بـ أي ذنب قتلت الرسالة

من أطفأ نور الرحمن لـ يحل محله ظلام الشيطان ؟ .. من الذي تسلط على مدارك العقل في الإنسان فـ أسدل على بصائره سحب الغواية .. حتي غاب نور الإيمان وسكتت نسائم الرحمة .. و .. و حل محلها نذر الهلاك والخراب ؟ .
تحوّلت رسالة الإسلام التي جاءت بـ النور والحرية إلى صدىً لـ أصوات زُرّاع الفتنة وسدنة الباطل .. تجرأ عليها عرّابو الفساد وإخمدوا نور الرحمة .. فـ ضل الذين انتموا للإسلام شكلاً دون إيمان صادق بـ شريعة الله ومنهاجه .. شريعة وُضعت لما ينفع الانسان ويضمن له حياةً طيبة لا ظلم فيها ولا طغيان .
فـ ما الذي حدث فينا ؟ .. كيف تحوّل الدين الذي جاء كي يحرر البشرية .. إلى سلاح يحرض علي القتل وإزهاق الروح البريئة ؟ .. من أطفأ النور وتركنا نسير في ظلام دامس نردد آيات الله دون أن نعيش معناها ؟ .. من الذي سرق منا إسلامنا .. ثم .. ثم ترك لنا طقوساً فارغة .. و .. و شعارات نرددها دون أثر ؟ .
لقد أفرغ أولياء الشيطان وسدنة الباطل الدين من جوهره .. و بدل أن يكون الإسلام طريقاً للنور .. أصبح أداة للتفرقة والصدام .. تحولت الدعوة إلى قتل وسفك دماء واضطهاد لـ أدمية لإنسان .
نسينا الله وهجرنا القرآن وأطعنا دعاة الفتنة وتجار الدم والعقيدة .. حفظنا آيات الرحمن دون فهم وإدراك .. ودون وعي بـ مقاصد الآيات التي جاءت كي تضيء للناس طريق الهداية .. وتُخرجهم من الظلمات إلى النور .. جعلوا من القرآن مجرد تبرك يُعلّق على الجدران ويُتلى في الحفلات وعلى قبور الأموات .. أفرغوه من رسالته الحقيقية : بـ أن يكون حصناً للناس من الشرور والذنوب .. ومن أنفسهم وأن يهديهم لـ طريق الحق والبيان .
رغم أن الله حين أنزل كتابه المبين .. أنزله كي يكون نوراً يهدي الإنسان من ظلمة الجهل والتفرقة والبغضاء إلى سبل الرحمة والعدل والسلام .. إذ يقول المولي سبحانه وتعالي في محكم التنزيل : ” قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ” .. صدق الله العظيم .
.. و .. و في تلك الأوقات العصيبة التي تعصف فيها الحيرة قلوب الناس .. يسطع لنا بصيص من الأمل .. بصيص يبرز في مشروع تنويري للمفكر العربي الكبير علي الشرفاء الحمادي .. إذ يكتب مقالاً بليغاً تحت عنوان : ” الطريق من الظلمات الي النور ” .. مقالاً تلامس كلماته نبض الروح وتداوي أوجاع مر عليها عقود وسنين .. يجيب فيه الحمادي عن تساؤلات ضلت طريق الخير وتاهت بين ركام الفتن وغبار التيه .
ويذكر الشرفاء الحمادي الناس بـ إن أول أمر من الله كان في قوله تعالي : ” اقرأ باسم ربك الذي خلق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم ” .. صدق الله العظيم
رسالة الله للناس هي : العلم والقراءة .. لا فقط قراءة النصوص .. بل قراءة الكون والأفلاك والبحار والجبال والزرع والمعادن .. والأرض بكل ما فيها من خيرات .. لكن كانت المؤامرة منذ البداية على حجب القرآن عن العقول .. حتى لا يقرأه العرب بـ علم فيتعلّموا الأسرار التي أودعها الله في الجبال والرمال والبحار .. وهكذا أراد لهم المستعمرون أن يظلوا رعاة لـ الجمال .. يعيشون في غفلة عن ما يعلمه لهم القرآن الكريم .
قال تعالى في محكم التنزيل : ” هو الذي جعل لكم الأرض ذلولًا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ” .. صدق الله العظيم .. لقد أراد الله للناس أن يسعوا في الأرض ويبحثوا عن الأرزاق .. لـ يؤمّنوا لـ أنفسهم حياة كريمة .. وأمناً غذائياً .. واكتفاءً ذاتياً .. فلا يكونوا أسرى لـ أعدائهم في طعامهم وشرابهم .
وتبدو هنا كلمات علي الشرفاء و في كل كتاباته ومؤلفاته ومشروعه الفكري .. تبدو وكأنها طوق نجاة في بحر الظلمات .. طوق يأخذنا نحو فجر جديد ملئ بـ الحق والنور والبصيرة الثاقبة .
