تعاون غريب بين السجناء والجيش الأميركي في غوانتنامو

في السنوات الأخيرة، ظهرت مجموعة غير متوقعة من الصور الفوتوغرافية لتقدّم للعالم لمحة نادرة عن السجن العسكري الأميركي في خليج غوانتنامو من الداخل.
في هذه الصور، يظهر رجال محتجزون منذ أكثر من عقدين من الزمن، وهم يقفون طوعاً أمام عدسات الجنود الأميركيين. بعضهم متهم بالتخطيط لهجمات 11 سبتمبر (أيلول)، بينما لم تُوجَّه لأي منهم تهم رسمية، وقد يُفرج عن بعضهم.
يرسل السجناء هذه الصور إلى عائلاتهم، في إطار تعاون مستمر منذ سنوات بين الجيش الأميركي واللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر».
يرتدي السجناء ملابس مدنية، وأحياناً تقليدية. بعضهم يبتسم، وآخرون يبدون أكثر جدية، لكن الغالبية تظهر بملامح هادئة. وقد وصف سجناء سابقون هذه الصور بأنها محاولة لطمأنة أحبائهم الذين لم يروهم منذ سنوات طويلة، وبعضهم كان يعتقد أنهم ماتوا.
يأتي ذلك في إطار برنامج يشرف عليه «الصليب الأحمر»، يتيح للمحتجزين في «الحرب على الإرهاب» التواصل مع عائلاتهم عبر رسائل وبطاقات تخضع لمراجعة السجن. وقد نصّت اتفاقيات جنيف، التي تنظّم قوانين الحرب، على هذه الحقوق. جميع السجناء الخمسة عشر في غوانتنامو استفادوا من البرنامج الذي بدأ السماح بالصور عام 2009.
في إحدى الصور الحديثة، يظهر خالد شيخ محمد (المتهم بتدبير هجمات 11 سبتمبر التي أودت بحياة نحو 3000 شخص) مرتدياً ثوباً أبيض مكويّاً، ولحيته مصبوغة.
وفي صورة أخرى تعود إلى عام 2009، يظهر جالساً على سجادة صلاة ممسكاً بمسبحة، وكانت من أوائل صوره التي وصلت إلى العلن منذ أن نشرت وكالة الاستخبارات المركزية صورة له بعد اعتقاله عام 2003، حين بدا شعره أشعثاً وصدره عارياً بعد اقتياده من سريره.
تقدّم هذه المجموعة من الصور مشهداً منسقاً بعناية عن الحياة داخل مركز الاحتجاز البحري الذي احتجزت فيه الولايات المتحدة نحو 780 رجلاً وصبياً منذ عام 2002، في إطار «الحرب على الإرهاب». ولم يتبقّ اليوم سوى 15 سجيناً.
الغالبية العظمى من الذين احتجزوا هناك لم تُوجَّه إليهم أي تهم، وأُعيدوا إلى بلدانهم أو استقروا في دول أخرى.

عندما بدأ برنامج «الصليب الأحمر» عام 2009، كان السجن يضم نحو 240 شخصاً. وبحسب إحصاءات «الصليب الأحمر»، فإن نحو 169 منهم التقطت لهم صور وأُرسلت لعائلاتهم.
كانت هذه الصور بمثابة «إثبات للحياة»؛ خصوصاً بالنسبة لأولئك الذين أمضوا سنوات في مواقع احتجاز سرّية تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية قبل نقلهم إلى غوانتنامو في سبتمبر (أيلول) 2006.
في إحدى الصور، يظهر عمار البلوشي (ابن أخت خالد شيخ محمد المتهم بالمشاركة في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر) مرتدياً لباس السجن الأبيض الذي يرمز إلى تعاونه مع سجّانيه، ومعتمراً قبعة أفغانية. ويُعتقد أن هذه أول صورة له ضمن برنامج «الصليب الأحمر» في غوانتنامو.

تعود الصورة إلى نحو عام 2009. وقد استخدم كوفية حمراء مربعة كخلفية، وجلس على سجادة صلاة ممسكاً بمسبحة، وهما من «الأغراض المريحة» المسموح بها عسكرياً. كانت لحيته آنذاك قد نمت بحرية، على عكس صورة سابقة سرّية له وهو عارٍ أثناء احتجازه في مراكز الـ«CIA».
وفي صور لاحقة، بدت لحيته وقد شابت، وهو يرتدي قميصاً فضفاضاً وسروالاً وقلنسوة «سِندية» تُمثل تراث عائلته البلوشية. هذه المرة كانت الخلفية بطانية خضراء سميكة مقاومة للتمزق، من النوع المستخدَم في أماكن الاحتجاز.
في البداية، كان ممثلو «الصليب الأحمر» هم من يلتقطون الصور. كانوا يجلبون ملابس تقليدية، إذا أراد السجناء ارتداءها بدلاً من زي السجن، وينصبون خلفيات مؤقتة في زنازين فارغة أو في ساحات الترفيه.
«الصليب الأحمر»، الذي يتولى إيصال الصور، لا يعتبرها ملكه، ولم ينشر أيّاً منها على الملأ. وكذلك الجيش الأميركي، الذي يراجع الصور بدقة قبل تسليمها للعائلات، خوفاً من وجود رسائل سرية أو مخاطر أمنية.
لكن أقارب السجناء ومحامي الدفاع عنهم سلّموا بعضها لوسائل الإعلام، كما استخدمها ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي.

كما أن هذه الصور تملأ فراغاً بصرياً؛ فالجيش الأميركي لم يعد يسمح للصحافة بالدخول إلى السجن.
على مدى سنوات، سُمح للمصورين والصحافيين بزيارة المنشأة، وكانوا يلتقطون صوراً لا تُظهر وجوه السجناء، لكن وزارة الدفاع أوقفت هذه الزيارات عام 2019.
تقول ديبي كورنوال، وهي محامية حقوق مدنية سابقة ومصوّرة أصدرت كتاباً مصوراً بعنوان «مرحباً بكم في معسكر أميركا»: «تختلف قراءة هذه الصور بحسب مَن ينظر إليها. بالنسبة لعائلات السجناء، فهي مطمئنة وتبدّد المخاوف. أما بالنسبة للعامة، فهي توحي خطأً بأن المحتجزين يتمتعون بحرية الاختيار في غوانتنامو، بينما هم في واقع الأمر تحت السيطرة الكاملة للجيش».
مع تفشي جائحة «كورونا»، عندما توقفت زيارات «الصليب الأحمر» مؤقتاً، بدا مصوّرو الجيش يتولّون التقاط الصور.
وفي عام 2002، التقط مصورو الجيش أولى الصور الأيقونية للسجناء راكعين داخل أقفاص ويرتدون البزات البرتقالية، ووجوههم مغطاة. لاحقاً، أوكلت إليهم مهمة توثيق عمليات التغذية القسرية.
أما اليوم، فيلتقط هؤلاء المصورون الصور نفسها، لكن لأجل عائلات السجناء، مستخدمين الزنازين كاستوديوهات مؤقتة.
سفيان برهومي، الذي احتجز في غوانتنامو لمدة 20 عاماً دون محاكمة، وأُفرج عنه لاحقاً إلى الجزائر، قال إن السجناء «يحاولون الظهور بشكل قوي» في الصور.
وأضاف: «حتى التفاصيل الصغيرة (مثل أن يروكَ بملابس مدنية) تُعني الكثير لعائلتك. لكن العائلة لا تعرف كم تعاني فقط لأجل التقاط الصورة». وأوضح أن بعض الجلسات كانت تُجرى فيما السجناء مكبلون بالأغلال المخفية عند الكاحلين والمعاصم. ورفضت القيادة الجنوبية للجيش الأميركي، المسؤولة عن تشغيل السجن، إتاحة المصورين لإجراء مقابلات.
في إحدى الصور الملتقطة عام 2024، يبدو أبو زبيدة وكأنه خرج من مجلة يخت، لا من زنزانة. وكان يضع رقعة سوداء مزيفة على عينه تتدلى على عنقه مثل ربطة عنق.
أبو زبيدة، واسمه الحقيقي زين العابدين محمد حسين، لم يُوجَّه إليه أي اتهام رسمي.
وكانت أولى صوره قد التُقِطت قبل أن يُسمح له بارتداء الملابس المدنية داخل السجن، وهو امتياز أقرّه الجيش الأميركي تماشياً مع اتفاقيات جنيف للسجناء غير المدانين.
في يونيو (حزيران) 2024، التقطت له صورة وهو يرتدي ألواناً حمراء وبيضاء وزرقاء (تصادف أنها ألوان العلم الأميركي)، بحسب محاميه آنذاك.
أبو زبيدة كان أول مَن تعرّض للتعذيب بالإيهام بالغرق من قبل «وكالة الاستخبارات المركزية»، وأول سجين في برنامج الاعتقال السري الذي أنشأته إدارة بوش بعد هجمات 11 سبتمبر.
ورغم أنه لم يُتهم بالمشاركة في الهجمات، فإن لجنة الأمن القومي الأميركي اعتبرته «خطيراً جداً بحيث لا يمكن الإفراج عنه».
قالت كورنوال: «في صورته وهو يرتدي سترة بحرية داكنة، يمكن للمرء أن يتخيله يسير في الشارع بين الناس. لكن، كما يبدو، لن يحدث ذلك أبداً».
* خدمة «نيويورك تايمز»
googletag.cmd.push(function() { onDvtagReady(function () { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); }); });
}
