اخر الاخبار

تكيّة الخالدين” في مشهدية العمل الإغاثي… بين الواجب الإنساني والدوافع الأخلاقية والوطنية ..المستشار د. أحمد يوسف


سيبقى العمل الإغاثي شاهدًا دائمًا على صحوة الضمير الإنساني، وعلى تلك الخيرية التي تمثلها نفوسٌ وهبت مالها ووقتها من أجل إسعاد الآخرين، والتخفيف من معاناتهم، وحفظ كرامتهم.

بدأ مشروع “تكيّة الخالدين” مع الأيام الأولى للحرب وتدفّق النازحين إلى مناطق الجنوب، وتحديدًا إلى مدينة رفح، وبالأخص حيّ تلّ السلطان. كانت الأيام الأولى حالةً من الصدمة والذهول، إذ وجدنا أنفسنا أمام أعداد كبيرة من الأهل والأقارب تمكّنا من استيعابهم وتأمين احتياجاتهم من داخل بيوتنا، حيث أخذنا نتقاسم معهم كلّ شيء: الطعام والشراب، والأغطية والملابس، وحتى مستلزمات المطبخ.

وخلال أقل من أسبوعين، كانت الساحات المحيطة تعجّ بالنازحين الذين لا مأوى لهم، عندها تحركت فينا الهمم، واستيقظت فينا الكرامة الوطنية، والشعور بالواجب الديني والأخلاقي.. وعليه؛ شرعنا في التحرك السريع لتأمين الخيام والشوادر في المنتزه الخاص بالبلدية لهؤلاء الذين صارت أعدادهم تتجاوز المئات، في مشهدٍ يقطر بؤسًا وتغمره الدموع.

كانت فكرة التكيّة هي الحلّ لتغطية احتياجات هذا الكمّ الهائل من النازحين. وجاءت البدايات بالشراكة مع هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH)، التي رعت المشروع بكامل مستلزماته المالية والطاقات العاملة، طوال فترة وجودنا في تلّ السلطان، وحتى بعد انتقالنا إلى منطقة المواصي غرب خان يونس لأكثر من شهرين.

كان نزوحنا من رفح موجعًا وشاقًا على النفس، لكن أمانة المسؤولية ظلّت تطاردنا، وتفرض علينا أداء واجبنا الوطني في تعزيز صمود أهلنا في رحلة النزوح. 
وعلى عجلٍ، وبفضل دعم من اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC)، تمّ تأسيس مقرّ التكيّة وتزويدها ببعض المواد التموينية اللازمة.

في الحقيقة، لم تتوقف احتياجات التكيّة على جهة واحدة، بل تضافرت الجهود لتوفير ما تحتاجه من طعام وشراب، وكان لـ مؤسسة الفارس الشهم (3) الإماراتية فضلٌ كبير في نجاح عمل التكيّة واتساع نطاق خدماتها.

واليوم، وبعد كلّ تلك الجهود الرسمية والشخصية، نقف محافظين على هذا الصرح الإغاثي بطبيعته الإنسانية في منطقة مواصي خان يونس، كأحد الأعمدة الراسخة التي تعزّز صمود أهلنا وثباتهم في وجه مخططات التهجير والتطهير العرقي.

لقد كانت “تكيّة الخالدين” أكثر من مطبخٍ خيريٍّ أو مبادرةٍ إنسانية، كانت عنوانًا للرحمة في زمن القسوة، وتجسيدًا حقيقيًا لمعنى التكافل حين تنطفئ الأنوار ويُختبر الصبر والإيمان. هناك، بين الخيام وتحت ظلال المعاناة، وُلدت حكاياتٌ عن العطاء الفلسطيني الذي لا يعرف الانكسار، وعن قلوبٍ آمنت بأن خدمة الناس عبادة، وأن حفظ الكرامة في أوقات الشدة هو أسمى معاني الوطنية والإيمان.
وهكذا، ستبقى التكيّة شاهدًا على أن في غزة من يصنع الحياة، حتى في أوج الألم والموت.
باختصار.. إن صمود أهلنا من النازحين كان بفضل الكثير من المؤسسات المحلية والدولية التي أعطت للعمل الخيري بوجهيه الإنساني والإغاثي الأولوية لتحقيق معادلة الامن والطعام.