إذ يجيب الحمادي علي الاسئلة الحائرة : نحن من خنق النور .. نحن من أغلقنا نوافذ العقل والفطرة .. ثم .. ثم هجرنا القرآن الكريم وتركناه في واجهة المشهد .. بينما صنعنا لـ أنفسنا ديناً جديد مستنداً إلى روايات وتأويلات ومصالح .. قاتلنا من امتنع عن الزكاة مع أن الله لم يأمر بـ قتله .. أقمنا ” حروب الردة ” رغم أن القرآن لم يُشرّع أبداً قتال المرتد .. وقد قالها الله سبحانه وتعالي بوضوح صريح في كتابه المبين : ” لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ” .. وقال أيضاً : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ” .. صدق الله العظيم .
لم يقل المولي عز وجل : فاقتلوه .. بل ترك أمره لله .. لأن الله وحدهُ هو الذي يحاسب الناس يوم القيامة .
لكن ماذا فعل الناس ؟ : خرجوا عن ” شرعة الله ومنهاجه ” وجلسوا في المساجد .. واعتمدوا على الدعاء .. منتظرين أن يُنزل الله عليهم مائدة من السماء .. ولمّا خالفوا أوامر الله .. لم يُستجب لهم الله في شيء .. أما لو أطاعوه كما أمرهم لـ استقلوا بـ سيادتهم .. ونجحوا في حماية أمنهم واستقرارهم لكن أضلهم أولياء الشيطان وأوهموهم وأقنعوهم بـ الأحلام .. حتى جاء المستعمرون ونهبوا ثرواتهم .. واستغلوهم .. وعاملوهم كـ العبيد يؤمرون فـ يطيعون .
هكذا تمّ إبعاد القرآن عن العقول .. حتى لا تُدرك حقيقة الإسلام .. الذي يرشد إلى طريق العزة والكرامة والسلام الاجتماعي والعمل والبحث العلمي واستكشاف كنوز الأرض .. لـ رفع مستوى المعيشة لـ شعوبهم .
لكن المسلمون أهملوا كل ذلك .. وهجروا ما كلفهم الله به من السعي في الأرض .. والتنقيب عن رزق الله في ظاهرها وباطنها .. حتى جاء قطاع الطرق فـ استولوا على أوطان العرب .. ونهبوا ثرواتهم .. واحتلوا أراضيهم .. واستعبدوا شعوبهم .. الذين كان جلّ همّهم الاستمتاع بـ تلاوة القرآن بـ أصوات جميلة .. وتحفيظه لـ أبنائهم دون أن يفقهوه .. ودون أن يدركوا حقيقته.
نعم هجروا القرآن .. وأخفوا شعلة النور التي تخرجهم من الظلمات إلى النور .
إن ” رسالة السلام ” تحذر اليوم وبشدة من خطورة الاستكانة .. وتصديق أولياء الشيطان .. الذين أضلّوا الناس قروناً .. وآن أوان الاستيقاظ .. لـ استعادة القرآن والتدبر في آياته .. وتحكيم العقل في تشريعاته ومنهاجه .. وإعادة النظر في كل المفاهيم الخاطئة التي آمن بها الناس وصدقوها .
لقد اتبعوا روايات الشياطين .. فـ أضلتهم عن الطريق المستقيم .. واستسلموا لـ أعدائهم .. وفتحوا لهم الأبواب .. فـ دخلوا .. واحتلوا أوطانهم .. وساقوهم كـ الأنعام إلى أن يأتي وقت التضحية .
ولم تكتفي أمتنا الإسلامية بـ هذا الخذلان والخنوع .. وجعلت القتل وسيلة للغة الحوار فيما بينها .. واستبدلت خطاب الرحمة بـ خطاب التخويف .. وبدت وكأنها لم تقرأ قول الله سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم : ” وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ” .. صدق الله العظيم .
فـ أين هو ” الحق ” في قتل من اختلف ؟ .. وأين هو ” الإيمان ” الذي يأمرنا أن نحمل السيف في وجه من لم يُطع أوامرنا؟ .
لقد تفرقنا طوائف .. وتشرذمنا أحزاباً .. وكل فرقة ترفع شعار ” الفرقة الناجية ” وتلعن من سواها .. رغم أن الله حذّرنا من التشرذم في قوله عز وجل في محكم التنزيل : ” إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ” .. صدق الله العظيم .
وهنا ينادي الشرفاء الحمادي في الناس قائلاً : يا امة الإسلام .. ألم نرَ بعد حجم الانحدار الذي أصابنا منذ أن هجرنا القرآن الكريم ؟ .. ألم نُدرك بعد أن عزّتنا المفقودة لن تُسترد إلا إذا عدنا إلى ذلك الكتاب العظيم .. واتخذناه مرجعاً أول لا ينازعه رأي .. ولا تزاحمه رواية .. ولا يُقدَّم عليه فقيه أو شيخ ؟ .
القرآن وحده هو النور الحقيقي وكل ما عداه ظل وظلال .. إذ يقول الله تعالى : ” يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ” .. صدق الله العظيم .
فليكن القرآن الكريم مرجعنا لا شعارنا .. وعهدنا لا زينتنا .. ودستورنا لا غلافاً مزخرفاً نضعه فوق الرفوف .. لعلنا يومها نُعيد إشعال النور الذي خنقناه بـ أيدينا .. لعلنا نرتقي من جديد .
ولا تنسوا أن أول آية في كتاب الرحمن كانت : ” اقرأ ” .. لا ” أقتل “ .
اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد .