائفية والاستقطاب الاجتماعي التيإن اشتعلت فلن تبقي ولن تذر .
نحن أمام نموذج يتكرر للأسف حيث يتم تقديم الخطاب الإعلامي بصفته صداميا لا بهدف كشف الحقيقة أو خدمة المجتمع بل لابتزاز المشاعر واستثارة الجمهور والاحتماء خلف أقليات أو جماعات بعينها وكأنها “دروع بشرية” ضد النقد أو أدوات للمتاجرة .
إبراهيم عيسى الذي لا ينفك يطرح نفسه كـ”حامل لواء التنوير” يمارس لعبة خطرة استعطاف الأقباط وتقديم نفسه كمدافع عنهم في وجه “الوحش الإسلامي المتجبر” على حد ما توحي به سطور برامجه ومقالاته وكأن القضية صراع وجود بين طرفين متناحرين، لا شعب واحد ولا أخوة وطن ولا مصير مشترك .
الأدهى من ذلك أن بعض إخوتنا المسيحيين صدّقوا هذه المسرحية لا لشيء إلا لأن الرجل يتجرأ على الإسلام دون رادع فخالوه صادقا في محبته وناصحا في توجهه بينما هو في الواقع يشعل الحرائق ويترك الجميع يتقاتلون على رمادها .
ولكي يخفي معالم الجريمة يحاول تصوير ما يحدث على أنه “خلاف حول مباراة كرة قدم” أو “صراع ثقافات” لا مواجهة قاسية مع ازدراء صريح للدين الإسلامي وتعاليمه وتاريخ أمته ورموزه .
فمنذ متى كانت الرياضة مبررا للهجوم على عقيدة؟ ، ومنذ متى كان “الاختلاف” مبررًا للتهكم على القرآن وبيانه؟ ، ومنذ متى صار المثقف الحقيقي هو من يفتش عن مناطق الاحتقان ويضغط عليها بقوة ثم يختبئ خلف قناع “التنوير”و”الحرية الشخصية”؟
- صمت الدولة أكثر ما يؤلم
لكن ما يؤلم أكثر من كل هذا هو صمت الدولة صمتٌ يشبه الرضا أو على الأقل التقاعس فحين لا تتحرك المؤسسات المسؤولة سواء الإعلامية أو القضائية أو حتى الدينية للجم هذا العبث فإنها ترسل رسالة ضمنية بأن كل شيء مباح ، ما دام تحت شعار “الرأي والرأي الآخر” .
- فهل أصبح الإسلام بلا ظهير؟
وهل باتت مشاعر ملايين المسلمين مستباحة باسم ” الاختلاف الفكري ” ؟ ، أم أن هناك من يريد جر البلاد إلى أرض بور لايسود فيها إلا الخراب والانقسام ؟ .
كلمة حق : لسنا ضد حرية التعبير ولسنا من أنصار دفن الرؤوس في الرمال ولكننا ضد أن يتحول التنوع الديني إلى مادة للتربح والطائفية إلى أداة لرفع نسب المشاهدة والفتنة إلى استراتيجية إعلامية
لسنا بحاجة إلى من يذكرنا أننا إخوة نحن نعلم ذلك بالفطرة قبل النصوص وبالعيش المشترك قبل الدساتير ولكننا بحاجة إلى وقف هذا العبث الذي لا يعرف إلا لغة التحريض ولا يسعى إلا لتدمير ما تبقى من الثقة بين أبناء الشعب الواحد .
في النهاية من يلعب بالنار سيكتوي بها، لكن الخوف ألا يكون وحده من يدفع الثمن بل نحن جميعًا .
كاتب المقال : كاتب صحفي مدير تحرير جريدة الجمهورية